بهدف التخفيف من الضغوط النفسية والقلق وتحقيق المرونة والتوازن بالإضافة إلى تقوية العضلات، يمارس التونسي حمدي عبد الرحيم البالغ من العمر 66 عاماً رياضة "تاي تشي" الصينية منذ أربعة أعوام. ويقول عبد الرحيم لـ"العربي الجديد": "ألجأ إلى هذه الرياضة مع مجموعة من الأصدقاء في نهاية كلّ أسبوع، وذلك مجاناً في المسلك الصحي بالحيّ الرياضي بالعاصمة تونس". ويشير إلى أنّ "نشاطنا توقّف في ذروة تفشّي فيروس كورونا الجديد، ثمّ عدنا مع الحرص على تطبيق قواعد البروتوكول الصحي، من قبيل التباعد الجسدي والالتزام بالكمامة".
ويشدّد عبد الرحيم على أنّهم يعمدون إلى ذلك النشاط "حتى لا نشعر بالخمول البدني. فأمراض كثيرة تنجم عن عدم ممارسة الرياضة، بما فيها أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والروماتيزم والأمراض العصبية"، موضحاً أنّ "الخمول يساهم في تزايد عدد الإصابات بالأمراض المزمنة التي تُعَدّ تكلفة علاجها المالية عالية جداً بالنسبة إلى الدولة".
وتؤكد منظمة الصحة العالمية في هذا الإطار أنّ النشاط البدني يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 30 في المائة ومرض السكري بنسبة 27 في المائة وأمراض سرطان الثدي والقولون بنسبة تتراوح ما بين 21 و25 في المائة. وتوضح أنّ الخمول البدني أحد العوامل الرئيسية لخطر الإصابة بالأمراض غير السارية، ورابع سبب رئيسي للوفاة المبكرة على الصعيد العالمي. يُذكر أنّ الخمول البدني وصل إلى مستويات مرعبة في إقليم شرق المتوسط حيث يُسجَّل ثاني أعلى مستوى للسكان الخاملين بدنياً بين أقاليم منظمة الصحة العالمية، وأعلى مستوى بالنسبة إلى النساء وفق تقارير صحية عالمية.
أمّا في تونس، فتصل نسبة الخمول البدني إلى 83 في المائة، فيما لا تتجاوز هذه النسبة 13 في المائة بالبلدان الاسكندنافية، بحسب ما كشفته دراسة أعدّها المرصد الوطني للرياضة في عام 2020. وقد بيّنت الدراسة التي أُعلن عن نتائجها أخيراً، تراجعاً في نسبة ممارسة الرياضة في تونس لدى الفئة العمرية المتراوحة ما بين ستة أعوام و12 عاماً إلى 12 في المائة، بعدما كانت نحو 20 في المائة في عام 2010، علماً أنّ النسبة لدى الفئة العمرية المتراوحة ما بين 12 عاماً و17 سجّلت نحو 18 في المائة.
كذلك وصلت نسبة الخمول البدني لدى الفئة العمرية 50 عاماً فما فوق إلى 20 في المائة، بسبب إقبال هذه الفئة على ممارسة الأنشطة البدنية خصوصاً المشي الذي صار يُعَدّ الرياضة الثانية في تونس بعد كرة القدم. ولا يأتي إجراء وقائيا أو اقتناعاً من قبل هؤلاء بأهمية الرياضة، بحسب تصريح لمدير المرصد الوطني للرياضة نزار السويسي.
من جهتها، تقول سلوى العابدي البالغة من العمر 42 عاماً لـ "العربي الجديد": "لا أمارس الرياضة في القاعات الرياضية الخاصة، فتكلفتها تُعَدّ مرتفعة بالنسبة إليّ، لذا أفضّل رياضة المشي لساعة أو أكثر في المسلك الصحي بالحيّ الرياضي بالعاصمة". لكنّ العابدي تشير إلى أنّه "في حقيقة الأمر، لست مواظبة على ممارسة الرياضة. فأنا أقصد المسلك الصحي كلّما توفّر الوقت لديّ أو عندما أشعر بالضيق الشديد وبضغط نفسي"، مؤكدة أنّ "ممارسة الرياضة يومياً أو بشكل متواتر لا تدخل في إطار عاداتي اليومية، تماماً كما هي حال أغلب التونسيين بحسب ما أظنّ".
وفي سياق متصل، كشف وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، أوّل من أمس السبت، على هامش إحدى التظاهرات الرياضية أنّ 83.2 في المائة من التونسيين لم يمارسوا أيّ نشاط بدني في خلال العام الأخير، وأنّ الرياضة الأكثر ممارسة في تونس بعد كرة القدم هي رياضة المشي. وشدّد دقيش على أنّ هذا المؤشّر يكشف مدى خمول التونسيين ولا مبالاتهم بممارسة الرياضة والأنشطة البدنية.
وتعليقاً على ذلك، يقول المتخصص في علم الاجتماع والمدير الأسبق للمرصد الوطني للشباب الدكتور محمد الجويلي لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة سببَين رئيسيَّين لعدم الإقبال الكبير على ممارسة الرياضة أو أيّ نشاط بدني من قبل التونسيين، أوّلهما أنّ الرياضة ارتبطت لدى الناس بالفشل الدراسي لأنّها راحت تُختزَل برياضة كرة القدم، خصوصاً في السنوات الأخيرة". ويشير الجويلي إلى "ازدراء للرياضة"، مضيفاً أنّ "الرياضة التي تُصوَّر تنافسيّة في الألعاب الجماعية أو الفردية توحي بأنّ ممارستها مضيعة للوقت". أمّا السبب الثاني بحسب الجويلي فيتعلّق بـ"آليات التحفيز ومدى توفّر المساحات العامة المناسبة لممارسة الرياضة من قبل الجميع. وهنا يتعلّق الأمر بالتقسيم الحضري للمدن، فلا نجد ملاعب رياضية أو مسالك صحية في جوار الجامعات والكليات والمدارس والمعاهد. كذلك لا نجدها في الأحياء، خصوصاً الشعبية منها. فالمدن مقسّمة بطريقة لا تخوّلها أن تضمّ حدائق أو ملاعب لممارسة الرياضة أو أيّ نشاط بدني بشكل عام".
ويؤكّد الجويلي أنّ "المسألة حضرية بامتياز، لجهة توزيع المساحات العامة والتصرّف فيها، الأمر الذي يعني أنّ لا شيء يدلّ بحسب التقسيمات الحالية على أنّ ثمّة اهتماماً وتحفيزاً لممارسة الرياضة، فهي لا تدخل في سياسات وخيارات الدولة بل ثمّة تركيز على الرياضات التنافسية ككرة القدم. وهي لا تعدّها ثقافة يتمّ خلقها بتوفير مستلزمات ذلك".