ما تواجهه المرأة الأفغانية في ظل الأعراف والتقاليد التي تُقيّدها وتجعلها في موقع الخضوع، بالإضافة إلى تداعيات الحروب المستمرة عليها، هما سببان كافيان لمعاناة لا تنتهي. لكن بالإضافة إلى ما سبق، تواجه ارتفاعاً في نسب العنف الذي قد يتطور إلى حد القتل في بعض الحالات. وتفيد لجنة حقوق الإنسان في أفغانستان بأنه خلال الأشهر العشرة الماضية قتلت 167 امرأة، فيما تعرضت 3477 أخريات لشكل من أشكال العنف، على الرغم من ادعاءات بعض الجهات المحلية والدولية بتحسن حال المرأة الأفغانية، نتيجة الدعم المادي الذي قدمه المجتمع الدولي خلال العقدين الماضيين.
وتؤكد اللجنة أنه خلال الأشهر الأخيرة، بلغت نسبة جرائم العنف بحق المرأة، منها الضرب المبرح أو قطع جزء من أعضائها أو القتل، 35 في المائة، ما يشير إلى تدهور واقع المرأة في البلاد، ويفرض على المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية بذل المزيد من الجهود في هذا الإطار، خصوصاً وأن الأرقام المعلنة لا تظهر معاناة المرأة. فبسبب الأعراف السائدة، تفضّل كثيرات الصمت.
في هذا الإطار، تقول العضوة في لجنة حقوق الإنسان شبنم صالحي، إنه خلال الأشهر العشرة الماضية قلّت أعداد الجرائم المسجلة لدى الإدارات المعنية. لكن الخطير هو أن الحالات التي استخدمت فيها آلة حادة أدت إلى مقتل البعض وإصابة أخريات ارتفعت بنسبة كبيرة، وهو أمر خطير جداً. كما أن تراجع عدد الجرائم ليس دليلاً على تحسّن الأوضاع وخصوصاً أنه لم يتم التبليغ عن نسبة كبيرة من الجرائم.
وتقول الناشطة في مجال حقوق النساء ثناء زواك، لـ "العربي الجديد"، إن المشكلة الأساسية هي أن الأعراف متجذرة إلى درجة لا يمكن تجاوزها، كما لا يمكن لأحد أن يعارضها، سواء الرجال أو النساء، مضيفة أن اللجوء إلى الجهات المعنية بحقوق النساء أصبح ضئيلاً جداً. وتوضح أن بعض أنشطة الجمعيات اقتصرت على الإحصائيات وجمع الأرقام، وهناك أخرى تتاجر بقضايا النساء وحقوقهن ولا جدوى من عملها. وبالتالي، لا يمكن الاعتماد على الكثير من هذه المنظمات.
وتؤكد أرقام لجنة حقوق الإنسان أن جميع الدعاوى المسجلة لديها حول الاعتداءات بآلة حادة وصلت إلى 281، فيما قتلت 167 امرأة من بينهن. كما اعتقل 123 من الضالعين في هذه الجرائم، في وقت ما زال 158 خارج قبضة القانون. وبحسب صالحي، فإن السلطات الأفغانية تسعى، وبالتنسيق مع لجنة حقوق الإنسان، إلى اعتقالهم وملاحقتهم قضائياً.
إلا أن زواك تقول إن الاعتقال وحده ليس هو الحل، بل لا بد من معاقبة المتورطين. وتتساءل حول عدد الضالعين في قضايا قتل النساء، مؤكدة أن المعتقلين سيخرجون عاجلاً أم آجلاً، وسيشكلون خطراً لذوي النساء اللواتي قتلوهن لأنهم أصروا على تطبيق القانون بحقهم.
وبحسب إحصائية لجنة حقوق الإنسان، فقد سجل 130 اعتداء جنسياً خلال الفترة نفسها، فيما بلغ عدد الزيجات بالإكراه وقبل بلوغ السن القانوني، وغيرها من الجرائم المماثلة، 385 جريمة. وأشارت اللجنة إلى سعيها، وبالتنسيق مع المؤسسات والجهات المعنية الأخرى، إلى القيام بكل ما يمكن لحلحلة القضايا المماثلة.
وتؤكد لجنة حقوق الإنسان أن 80 في المائة من الاعتداءات تحصل داخل المنزل، أي المكان الآمن للنساء، ما يشير إلى مدى خطورة هذه الظاهرة لأن معظم الجرائم وأعمال العنف يرتكبها الأهل والأقارب.
وفي ما يتعلق بالأسباب، تشير اللجنة إلى أن العادات والتقاليد تعد أحد الأسباب الرئيسية. ويقول الناشط والكاتب إنعام الله رحماني، في حديثه لـ "العربي الجديد": "لا شك في أن المجتمع الأفغاني مجتمع ذكوري، وقلّما تعطى المرأة حقوقها أو حريتها بسبب الأعراف والتقاليد السائدة، التي تحصر دور المرأة في المنزل فقط". يضيف أنه من بين المشاكل التي تواجهها المرأة الحرمان من الميراث واختيار شريك الحياة، لافتاً إلى أن ذلك يعارض نصوص الشريعة الإسلامية والقوانين، مطالباً الجهات المعنية وكل من يستطيع الضغط في سبيل حماية المرأة ببذل جهود أكبر بهدف الحد من العنف قدر المستطاع. من جهة أخرى، يشير رحماني إلى أنه لا يمكن للحكومة أو المجتمع الدولي تغيير الأعراف المتجذرة في البلاد، وهي في أيدي أبناء البلاد، ما يتطلب العمل على تثقيف المرأة، لا سيما في القرى والأرياف حيث تسجل النسبة الكبرى من الاعتداءات. بالإضافة إلى الأعراف، فإن الثغرات الموجودة في القانون وغياب الرقابة يساهمان في زيادة الاعتداءات بحق النساء. وتؤكد زواك أنه يتوجب على علماء الدين والزعامات القبلية العمل من أجل حماية النساء، وخصوصاً أن هناك تستّراً في القرى والأرياف على ما تتعرض إليه النساء من اعتداءات، إذ إنّ صوت المرأة يجب أن يكون حبيس المنزل، بالتالي تظل رهينة التقاليد، ولا يسعها إلا الصبر على ما تتعرض إليه من اعتداءات وانتهاكات لحقوقها.