يعقد البرلمان الألماني (بوندستاغ) المنتخب حديثاً أول جلسة له في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري لانتخاب رئيس المجلس ونوابه وتشكيل اللجان. ويتميز البرلمان الجديد بضمه عدد النواب الأكبر في تاريخ ألمانيا، بعدما زاد القانون الانتخابي الذي طبق في اقتراع 26 سبتمبر/ أيلول الماضي عددهم من 709 إلى 735، واحتضانه نواباً جدداً ذوي سنّ صغيرة، وتشكيل أصحاب الأصول المهاجرة نسبة 11.3 في المائة من الفائزين بالمقاعد، في ظاهرة لا سابق لها في جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وزادت نسبة النواب الجدد من أصول أجنبية 3 نقاط على ما كانت عليه انتخابات عام 2017، وبات عددهم 83 في مقابل 58 في الدورة السابقة. وشكل النواب ذوو الأصول المهاجرة، بحسب نتائج الانتخابات، نسبة 28.2 في المائة من الفائزين في كتلة حزب اليسار الذي نجح في دخول البرلمان بمشاركة 39 نائباً، رغم أنه لم يتجاوز عتبة الـ5 في المائة التي تمنح هذا الحق، لكن 3 من نواب كتلته فازوا بالاقتراع المباشر، ما جعله يستفيد من استثناء قانوني.
وضمت الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي نسبة 17 في المائة من النواب الفائزين من أصول مهاجرة، فيما لا تزال كتلة الاتحاد المسيحي الأقل احتضاناً لنسبة نواب من أصول مهاجرة، والذين لم يتجاوزوا نسبة 4.1 في المائة في صفوفها. لكن هذا الرقم زاد نحو 1.2 في المائة على ما كانت عليه انتخابات 2017.
أما حزب الخضر الذي حل ثالثاً في الانتخابات فضمت كتلته النيابية 13.6 في المائة من نواب المهاجرين، بتراجع طفيف عن عام 2017، حين بلغت نسبتهم 14.9 في المائة. كذلك تراجع عدد النواب الفائزين ذوي أصول مهاجرة المنتمين إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي من 8.2 إلى 7.2 في المائة، وأولئك في الحزب الليبرالي الحر من 6.3 إلى 5.4 في المائة.
وكان لافتاً أن 31 من النواب ذوي الأصول المهاجرة يرتبطون أساساً ببلدان الاتحاد الأوروبي، وبينهم 6 من أصول إيطالية و5 من أصول بولندية، إضافة إلى آخرين يتحدرون من بلجيكا وهولندا، فيما نجح 18 من أصول تركية و6 من أصول إيرانية في دخول البرلمان، إلى جانب البعض من أصول سورية وكردية وعراقية وأفغانية وإريترية ومن الكاميرون ومصر والمغرب.
وشهدت الانتخابات عودة بارزة للشريك السابق في زعامة حزب الخضر جيم أوزدمير، المتحدر من أصول تركية، ووصل والده إلى ألمانيا عاملاً زائراً، وكذلك الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي بول زيمياك الذي أمضى طفولته في بولندا، والاشتراكي كارامبا ديابي الذي يتحدر من جنوب غرب السنغال، وفاز بالتصويت المباشر في دائرته، كذلك النائبة عن حزب الخضر لمياء قدور، وريم العبلي رادوفان من أصول عراقية التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والسورية رشا نصر، فضلاً عن سناء عبدي المولودة من أم مغربية من مدينة تطوان، وأيضاً العراقي المولود في إقليم كردستان قاسم طاهر صالح، الفائز بأحد مقاعد حزب الخضر أيضاً، وغيرهم.
وفي مقابلة مع مجموعة "فونكه" الإعلامية، اعتبرت الخبيرة في التنوع فيردا أتامان، أن زيادة تمثيل المواطنين من أصول مهاجرة، لا يزال بعيداً عن عكس الحقائق الاجتماعية التي تفيد بأن 26 في المائة من إجمالي سكان ألمانيا من أصول مهاجرة، وأن 40 في المائة من الأطفال والشبان من خلفيات أجنبية أيضاً، وأن ذوي الجذور الأجنبية يمثلون نسبة 50 في المائة من سكان جميع المدن الكبرى في البلاد. تضيف: "يجب أن يبدي النواب الجدد من أصول مهاجرة وجهات نظرهم، ويتخذوا مواقف مناسبة، علماً أن غالبيتهم من الجيل الثالث ويتمتعون بكفاءات أفضل من الجيلين الأول والثاني، ويملكون الخبرات والشهادات، وبينهم ناشطون بيئيون واجتماعيون ذوو تأثير كبير في محيطهم". ويشير مكتب الإحصاء الفيدرالي إلى أن 7.9 ملايين ناخب من أصول أجنبية دعوا إلى التصويت في هذه الانتخابات .
من جهتها، تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة "لودفيغ ماكسيميليانز" بمدينة ميونخ، يوليا شولته كلوس، لصحيفة "هاندلسبلات" إن "حقيقة تمثيل الأشخاص من ذوي الأصول الأجنبية في البوندستاغ أمر مهم من وجهة نظر علم السياسة، لأنها ستسمح بالاستماع الى قضايا الاندماج والهجرة في شكل أكثر وضوحاً في المداولات اليومية. كما سيساعد تمثيل أصحاب الجذور الأجنبية في البوندستاغ في تقليل الصور النمطية، ويوجد نماذج يحتذى بها".
وجعلت الانتخابات الأخيرة "البوندستاغ" أكثر تنوعاً وأنوثة وأصغر سناً، بعدما زاد عدد النواب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً من 0.7 في المائة إلى 6 في المائة بمجموع 47 نائباً ينتمي معظمهم إلى حزبي اليسار والخضر. أما عدد النساء، فزاد في شكل طفيف ليشكلن نسبة 34.7 في المائة من عدد النواب (255 من أصل 735 نائباً). ويتوزعن على 69 من حزب الخضر و21 من حزب اليسار و86 من الاشتراكي الديمقراطي و11 من "البديل من أجل ألمانيا"، فيما تمثل 46 سيدة الاتحاد المسيحي و22 الحزب الليبرالي الحر، علماً أن نسبتهن كانت 30.7 في المائة في انتخابات 2017. وقد انخفض متوسط أعمار النواب من 49 إلى 43 عاماً.