- الصيدليات وعيادات الأطباء تحت ضغط بسبب صعوبات في توفير الأدوية، مع فترات انتظار طويلة، وتخطط الحكومة لتحسينات بما في ذلك الوصفات الطبية الإلكترونية.
- هناك دعوات لتعزيز صناعة الأدوية في ألمانيا، توفير أدوية بديلة بسهولة، وإنشاء نظام مبكر على مستوى الاتحاد الأوروبي لمنع نقص الأدوية وضمان توفير الأصناف الضرورية.
اعتبرت ألمانيا لفترة طويلة "صيدلية العالم"، بسبب احتضانها أهم الشركات العملاقة لصناعة الأدوية، مثل "باير" و"ميرك"، لكنها تواجه حالياً نقصاً كبيراً في أنواع عدة من الأدوية، ما يُثير نقاشات واسعة وحادة حول الأسباب والحلول.
تشكو الصيدليات وعيادات الأطباء في ألمانيا من نقص في الأدوية، بسبب تباطؤ الإنتاج وسلاسل التوريد الهشّة، وزيادة التصدير إلى الخارج. وكلاهما يمنعان توفير مئات من الأدوية، بينها لأمراض مزمنة مثل السرطان، ما يشكل ظاهرة غريبة في بلد يضم شركات عالمية عملاقة لإنتاج الأدوية.
وأعلن المعهد الفيدرالي للأدوية والأجهزة الطبية أن 470 من نحو 100 ألف دواء حصلت على موافقة رسمية في ألمانيا تتأثر حالياً باختناقات في التسليم، وأن صيدليات عدة موضوعة على قوائم انتظار هذه الأدوية.
يقول رئيس جمعية الصيادلة في ولاية تورينغن، رونالد شيرايبر: "تتراوح أحياناً فترة الانتظار لتأمين الوصفة الطبية بين أسبوعين وثمانية أسابيع، وبينها لمرضى السكري. وهناك مشكلات في الإمدادات الخاصة بمسكنات ألم قوية ومراهم مضادّة للالتهابات وغيرها. أيضاً لا تزال العديد من الأدوية تحت حماية براءات الاختراع، ولا تتوفر في المخازن. وما يزيد الطين بلّة أن بعض الوصفات تصبح غير صالحة مع مرور الوقت، ما يحتم زيارة المريض الأطباء مجدداً".
وأورد تقرير أصدرته جمعية الصيادلة في ولاية سارلاند، أنه "بعدما واجهت الصيدليات صعوبات كبيرة في الحصول على أدوية للحمى وآلام الأطفال، لا يزال الوضع على حاله بالنسبة إلى باقي الأصناف".
وقالت رئيسة الجمعية سوزانة كوخ، إنها لا ترى أي مرونة في إمدادات الأدوية. وأشارت إلى أن العديد من أدوية الأطفال والبالغين لا تزال تعاني من اختناقات كبيرة، وهناك نقص في مضادات حيوية مختلفة، مثل "الأموكسيسيلين"، و"البنيسيلين"، و"كلاريثرومسين"، إلى جانب أدوية علاج الربو، والتهاب الشعب الهوائية، وخفض الكوليسترول، وضغط الدم، والأنسولين، وأدوية الصرع، والسعال.
وفي خضم ذلك، نقلت وسائل إعلام عن وزير الصحة كارل لوترباخ قوله إنه "يخطط لإدخال تحسينات على الوصفات الطبية الإلكترونية التي بدأ العمل بها مطلع العام الحالي، بسبب وجود مشكلات في النقل وصعوبات فنية، تمهيداً لمواجهة باقي التحديات في أسرع وقت".
واعتبر عضو لجنة الصحة والرقمنة في البرلمان الألماني "البوندستاغ"، ماتياس ميفيس، أن الصعوبات الأكبر تكمن في الوصفات الطبية الإلكترونية غير الصحيحة، أي تلك التي لم يكتمل ملء خانات فيها خاصة بتشخيص حالة المريض، وتوضيح تركيبة الدواء وجرعته.
وأوضح ميفيس أن "افتقار الوصفة الطبية غير الصحيحة إلى بعض النقاط يعرّض الصيدليات لخسائر مالية، فشركات التأمين الصحي قد لا توافق على الدواء، رغم أنه أعطي استناداً إلى وصفة أصدرها طبيب لمريض. وهذا ما تحاول وزارة الصحة أن تتفاداه من خلال مطالبة شركات التأمين بالتزام تغطية تكاليف الوصفات، كي لا تتعرض الصيدليات إلى مخاطر مالية، علماً أنه يجري صرف نحو 1.3 مليون وصفة طبية في ألمانيا يومياً".
وفي ظل النقاشات الدائرة حول ما يجب أن تفعله ألمانيا لمواجهة هذا الواقع، ومواكبة متطلبات التطور والمنافسة على صعيد التوريد، خصوصاً أن شركات الأدوية الوطنية حققت نجاحات كبيرة خلال جائحة كورونا، وشاركت في توفير لقاحات مبتكرة بفعل التحوّل السريع حينها من البحث إلى الإنتاج، يقول هان شتويتل، رئيس رابطة الباحثين في شركات الأدوية: "يجب مواصلة الجهود التي بذلت خلال جائحة كورونا وتوسيعها لضمان عدم تخلّف ألمانيا عن ركب التطور العالمي في مجال صناعة الأدوية، والحفاظ على سيادتها التكنولوجية، أي أن نستمر في الوصول إلى المعرفة والتقنيات اللازمة في الإنتاج في أي وقت، فهذا أمر أساسي للتطوير المستقبلي للقطاع الصيدلاني، وأيضاً لتوفير إمدادات الأدوية، كما هناك حاجة إلى ديناميكية جديدة للابتكار والاستثمار لضمان توفير أدوية جديدة".
بدوره، يقول الباحث في مجال الصحة توماس تراب: "لا يمكن التستر على هشاشة وضع شركات الأدوية في ألمانيا حالياً، رغم أنها كانت قد ساهمت في تطعيم سكان نصف كوكب الأرض ضد فيروس كورونا. ونؤكد أن تجفيف مسكنات الألم والمخدرات والمضادات الحيوية وأدوية السرطان على سبيل المثال، في حال نشوب صراع كبير بين أوروبا والصين، لن يكون إلا سيناريو رعب كبير يرجح أن يتجاوز تحديات كورونا بكثير، لذا نشدد على أن الوقت حان كي يعزز السياسيون صناعة الأدوية".
على صعيد آخر، أعلنت رئيسة الاتحاد الفيدرالي لجمعيات الصيادلة في ألمانيا، غبرييلا أوفرفينينغ، أن "الاتفاقات البيروقراطية مع شركات التأمين الصحي تمنع الصيدليات من تزويد المرضى بأدوية بمرونة كبيرة. وهناك أسباب أخرى لذلك بينها اعتماد الشركات سياسة تقشف وعولمة الإنتاج. ويحصل كلاهما على حساب الرعاية الآمنة للمرضى، لأن الصيدليات تكافح للعثور على أدوية بديلة مناسبة أو تحضير أدوية خاصة".
وطالبت غبرييلا السياسيين بمتابعة الوضع، والالتزام بتحقيق رعاية أكثر استقراراً للمرضى، وأن ترى الحكومة أن صناعة الأدوية تتمتع بإمكانات مماثلة لصناعة السيارات، التي يحتمل أن يتقلص سوقها، خصوصاً بعدما أثبتت شركات الأدوية قدرتها على إجراء أبحاث دوائية مبتكرة ومربحة جداً.
في السياق، دعت كتلة الاتحاد المسيحي، الأكبر للمعارضة في "البوندستاغ"، إلى إعطاء الصيدليات مساحة أكبر لمعالجة النقص، ومنها القدرة على إعطاء المرضى أدوية بديلة بسهولة أكبر في حين لم يتوفر دواء الوصفة الطبية. ومن أجل منع حالات النقص هناك حاجة إلى نظام مبكر على مستوى الاتحاد الأوروبي، وتعزيز البحوث الصيدلانية في ألمانيا.
وأشار مراقبون إلى أنه "يجب تصنيف الأدوية الضرورية لتوفيرها بكميات أكبر، كما يتطلب الوضع الحالي أكثر من مزود واحد أو اثنين. وطالما أن مزوداً واحداً ينتج ما بين 50 و60 في المائة من الأدوية، فإن أي اختناق في الإنتاج لديه سيؤثر في سوق الأدوية".