تُعَدّ الأمراض غير المعدية مشكلة صحية عامة كبرى في تونس بحسب ما كشفت دراسة أعدّتها وزارة الصحة، لا سيّما أنّ الإصابات بداء السكري والأمراض التنفسية المزمنة وأمراض القلب والسرطان تتسبّب في 80 في المائة من مجموع الوفيات وتمثّل 60 في المائة من نفقات التأمين الصحي في البلاد. ويؤثّر نمط الحياة المتّبع من قبل التونسيين ونظامهم الغذائي على الوضع الصحي العام، الأمر الذي دفع السلطات الصحية إلى دقّ ناقوس الخطر خوفاً من انتشار أكبر للأمراض غير المعدية أو غير السارية التي تؤدّي إلى وفيات تطاول حتى الفئات الشابة. ويمثّل دعم النشاط البدني في مجال العمل وتحسين جودة الحياة عبر الأنشطة الرياضية بعض الحلول التي يطرحها الأطباء لكبح الزيادات السنوية في عدد المصابين الجدد بالأمراض غير المعدية وتقليص كلفة علاجهم التي ترهق الموازنات العامة للأسر وصناديق التأمين الصحي.
تقول المكلّفة ببرنامج مكافحة الأمراض غير المعدية في وزارة الصحة رافلة تاج لـ"العربي الجديد" إنّ "فرملة أسباب تفشي هذا النوع من الأمراض وتعميم سياسات وقائية تعتمد على تحسين جودة الحياة يساعدان على الوقاية من هذه الأمراض وعلى الحدّ من الوفيات المبكرة المرتبطة بها من خلال القضاء على عوامل الخطر المشتركة بين هذه الأمراض". وتوضح تاج أنّ "الأسباب الرئيسية للأمراض التي تقتل التونسيين هي التدخين والنظام الغذائي غير الصحي ونمط الحياة غير المستقر"، مؤكدة أنّ التدخين يؤثّر على صحة 47 في المائة من الرجال وثلاثة في المائة من النساء إلى جانب مشكلات الوزن الزائد والسمنة التي يعاني منها 30 في المائة من التونسيين ممّن يعانون من أمراض غير معدية".
وتنبّه تاج إلى "تصاعد نسب المصابين بداء السكري الذين تفوق أعمارهم 15 عاماً"، شارحة أنّ "16 في المائة من التونسيين الذين تجاوزوا هذه السنّ مصابون بالسكري فيما يشكو 26 في المائة من ارتفاع في ضغط الدم". وتتابع تاج أنّ "الخمول البدني لدى ثلثَي السكان وقلة الأنشطة البدنية يخلقان أرضية خصبة لبروز كلّ الأمراض التي تقتل التونسيين وفق البحوث الطبية التي أجريت في السنوات الأخيرة"، مشيرة إلى أنّ "السلطات الصحية تعمل في إطار برنامج يمتدّ إلى عام 2025 على تطوير كلّ الأنشطة الوقائية لخفض نسبة الإصابات السنوية بالأمراض غير المعدية".
وتشير تاج إلى أنّ "الوضع في تونس ليس استثناءً، إذ يؤثر نمط الحياة غير المستقر على الصحة في كلّ دول العالم بحسب ما تفيد بحوث ودراسات أعدّتها منظمة الصحة العالمية، وهو رابع عامل خطر للوفاة عالمياً. وفي تونس، فإنّ نسب الوفيات المرتفعة للأمراض غير المعدية دفعت نحو التوجّه إلى إعداد مخطط عملي لتفعيل الإستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للوقاية والحدّ من تلك الأمراض".
وتبيّن إحصاءات عام 2019 أنّ خمس التونسيين الذين تتجاوز أعمارهم 20 عاماً مصابون بداء السكري، وهو رقم يتجاوز النسبة العالمية. كذلك فإنّ أكثر من 15 في المائة من التونسيين البالغين من العمر 15 عاماً فما فوق مصابون بداء السكري وترتفع هذه النسبة إلى 35 في المائة لدى الفئة التي تتجاوز 50 عاماً. ومن المتوقّع أن تتخطّى نسبة الكهول المصابين بهذا المرض 27 في المائة في عام 2027. ومنذ عام 2018، وضعت تونس استراتيجية متعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير المعدية تمتدّ حتى عام 2025، غير أنّ بروز أزمة كورونا وتوجيه الجهود صوب مكافحة الوباء قلّصا من نجاعة خطط الوقاية من الأمراض غير المعدية. وتهدف السلطات الصحية عبر تلك الاستراتيجية إلى الوقاية للحدّ من الأمراض غير المعدية مع العمل على إمكانية تفادي ما بين 15 ألفاً و20 ألف وفاة سنوياً لأشخاص تقلّ أعمارهم عن 65 عاماً تسبّبها تلك الأمراض في البلاد.
وتعمل وزارة الصحة بالتنسيق مع وزارات أخرى على الحدّ من تداعيات الأمراض غير المعدية على الصحة العامة عبر تعزيز النشاط البدني ومكافحة الخمول في محيط العمل من خلال إنشاء قاعات رياضية، إلى جانب التشجيع على العودة إلى المطبخ التقليدي التونسي الذي تأتي أطباقه متوازنة وقليلة الدسم. فالدراسات العالمية تؤكد أنّ انتشار الأمراض غير المعدية المعروفة كذلك بالأمراض المزمنة يعود إلى جملة من العوامل، في مقدّمتها العادات الغذائية السيّئة وتغيّر النمط السلوك الغذائي والتدخين وقلة الحركة البدنية والنقص في المتابعة الطبية وعدم الكشف المبكر عن بعض الأمراض، فضلاً عن غياب الرقابة على المواد الغذائية المصنّعة لجهة احتوائها على نسب كبيرة من المكوّنات التي تمثّل خطراً على الصحة من قبيل السكّر والملح والمواد الدهنية وغيرها.