أماكن الإيواء في غزة تفتقر إلى مقومات الحياة

12 أكتوبر 2024
نازحون فلسطينيون في مخيم البريج وسط قطاع غزة، 1 أكتوبر 2024 (إياد البابا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نزح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، ويعيشون في ظروف صعبة بمراكز الإيواء ومخيمات النزوح المكتظة، مع نقص في مقومات الحياة الأساسية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية.

- يواجه النازحون تحديات يومية مثل نقص المياه النظيفة والكهرباء، ومشاكل الصرف الصحي والاكتظاظ، ويعيشون في خيام مؤقتة تفتقر إلى الخصوصية، مما يهدد صحتهم وسلامتهم.

- يعاني مخيمات النزوح من نقص حاد في الخدمات والمساعدات، ويدعو المسؤولون الجهات المختصة للتحرك السريع لتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير الاحتياجات الأساسية.

وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من عام، نزح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني في القطاع، من أصل 2.3 مليون، وذلك بمعدّل مرّة واحدة شهرياً، على مدى 12 شهراً. هذا ما أوضحته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في تقريرها الأخير، وقد أشارت إلى تدهور ظروف العيش في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح المكتظة وغيرها من الأماكن التي لجأ إليها هؤلاء الفلسطينيون بعدما هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية من بيوتهم ومناطقهم.

ويفتقر الفلسطينيون في أماكن النزوح، الواقعة في محافظة دير البلح وسط قطاع غزة وفي محافظتَي خانيونس ورفح جنوبي القطاع، إلى مختلف مقوّمات الحياة الأساسية. وقد أدّت أعداد النازحين الكبرى إلى اكتظاظ مختلف أماكن النزوح، من مدارس ومنشآت أخرى تحوّلت إلى مراكز إيواء ومخيمات، توجّه إليها الفلسطينيون هرباً من قذائف الاحتلال وصواريخه ورصاصه، ولا سيّما بعد إصدار قواته أوامر إخلاء، منذ الأيام الأولى من الحرب على قطاع غزة التي انطلقت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وثمّة أعداد كبيرة من هؤلاء خسرت بيوتها، علماً أنّ دمار المنشآت السكنية وصل إلى نحو 80% بحسب البيانات الفلسطينية الرسمية. يُذكر أنّ العدد الأكبر من الفلسطينيين لجأ إلى مراكز الإيواء المختلفة، ولا سيّما أنّ العقارات المعروضة للإيجار إمّا امتلأت وإمّا تتوفّر لقاء بدلات خيالية. 
تستقبل المدارس التي تحوّلت إلى مراكز إيواء، والتي تُقدَّر قدرتها الاستيعابية بألف شخص حدًّا أقصى، ما يزيد عن عشرة أضعاف قدرتها تلك، كذلك الأمر بالنسبة إلى المراكز الأخرى. إلى جانب ذلك، توجّهت مئات آلاف الأسر إلى المخيمات التي اكتظّت بدورها، فراحت تؤوي الخيام المصنوعة من القماش أو البلاستيك أو الخشب النازحين بأكثر من قدرتها على الاستيعاب.
وفي أماكن النزوح تلك، لا تتوفّر أدنى مقومات الحياة الكريمة أو تُعَدّ متواضعة جداً، في وقت إنّ منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية يمثّل عاملاً إضافياً مزعزعاً أوضاع النازحين الذين يعتمدون على ما توفّره الوكالات الأممية والمؤسسات الدولية من معونات.

مدرسة تابعة لوكالة أونروا تحوّلت إلى مركز إيواء في وسط غزة - 11 سبتمبر 2024 (إياد البابا/ فرانس برس)
مدرسة تابعة لوكالة أونروا تحوّلت إلى مركز إيواء في وسط غزة، 11 سبتمبر 2024 (إياد البابا/ فرانس برس)

يخبر النازح الفلسطيني نضال الفيراني "العربي الجديد" أنّه يخصّص معظم وقته في النهار لتوفير اللوازم الأساسية لأسرته التي تعيش في خيمة صغيرة بالقرب من شاطئ مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، موضحاً أنّه يبدأ يومه بـ"الركض خلف عربات بيع مياه الشرب" التي يستخدمها في مختلف المهام اليومية، على الرغم من تكلفتها المرتفعة. كذلك يجمع أجهزة الهاتف وبطاريات الإضاءة لشحنها في نقطة شحن قريبة من المخيم، تعتمد على الألواح الشمسية وذلك لقاء مقابل مادي.
ويشير الفيراني إلى أنّ وقوع خيمته في مكان منخفض مقارنة بمستوى الشارع يؤدّي إلى اقتراب مياه الصرف الصحي منها، الأمر الذي يدفعه كذلك إلى الحفر يومياً لإبعاد تلك المياه العادمة وتفريغ قنوات تصريفها بعيداً عن خيمة عائلته التي تنبعث فيها الروائح الكريهة طيلة الوقت. ويقول إنّ "الاكتظاظ الهائل يجبرنا على مواءمة أمورنا اليومية قدر المستطاع، إذ إنّنا لا نملك أيّ خيار آخر".
وإلى جانب الصعوبات المعيشية اليومية، يتحدّث صبحي أبو زيادة، وهو جار الفيراني في مخيم النزوح، عن افتقار مراكز ومخيمات النزوح إلى مختلف مقوّمات الحياة وحتى الشعور بالأمان. ويبيّن لـ"العربي الجديد" أنّ "المخيمات تتعرّض لخطر الحشرات والزواحف والحيوانات الشاردة، بالإضافة إلى خطر السرقات المتواصلة ليلاً". يتابع أبو زيادة أنّ "كلّ التحديات التي يواجهها النازحون يفاقمها إجبار الاحتلال الإسرائيلي مزيدا من الفلسطينيين على النزوح، علماً أنّنا نحن النازحين أصلاً لا نجد ما يكفينا للبقاء على قيد الحياة ولا نحصل على الطرود الغذائية ولا الصحية ولا الملابس ولا الفُرش ولا الأغطية التي نسمع عنها". ويكمل أبو زيادة أنّ "الأوضاع كارثية في مخيمات النزوح التي تفتقر إلى أدنى درجات النظافة، من جرّاء اكتظاظها الكبير بالنازحين، وتجمّع أكوام القمامة في محيط الخيم، إلى جانب الطفح المتواصل للمياه العادمة وعدم القدرة على تصريفها. كذلك فإنّ الاستخدام الجماعي للمراحيض يفاقم الوضع، علماً أنّها تعاني بدورها من الطفح الدائم والنقص في المياه ومواد التنظيف والتعقيم".

من جهته، يلفت أنس الكيلاني الذي يشرف على مخيم نزوح يضمّ نحو 100 أسرة بالقرب من شاطئ بحر مدينة دير البلح إلى "الضعف الشديد في الخدمات والمساعدات المقدّمة للنازحين في هذا المخيم ومخيمات أخرى، علماً أنّ هذه التجمّعات تفتقر إلى مقومات الحياة والمتطلبات اليومية". ويحكي الكيلاني لـ"العربي الجديد" عن "مأساوية العيش في مخيمات النزوح" بفعل النقص الكبير في المواد الأساسية، مشيراً إلى محاولتهم بشكل دائم "التواصل مع المؤسسات المعنية للفت أنظارها إلى الواقع الصعب، والذي يزداد صعوبة مع كلّ عملية تهديد وإخلاء، إلا أنّنا لا نلقى الاستجابة المناسبة". يضيف الكيلاني أنّ "تكدس المواطنين في المخيمات، لعدم توفّر أماكن كافية لاستيعابهم، دفعهم إلى نصب الخيام بطريقة تتلاصق الوحدة منها بالأخرى"، محذّراً من أنّ "من شأن ذلك أن يفاقم تردّي الأوضاع الصحية، ولا سيّما مع خطورة انتشار الأمراض بسهولة". ويتابع أنّ ذلك يأتي إلى جانب "غياب أدنى درجات الخصوصية لدى النازحين، إذ لا يفصل الخيام بعضها عن بعض إلا شادر أو قطع قماش"، ودعا "الجهات المختصة إلى المسارعة في إغاثة النازحين وتحسين واقعهم المعيشي وتوفير الخدمات الأساسية، ولا سيّما الغذائية لهم".

المساهمون