أفغانستان: رعاة ومزارعون يتضورون جوعاً بسبب تغير المناخ

25 أكتوبر 2021
يعاني أكثر من نصف سكان أفغانستان من انعدام حادّ في الأمن الغذائي (هوشانغ هاشمي/ فرانس برس)
+ الخط -

في منطقة بالا مرغب في شمال غربي أفغانستان، يُعَدّ الجفاف عدوّاً قاتلاً يدفع إلى الجوع والعطش وبيع المواشي وترك القرى، وحتّى تزويج القاصرات مقابل المال.

ويقول زعيم قرية حاجي رشيد خان في بالا مرغب الملّا فاتح إنّ "المرّة الأخيرة التي رأيت فيها المطر كانت في العام الماضي، ولم يكن غزيراً".

والحياة شبه معدومة فوق تلال بالا مرغب النائية في ولاية بادغيس، حيث لا مدرسة ولا مستشفى، غير أنّ بضعة رعاة وخراف ما زالوا في المنطقة. ويشير فاتح من منزله المبنيّ من الطين: "بعنا خرافنا لشراء الطعام، ومات عدد من الخراف بسبب الجفاف".

وفاتح يملك اليوم أكثر من 20 خروفاً، في حين كان يملك 300 قبل ثلاث سنوات. وحينها، كان أكثر من 90 في المائة من سكان ولاية بادغيس يعيشون من الزراعة والمواشي قبل أن ينال الجفاف منهم.

وبحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، يعاني أكثر من نصف سكان أفغانستان، أي نحو 22.8 مليون شخص، من انعدام حادّ في الأمن الغذائي، بسبب الآثار المشتركة للحرب والاحتباس الحراري والأزمات الاقتصادية والصحية.

وتُعَدّ هذه النسبة الكبرى مذ بدأت الأمم المتحدة بتحليل البيانات في أفغانستان قبل عشر سنوات. ويعاني 90 في المائة من سكّان بادغيس من انعدام حاد في الأمن الغذائي بسبب قلّة الأمطار التي أدّت إلى جفاف الحقول وحرمان الحيوانات من الماء والطعام، بحسب وكالة التعاون التقني والتنمية.

ولا تقتصر المعاناة فقط على الجوع والعطش، إذ يشير فاتح مثلاً إلى أنّه يعرف نحو عشرين عائلة اضطرّت إلى تزويج بناتها في سنّ مبكرة جداً، لأنّها كانت في حاجة ماسة إلى المال. وفي هذا الإطار، تقول بيبي يليه، وهي أمّ لسبعة أبناء، من بينهم ابنة تبلغ من العمر 15 عاماً متزوّجة وأخرى في السابعة من عمرها تستعدّ للزواج، إنّ "أطفالي الآخرين جياع وعطشى". وتخشى بيبيه ألّا يكون لديها إلا خيار تزويج ابنتَيها الصُغريَين اللتَين تبلغان من العمر خمسة أعوام وعامَين، في حال لم يتحسّن الوضع.

وينسب الناس في بادغيس سبب فقرهم إلى "الجفاف". وكانت أفغانستان سادس أكثر دولة تضرّرت من التغيّر المناخي بحسب أحدث تصنيف صادر عن منظمة "جيرمان ووتش".

كذلك، لاحظت الأمم المتحدة في تقرير صادر في عام 2016 انخفاضاً مقلقاً في نسبة الأمطار في الشمال وتغيّراً مناخياً يشعر به "ملايين المزارعين والرعاة" في البلاد، وليست للسكان علاقة مباشرة به.

من جهته، كشف البنك الدولي في عام 2018 أنّ الفرد الأفغاني يُصدر معدّل 0.2 طنّ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً فيما يصدر الفرد الأميركي 15 طنّاً سنوياً.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وغادرت نحو 27 في المائة من العائلات قرية الملّا فاتح مثل آلاف العائلات التي اضطرت إلى ترك منازلها في بادغيس والانتقال إلى مخيّمات للنازحين حيث لا وظائف، الأمر الذي يدفع الرجال إلى المخاطرة بحياتهم لتأمين معيشة عائلاتهم. ويقول عنصر من حركة "طالبان"، الملّا موسنمل عبد الله، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، أنّه "لا بدّ لهم من المغادرة للبحث عن عمل في إيران أو في مكان آخر، وبعضهم يموت في الطريق". ويتأسّف والده حاجي جمال على "الحقول التي دُمِّرت والحيوانات التي ليس لديها ما تأكله"، مضيفاً أنّ "ستّة اشخاص ماتوا جوعاً في العامَين الماضيَين والشتاء بارد جداً (...) وليست لدينا معاطف كافية". أمّا جارته لال بيبي فترى أنّ "النساء والأطفال وحيدون وفي خطر".

ويبدو الوضع مشابهاً في قرية بيل-إيه-غلزار في منطقة قادس، ويقول شيرينغ خان إنّ "كلّ شيء مدمّر بسبب الجفاف! لم يتبقّ شيء!"، مضيفاً أنّ "الله وحده يعلم سبب الجفاف".

وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت في تقريرها الصادر في عام 2016 والمذكور آنفاً، من أنّ "الجفاف السنوي في مناطق عديدة من البلاد سوف يصير ربّما القاعدة بحلول عام 2030". لكنّ مولوي عبد الحكيم هاغيار، وهو مسؤول إداري في حركة "طالبان" في بادغيس، يقرّ بأنّ النظام الجديد لحركة "طالبان" التي سيطرت على السلطة في أغسطس/ آب "لا يملك كثيراً من المال" ويعتمد على المساعدات الدولية المجمّدة حالياً.

من جهته، ترك محمّد نبي ولاية بادغيس بعد موجة جفاف العام 2018 ليستقرّ في مخيّم في مدينة هرات في الجنوب. يقول: "بعنا كلّ ماشيتنا وحقولنا لأنّنا لم نعد نملك ما نأكله وما نشربه. وعندما نفد منّا المال، رحلنا". أمّا ابنه بشير البالغ من العمر تسعة أعوام، فبدل من أن يصير راعياً، يقضي وقته في جمع العلب الحديدية والزجاجات لبيعها في السوق. وقبل أيام قليلة، وجد بشير رصاصة لعب فيها فانفجرت، الأمر الذي أدّى إلى فقدانه إصبعَين من يد وثلاثة من اليد الأخرى. ويقول والده الذي لا يُواسى: "نحن في انتظار المساعدة".

(فرانس برس)

المساهمون