من منطلق إنساني، ستكسر وزارة الداخلية الألمانية واقع التشدد في قانون اللجوء، وتحدث نقلة إيجابية لتحسين ظروف المهاجرين ومعايير ترحيل المرفوضين. لكن هذه التدابير تواجه معارضة داخلية.
يجري تنظيم إجراءات اللجوء في الاتحاد الأوروبي من خلال "نظام دبلن" الذي يجعل أول دولة في القارة يصلها اللاجئ، ويقدم فيها طلباً للحصول على حماية، مسؤولة عنه. أما في ألمانيا فتختلف الحال، إذ يقدم آلاف الأشخاص الذين جرى الاعتراف بهم بالفعل كلاجئين في اليونان، طلبات للحصول على لجوء ثانٍ، ويجري قبولهم. وتنظر وزارة الداخلية الاتحادية حالياً في طلبات قدمها نحو 50 ألف طالب لجوء، ما تعارضه أحزاب في البلاد.
ويدور نقاش في ألمانيا حالياً حول حق السلطات في منح اللاجئين القادمين الحماية والاعتراف بهم وبحقوقهم، بعدما كانوا وصلوا من دول أوروبية أخرى منحتهم هذه الحقوق. ويأتي ذلك بعدما كشفت صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار أخيراً أن المحاكم الإدارية الألمانية قضت بعدم إعادة المهاجرين إلى الدولة الأولى التي قبلت حمايتهم، بحجة أن أماكن إقامتهم فيها والظروف الممنوحة لهم سيئة للغاية.
وتحدثت الصحيفة عن وجود 49841 طلب لجوء مزدوج، فيما أفادت صحيفة دي فيلت بأنّ "نسبة الاعتراف بحقوق المهاجرين بلغت 88 في المائة، معظمهم من سورية والعراق وأفغانستان اعتبرت السلطات دخولهم البلاد قانونياً، لأنّه يسمح لأصحاب إقامات اللجوء بالسفر بحرية داخل الاتحاد الأوروبي لمدة 90 يوماً".
واعترض النائب عن الحزب الاجتماعي المسيحي شتيفان مولر على هذا الواقع، واعتبر أن "مكافأة الحكومة الفيدرالية مستحقي اللجوء في دول أوروبية أخرى خطأ لأن قانون الاتحاد الأوروبي يجعل الدولة التي قدم اللاجئ فيها طلبه الأول مسؤولة عنه فعلياً. وبهذه الممارسات تعمل حكومة ائتلاف إشارات المرور على تقويض قانون اللجوء الأوروبي تماماً". وأبلغ صحيفةَ "بيلد" أنه "إذا حصل لاجئون اعترفت دول أوروبية أخرى بحقوقهم على اعتراف إضافي بلجوئهم في ألمانيا فلن يبقى شيء من نظام دبلن، في وقت يجب تطبيق القواعد الأوروبية على الجميع".
وذكرت مجموعة فونكه الإعلامية أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين استأنف إجراءاته بعد توقف 27 شهراً، وقرر، بعدما قام بترتيب أولوياته، الاعتراف بحق قدوم آلاف اللاجئين الذين قبلت اليونان حمايتهم، ومنحهم إقامات جديدة في ألمانيا، علماً أن عشرات آلاف اللاجئين في اليونان يعيشون داخل خيم وأكواخ خشبية أو حاويات على جزر، أبرزها ليسبوس شرقي بحر إيجه.
لكنّ منظمة برو آزول انتقدت هذه الإجراءات، وقالت: "بدلاً من الاستيلاء على وضع الحماية من اليونان، يجب تنفيذ إجراءات جديدة تماماً تلحظ فتح اللجوء، علماً أن لاجئين كثيرين يواصلون هروبهم إلى دول أوروبية أخرى بعد الاعتراف بهم في اليونان، بسبب الظروف الكارثية فيها".
أيضاً، انتقد عضو كتلة المسيحي الديمقراطي، ألكسندر ثروم، الحكومة الفيدرالية بشدة، وشدد على أن "الهجرة الثانية غير النظامية من اليونان مشكلة خطيرة للغاية في سياسة اللجوء. وحكومة إشارات المرور لا تفعل شيئاً على الإطلاق لمنع دخولهم، رغم أن تقديم طلب لجوء مزدوج غير مقبول، وبالتالي يجب منع لجوئهم في ألمانيا".
إلى ذلك، طالب ثروم بزيادة الضغط على اليونان من أجل توفّر لاجئين بمعايير اجتماعية مناسبة، من خلال خلق ألمانيا والدول المتضررة الأخرى مبادرة لتقييد سفر اللاجئين المعترف بهم بلا تأشيرات داخل أوروبا.
ومعلوم أن الدول الشريكة في التكتل الأوروبي يجب أن تضمن الامتثال لقواعد الاتحاد، فيما تُترك للمفوضية الأوروبية مسؤولية التنفيذ كونها الوصية على تنفيذ المعاهدات.
في سياق آخر، تعتزم الحكومة الألمانية إحداث نقلة نوعية حقيقية في سياسة الهجرة، واعتماد مرونة مع طالبي اللجوء المرفوضين، بعدما جرى التشدد معهم خلال السنوات الأخيرة، وذلك تنفيذاً لاتفاق ورقة ائتلاف "إشارات المرور" الحاكم، من خلال تحسين ظروف ومعايير الترحيل للمرفوضين. وسيجري تعديل اللوائح، بينها التثبت من الملفات، وإعطاء اللاجئين حق الإقامة، خاصة أولئك الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، ويعيشون منذ سنوات في ألمانيا. وقد يمنح مشروع القانون الذي وافقت عليه حكومة المستشار أولاف شولتز أخيراً حوالي 130 ألف شخص حق تصحيح أوضاعهم.
ويتيح الائتلاف الحاكم، من منطلق إنساني، فرصة أمام لاجئين مهددين بالترحيل، والذين يتواجدون في البلاد منذ أكثر من 5 سنوات، وآخرين لا يمكن طردهم من عملهم، لترتيب أوضاعهم عبر منحهم فرصة لاستيفاء الشروط اللازمة للإقامة القانونية طويلة الأمد، ما قد يكرّس حق إقامتهم لمدة عام والإفادة من دورات الاندماج واللغة، بدلاً من وثيقة منع الترحيل (دولدونغ) التي تجدد عادة خلال فترة تتراوح بين شهر و3 أشهر، شرط أن يثبتوا خلال هذه المدة قدرتهم على إعالة أنفسهم مالياً.
ومع نهاية الفترة التجريبية المقترحة لمدة 3 سنوات، قد يحصلون لاحقاً على تصاريح دائمة بالإقامة. وفي حال عدم وفائهم بالشروط المطلوبة يبقى وضعهم معلقاً، ويحصلون من جديد على إقامات "دولدونغ"، أو ربما يجري ترحيلهم.
وفي السياق، أظهرت شبكة أيه آردي الإخبارية أنّ "وزارة الداخلية الاتحادية تريد كسر واقع التشدد في قانون اللجوء وإحداث نتيجة إيجابية شاملة على هذا الصعيد". وتنقل عن السياسي المنتمي إلى حزب الخضر الشريك في الائتلاف الحكومي فيليز بولات قوله، إنّ "الشعار المستقبلي سيكون التدريب بدلاً من الترحيل. وحكومة إشارات المرور تخطط لمنح مزيد من الشباب فرصة لبدء تدريب مهني". ويضيف: "لا يجب أن يعيش أي شخص يمارس تدريباً مهنياً في خوف دائم من الترحيل".