أكثر من 90 حريقاً خلال 48 ساعة في لبنان وخسائر جسيمة

15 نوفمبر 2021
الحرائق التهمت الأخضر واليابس (حسين بيضون)
+ الخط -

واصلت حرائق لبنان تمدّدها لليوم الثالث على التوالي، إذ تجدّدت في بلدة بيت مري (المتن الشمالي) وفي بعض المناطق الجنوبية، وطاولت البقاع الغربي وشمال البلاد. الحرائق التهمت الأخضر واليابس وقضت على مساحاتٍ حرجية شاسعة وأشجارٍ مثمرة معمّرة.

لبنان الرازح تحت وطأة أزمةٍ اقتصادية ومعيشيّة حادّة، لم يكن ينقصه سوى موجة حرائق متنقّلة خنقت أنفاس المواطنين وآمالهم، ولامست بيوتهم وأرزاقهم، وسط إمكانياتٍ محدودة لا ترقى إلى مستوى الجهوزيّة المطلوب. وقد ساهمت عوامل الجفاف وسرعة الرياح في توسيع رقعة انتشار النيران، في مشهدٍ رماديّ رافق اللبنانيّين منذ فجر السبت الماضي، ليجسّد، ببشاعته ومرارته، معاناتهم اليومية منذ بداية الانهيار الاقتصادي عام 2019، وهم الذين لا تفارقهم المصائب والأحداث، من دون أيّ حلولٍ تلوح في الأفق القريب.

موجة حرائق متنقّلة خنقت أنفاس المواطنين وآمالهم، ولامست بيوتهم وأرزاقهم، وسط إمكانياتٍ محدودة لا ترقى لمستوى الجهوزيّة المطلوب

وبحسب أول تقرير لوزارة البيئة اللبنانية، بلغ عدد الحرائق في عطلة نهاية الأسبوع (السبت والأحد) 93 حريقاً، من بينها 35 حريق غابات في كلّ من الجنوب والبقاع الغربي والمتن وكسروان وعكار.

وقد غرّد روّاد مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #لبنان_يحترق و#الجنوب_يحترق، مندّدين بدولةٍ حرقت وطنهم وأحلامهم.

وعملت عناصر الدفاع المدني اللبناني بمؤازرة طوافات الجيش وقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب "يونيفيل" وآليات فوج إطفاء بيروت والبلديات والجمعيات المحلية والمتطوّعين، طيلة يوم أمس ولغاية تاريخه، على إخماد الحرائق المنتشرة في أكثر من منطقة لبنانية. فقد اندلعت حرائق عدة في أقضية صور والنبطية ومرجعيون، وتجدّد بعضها الآخر ليقضي على مساحات كبيرة من أشجار الزيتون والصنوبر والأعشاب والبلان.

خطة وطنية مشتركة

من جهته، عاين اليوم وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن والأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير الأضرار التي خلّفتها الحرائق في بلدة مروحين وفي قرى عدة من قضاء صور. ودعا إلى "وضع خطة وطنية مشتركة بين كل الأجهزة لتفادي حوادث كهذه في المرحلة المقبلة، ووعد بمعالجة هذا الملف وتقديم تسهيلات للبلديات". من ناحيته، أمل اللواء خير من وزارة المالية "تأمين مبالغ التعويضات بعد الكشف عليها من اللجنة التقنية المختصّة في الهيئة العليا للإغاثة".

ووفق "الوكالة الوطنية للإعلام"، كان قد شبّ أمس "حريق هائل في سهل الميدنة بين بلدتَي كفررمان والجرمق (النبطية)، وأتى على مساحات كبيرة من الأشجار والأعشاب. كما تمكّنت فرق الدفاع المدني من إخماد حرائق اندلعت بين بلدتَي شوكين وزبدين، وفي مرتفعات حي البياض في مدينة النبطية، وبين بلدتَي كوثرية الرز وأنصار. وأُفيد أنّ العديد من المواطنين يفتعلون الحرائق تحت ذريعة حرق الأعشاب في حقولهم الزراعية أو بقايا الأغصان لديهم، ما يتسبّب بتمدّد النيران إلى مساحات خارجة عن سيطرتهم. وكان تجدّد الحريق بين الزرارية والخرايب وكوثرية الرز في منطقة الزهراني، وأُطلقت نداءت استغاثة".

من جهتها، أعلنت شركة مياه لبنان الجنوبي، في بيان، أنّها "وضعت إمكانياتها كافة في تصرّف الدفاع المدني لإخماد الحرائق المنتشرة جنوباً". وكشفت "جمعية الرسالة للإسعاف الصحي"، في بيان، أنّ عناصرها ووحداتها عملت على إخماد الحرائق في مناطق جنوب لبنان والبقاع الغربي، حيث "بلغ إجمالي مهمات الإطفاء والإنقاذ والإسعاف 167 مهمة. وقد استخدمت 36 آلية إطفاء و50 سيارة إسعاف، وواصلت عملها في تبريد المناطق لتجنّب تجدّد اشتعالها".

بدورها، أصدرت المديرية العامة للدفاع المدني بياناً، أعلنت فيه أنّ "مجموع المهمات المنفذة خلال الـ96 ساعة الماضية بلغ 388 مهمة، بينها 348 مهمة إخماد حرائق".

سرعة الرياح أعاقت سبل المحاصرة

وقد دعت وحدة إدارة الكوارث والحد من المخاطر في اتحاد بلديات ساحل الزهراني (جنوباً) المواطنين إلى عدم إشعال أيّ حريق في البرية أو قرب منازلهم وأخذ الاحتياطات اللازمة.

وكان رئيس اتحاد بلديات جبل الريحان (جنوباً) باسم شرف الدين قد أسف "لما يحصل من حرائق ملفتة"، محمّلاً الأهالي "المسؤولية الكبرى". ووفق "الوكالة الوطنية للإعلام"، دعا البلديات إلى المتابعة ضمن نطاقها العقاري "لتدارك الأسوأ من الحرائق التي يبدو بعضها مفتعلًا للأسف". وأضاف: "الخطورة أنّ شجر الصنوبر يبقى قابلاً للاشتعال في هذا الطقس ويتطلّب المراقبة".

أمّا في منطقة بيت مري – المونتيفردي (المتن الشمالي)، فقد تجدّدت النيران وأتت على مساحة واسعة من أشجار الصنوبر المثمر، لتخلّف خسائر جسيمة قبل موعد قطفه بأيام. كما وصلت الحرائق إلى البقاع الغربي، حيث اندلع حريق كبير بين أحراج باب مارع وبلدة عيتنيت الواقعة قرب بحيرة القرعون، وفي خراج بلدة المزرعة، طاول أشجاراً معمرة، وامتدّ بصورة سريعة إلى القرى المجاورة، وسط مناشدات الأهالي إخماد النيران.

بدوره، توجّه وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين، صباح اليوم، إلى منطقة البقاع الغربي لمتابعة الحرائق، وأطلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الوضع الميداني، حيث اتصل الرئيس ميقاتي بقائد الجيش العماد جوزف عون، الذي أوعز بإرسال طوافتين للمساعدة في إخماد النيران. والتقى الوزير ياسين عناصر الدفاع المدني وأثنى على جهودهم الكبيرة لاحتواء الحرائق، سواء في البقاع الغربي أو بيت مري أو الجنوب أو أيّ منطقة لبنانية. وشدّد على أنّ "أولويات وزارة البيئة هي التنبيه من خطر حرائق الغابات والوقاية المسبقة بالتنسيق مع وزارتَي الزراعة والداخلية والبلديات".

وفي السياق، تابع محافظ البقاع القاضي كمال أبو جوده الحريق الكبير الذي نشب في بلدة عيتنيت، وأعطى توجيهاته للمعنيّين بضرورة المتابعة والإفادة بكل جديد.

خسارة أكثر من 3500 هكتار منذ يوليو 

وفي اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، يكشف مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئيّة بجامعة البلمند الدكتور جورج متري أنّ "المساحة الحرجية التقريبية التي خسرها لبنان جرّاء الحرائق تخطّت 3500 هكتار من الغابات الكثيفة وغير الكثيفة، وذلك خلال الفترة بدءاً من شهر يوليو/تموز 2021 مع اندلاع الحرائق شمال البلاد وما تبعها من حرائق طاولت مناطق عدة، وصولاً إلى الحرائق الراهنة جنوباً وبقاعاً وفي محافظة جبل لبنان".

وإذ يشير إلى أنّ "الإحصائيات والأرقام الدقيقة حول حجم الخسائر ستتّضح بعد إخماد الحرائق بأكملها"، يقول: "في غضون 48 ساعة، اندلع أكثر من 90 حريقاً في كلّ المناطق اللبنانية، تنوّعت بين حرائق كبيرة خارجة عن السيطرة وأخرى صغيرة تمّ إخمادها بسهولة. غير أنّ الخسائر في جنوب لبنان شملت بأغلبها أراضي سنديانية وأشجار زيتون وغيرها من الأصناف الزراعية. أمّا في بلدة بيت مري (المتن الشمالي) فالخسائر فادحة، حيث طاولت الحرائق أشجار الصنوبر المثمر، وهي أشجار يقارب عمرها 80 عاماً، لا يمكن تعويضها بسهولة. كما أنّها تتمتّع بقيمة اقتصادية عالية جداً، كونها تنتج الصنوبر الذي يُعدّ سعره باهظاً جداً. وفي بلدة عيتنيت في البقاع الغربي، تركّزت الخسائر بشكلٍ كبير في أشجارٍ سنديانية وغيرها من الأشجار".

ويعتبر متري أنّ "السبب غير المباشر للحرائق الراهنة هو تأخّر هطول الأمطار، بحيث طالت فترة الجفاف. فنحن اليوم في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، والهواء جاف والحرارة فوق المعدلات الموسمية والرطوبة متدنية جداً، وبالتالي، أيّ مصدر للنار، إن كان عن قصد أم غير قصد، سيؤدي إلى اندلاع الحرائق. والأراضي اليوم معرّضة كلّها للاشتعال بسبب الجفاف".

وعن سبب فشل السيطرة الكاملة على الحرائق لغاية تاريخه، يقول: "المنطقة المتضرّرة كبيرة جداً، وسرعة الرياح وقوّتها أدّتا إلى تجدّد عددٍ من الحرائق، كما أنّ عملية تبريد الأرض لم تكن سهلة والهواء الجاف لا يساعد، وكذلك تضاريس لبنان وطبيعته الجبلية وطرقاته الوعرة، التي تعيق الوصول إلى بعض الحرائق. ففي البقاع الغربي مثلاً، هناك مناطق لا تصل إليها الطرقات، وفي الجنوب، بعض المناطق تحتوي على قنابل عنقودية، ما يشكّل خطراً على حياة الأفراد في حال دخولها".

وإذ يترك متري للتحقيقات أنّ تحدّد إن كانت الحرائق مفتعلة أم لا، يؤكّد أنّه "بغض النظر عن ذلك، من الضروري أن نعزّز سبل الوقاية والتدخل بشكل سريع، كونها تبقى أقل كلفة نسبةً لقيمة الخسائر، خصوصاً أنّ لبنان للأسف لا يملك القدرات والتجهيزات الكافية للتعامل مع هذا النوع من الحرائق، كما أنّ الدفاع المدني يعتمد على المتطوّعين. فنحن اليوم بأمسّ الحاجة لأيّ عنصر يساهم في حماية الغابات، بينهم مأمورو الأحراج الذين لم يتمّ تعيينهم بعد، حتّى ولو كانت مهمتهم تتمحور حول مراقبة تنفيذ قانون الغابات ورخص التشحيل وغيرها، ولا تشمل مكافحة الحرائق"، داعياً إلى "محاسبة كلّ متسبّب بالحرائق، التي باتت اليوم تشكل خطراً على حياة الناس وممتلكاتهم وأرزاقهم، ولا يمكن أن تبقى الأوضاع متفلّتة بهذا الشكل".

إخماد حرائق متفرّقة   

وكانت سلسلة حرائق اندلعت في عكار (شمال لبنان)، ففي بلدة فنيدق، اندلع حريق من دون خسائر مادية وبشرية، إذ اقتصر على أكوامٍ من النفايات، كما شبّ حريق في بلدة منجز التهم مساحة من الأعشاب اليابسة وامتد بفعل الرياح ليطاول أشجاراً حرجية وأخرى مثمرة. وأتى حريق في بلدة البيرة على مساحة من الأرض العشبية اليابسة، وامتد ليطاول أشجاراً حرجية وأخرى مثمرة، كما اندلع حريق في بلدة الشيخ محمد أتى على مساحة من كرمٍ للعنب وأعشاب يابسة. أيضاً، تمّ إخماد حريق اشتعل في أشجار حرجية ومثمرة وأعشاب يابسة بالقرب من مدرسة بقرصونا الرسمية في الضنية، قبل اتّساعه وتمدّده باتجاه المناطق السكنية، واقتصرت الأضرار على المادّيات. وفي بلدة آسيا البترونية، ناشد الأهالي الجيش إرسال طوافة عسكرية لإخماد الحريق الذي لامس المنازل السكنية.  

وفي محافظة جبل لبنان، التهمت النيران مساحات من الأعشاب والأشجار الحرجية في بلدة بقعاتة عشقوت (قضاء كسروان). كما احترقت مساحات من الأعشاب اليابسة في بلدة غبالة، وشبّ حريق في أكوامٍ من النفايات في ساحل علما كسروان. وفي بلدة حجولا (قضاء جبيل)، اندلع حريق بالقرب من دير مار مارون - عنايا، وواجهت عناصر الدفاع المدني صعوبة في إخماده بسبب سرعة الرياح. وكان حريق كبير اندلع في بلدة بسوس على تخوم مدينة عاليه، ولامست النيران المنازل. وفي بلدة كفرمتى (عاليه) ناشد الأهالي الدفاع المدني والجيش المساعدة لإطفاء الحرائق المندلعة.

المساهمون