لم يتعافَ جنوبي أفغانستان من تبعات الزلزال المدمر الذي وقع في الـ 22 من شهر يونيو/ حزيران الماضي، وأدى إلى مقتل أكثر من ألف شخص وتدمير آلاف المنازل، تبعته فيضانات جارفة بين السادس والثامن من الشهر الجاري أدت إلى مقتل العشرات، لينتشر مرض الكوليرا في عدد من المناطق الأمر الذي أدى إلى وفاة العشرات، جلهم من الأطفال. وما زال المرض يتفشى في ظل ما تواجهه أفغانستان من شح في المعدات الطبية والطاقم الطبي، بعدما شهدت البلاد تحولاً كبيراً على خلفية سيطرة حركة طالبان على الحكم منتصف أغسطس/ آب 2021.
وبدأ تفشي مرض الكوليرا في ولاية زابل (جنوبي البلاد)، وتحديداً في مديرية شهر صفا، ليمتد إلى ولايتي قندهار وهلمند في الجنوب ودايكندي في الشمال. وكان المرض أكثر شدة فيها مقارنة بولاية زابل، إذ سجلت مقتل العشرات في ظل شح كبير في المعدات الطبية والكادر الطبي في معظم المناطق المنكوبة والمتضررة.
وقال رئيس إدارة الصحة المحلية في ولاية زابل عبد الحكيم حكيمي، في بيان، إنّ أعداد المصابين بالكوليرا إلى تزايد، مشيرا إلى أنّ الأرقام المتوفرة لديهم تشير إلى إصابة نحو ألف و300 شخص جلهم من الأطفال. ويوضح أنّ المرض ينتشر وقد أدى إلى وفاة أطفال. يضيف أن مستشفيات الولاية تستفبل المرضى، وتجوب فرق طبية نقالة المناطق المتضررة في مديرية شهر صفا وتعالج المصابين في منازلهم. وتحول الحالات الخطيرة إلى المستشفيات في الولاية أو في مدينة قندهار إذا دعت الحاجة.
وكانت الأضرار الجسدية نتيجة الإصابة بالكوليرا أشد في ولاية هلمند المجاورة التي وصل إليها المرض بعد زابل. وتقول الحكومة المحلية إنه توفي أكثر من 20 شخصاً فقط في مديرية باغران، جلهم من الأطفال، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من سوء التغذية وضعف المناعة. ويوضح الناطق باسم الحكومة المحلية في الولاية مولوي محمد قاسم رياض لـ "العربي الجديد" أن "المرض ما زال في طور الإنتشار، ونعمل ليل نهار للوصول إلى جميع المرضى، وقد وصلت فرق الأطباء النقالة إلى المناطق النائية التي تشهد انتشاراً للمرض من دون أن نواجه أية مشاكل". يضيف أن الإحصائية الموجودة لدى الحكومة المحلية تشير إلى وفاة 20 طفلاً حتى الآن نتيجة الإصابة بالكوليرا.
ويتواجد رئيس إدارة الصحة المحلية في ولاية هلمند سيد أحمد سعيد مع 50 طبيبا في مديرية باغران لعلاج المصابين، حيث يصعب على السكان نقل مرضاهم إلى المستشفيات الرئيسية في الإقليم، وهو ما رحب به المواطنون والزعامات القبلية. ويقول الزعيم القبلي في مديرية باغران محمد مؤمن زيرك لـ "العربي الجديد": "نشيد بجهود حكومة طالبان وسعيها الحثيث لمساعدة أبناء البلاد، وقد وصل رئيس إدارة الصحة مع الأطباء والأدوية إلى المديرية على الرغم من وعورة الطرقات. وبدأ الأطباء بعلاج المصابين داخل المنازل وفي العيادات المحلية". في الوقت نفسه، يلفت إلى أنّ المساعدات والفرق الطبية لم تصل إلى بعض المناطق خارج مديرية باغران، مشيراً إلى إصابة 220 طفلاً على الأقل في مديرية سنغين توفي ثلاثة منهم، علماً أن المديرية كانت قد تضررت كثيراً بفعل المواجهات بين قوات الحكومة السابقة وحركة "طالبان" قبل سيطرة الأخيرة على البلاد، ما يعني أن المرافق الصحية مدمرة ويتوجب على المعنيين الاهتمام بها.
ووصل الكوليرا إلى ولاية دايكندي في شمال البلاد. وتقول السلطات المحلية في الولاية إنّ عدد المصابين بالمرض وصل إلى 747 شخصاً، بينما وصل عدد الوفيات إلى 11 شخصاً، جلهم من الأطفال وكبار السن. ويقول نائب رئيس إدارة الصحة في الولاية سيد إسحق حسيني لـ "العربي الجديد" إن خمسة فرق طبية وصلت إلى مديرية ناوميش، حيث انتشر المرض، ومعها معدات طبية وخمس سيارات إسعاف، مشيراً إلى أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لإيصال الخدمات الصحية إلى المصابين، بالإضافة إلى توعية المواطنين حول كيفية التعامل مع المرض وكيفية الوقاية.
لم تكن ولاية قندهار معقل طالبان بمنأى عن مرض الكوليرا الذي أدى إلى وفاة أكثر من 20 شخصاً بينهم أطفال، ومعظمهم في مديريتي شاه وليكوت، ووصل عشرات المصابين إلى مستشفى ميرويس الرئيسي بمدينة قندهار.
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى إنتشار المرض فقدان المياه الصالحة للشرب، وهي معضلة أساسية تعاني منها معظم المناطق النائية في أفغانستان منذ القدم، وتؤدي إلى انتشار الأوبئة في البلاد بين الحين والآخر، عدا عن الفيضانات الأخيرة التي ضربت مناطق مختلفة من أفغانستان أخيراً وأدت إلى مقتل 49 شخصاً. ويقول الطبيب المتخصص في الأمراض المعدية غوث الدين لـ"العربي الجديد": "فقدان المياه الصالحة للشرب أحد أهم أسباب تفشي الأمراض والأوبئة في البلاد. ولا ينحصر الأمر بالكوليرا بل يشمل التهاب الكبد الوبائي وغير ذلك". ويعرب عن أسفه الشديد لتقاعس الحكومات عن توفير المياه الصالحة للشرب، خصوصاً في المناطق النائية. ولا تملك حكومة طالبان غير "توفير العلاج للمصابين وإرسال الفرق الطبية إلى المناطق المنكوبة، وهو أمر جيد لكنّه لا يحل المشكلة" كما يضيف.
من جهتها، تقول وزارة الصحة في كابول إنّها تتعامل مع القضية جدياً، لكنّها لم تعلم ما إذا كان المرض الذي أصيب المئات وتوفي على إثره العشرات هو الكوليرا أو غير ذلك. لكنّها تجري الفحوصات من أجل معرفة نوعية المرض. ويقول الناطق بإسم الوزارة شرافت زمان: "خلال الصيف، تنتشر الأوبئة في مناطق من أفغانستان. لذلك، فإنّ وزارة الصحة على استعداد لمواجهة أي طارئ. وتؤكد العوارض وهي الإسهال الوجفاف أن المرض المنتشر هو الكوليرا".
يشار إلى أنّ الكوليرا، بحسب منظمة الصحة العالمية، هو مرض شديد الفوعة إلى أقصى حد ويمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، وهو يستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياها ملوثة. ويصيب الكوليرا الأطفال والبالغين على حد سواء ويمكن أن يودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم يُعالج.