كثيرة هي مشاكل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في أفغانستان. بالإضافة إلى الأعراف السائدة في البلاد، يعاني هؤلاء بسبب إهمال الحكومة لهم
تفيد الإحصائيات الرسمية في أفغانستان بأنّ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، أو الأشخاص المكفوفين كلياً أو جزئياً، يقدر بنحو 500 ألف شخص. وسنوياً، يفقد نحو 25 ألف شخص البصر في عين واحدة، معظم هؤلاء لم يتجاوزوا الـ50 عاماً، بسبب عدم وجود وعي كامل وعلاج مناسب، علاوة على تبعات الحرب. يحدث كل ذلك وسط عدم وجود برنامج حكومي متكامل للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، أو المهددين بفقدان البصر.
يقول محمد محفوظ، وهو من ذوي الإعاقة البصرية، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى التسول من أجل الحصول على لقمة العيش. يضيف: "الحياة صعبة للغاية لأن التسول في الشوارع هو من أصعب ما قد يتصوره الإنسان، وخصوصاً إذا كان من الأشخاص الساعين بجهد إلى تأمين رزقهم من عرق جبينهم من دون طلب المساعدة من أحد. إلا أن العوز ومتطلبات الحياة دفعاني إلى الخروج في الصباح وحتى المساء، سائلاً الناس المساعدة حتى أؤمن لأولادي قوت يومهم".
يضيف محفوظ: "بناتي لم يتزوجن، في وقت لا يمكن لولديّ العمل لصغر سنّهما". يساعد أحدهما والده في التسول ممسكاً بيده أثناء التجول في السوق. وما يقلق محفوظ هو أن ابنه الصغير، ويدعى فريد الله، اعتاد التسول لأنه يرافقه أثناء العمل.
وفي ما يتعلق بوباء كورونا، يقول محفوظ إن الإصابة بفيروس كورونا لا تهمه، ولا يستطيع وأولاده حماية أنفسهم منه بسبب فقدان البصر من جهة، والفقر من جهة ثانية، مؤكداً أن همه الأول والأخير هو الحصول على لقمة العيش، منتقداً كيفية تعامل الحكومة والجهات المعنية مع فاقدي البصر. يضيف أن الحكومة لم تهتم بفاقدي البصر لا خلال تفشي فيروس كورونا ولا قبله، مشيراً إلى حملات كانت قد دشنتها الحكومة لنشر الوعي حيال كورونا. لكن تلك الحملات لا تنفع فاقدي البصر، مع أنهم معرضون لخطر الإصابة بالفيروس أكثر.
من جهة أخرى، يحكي مجتبي خان داوودي، لـ"العربي الجديد"، قصة ثلاثة من أولاده فاقدي البصر، ويقول إن معاناتهم كبيرة، الأمر الذي ينعكس سلباً على الأهل. يوضح أن ولديه وليد وعبد الصبور يحفظان القرآن، وهما في حاجة إلى من يأخذهما صباحاً إلى المدرسة ويعود بهما مساء إلى البيت. وأكثر ما يقلق الوالد مجتبي هو الفقر، إذ لا يستطيع أن يوفر لأولاده المكفوفين ما يحتاجون إليه في الحياة.
ويلفت مجتبي إلى أنه كان من الصعب جداً عليه إبقاء أولاده في المنزل طيلة أيام الحجر الصحي لأنه يصعب عليهم احتمال الأمر. لذلك، كان يعمد إلى إخراجهم بين الحين والآخر. وبعدما أغلقت المدارس الأفغانية أبوابها، يذهب وليد وأخوه عبد الصبور إلى المسجد حيث يحفظان القرآن ويجلسان مع رفاقهما في المسجد، في وقت تبقى الفتاة في المنزل.
من جهته، يحكي وليد عن معاناته لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن المشكلة الأساسية بالنسبة إليه ليست فقدان البصر، بل الحالة المعيشية لعائلته التي يصفها بـ"الهشة"، علماً أن والده يسعى بكل قوته إلى توفير احتياجات العائلة. من جهة أخرى، يتحدث عن تهميش الحكومة والجهات المعنية للأشخاص فاقدي البصر، خصوصاً في ظل أزمة كورونا "وكل ما حصل حتى الآن هو وعود ليست إلا حبراً على ورق".
ورغم الشكاوى من الحكومة والجهات المعنية، إلا أن وليد وأباه مجتبي يريان أن "الخير ما زال موجوداً بين الناس، الذين يساعدون العائلة في توفير وسائل التدفئة في ظل البرد القارس في أفغانستان، وتأمين الملابس وغيرها من الاحتياجات المنزلية".
أما محمد فيروز، فقد تمكن من متابعة دارسته والتخرج من كلية الحقوق في جامعة كابول. لكنه في الوقت الحالي عاطل من العمل، ويحتاج إلى الناس من جديد. يقول لـ"العربي الجديد": "في البداية وقبل أن أتعلم وأتخرج من الجامعة، كنت أعاني بسبب الأعراف السائدة في المجتمع". يضيف: "السائد أن فاقدي البصر ليسوا إلا عبئاً على أسرهم والمجتمع". واليوم، وبعد تخرجه من الجامعة، يعاني في ظل غياب خطط وبرامج للاعتناء بفاقدي البصر والاستفادة من مهاراتهم.
إلى ذلك، يقول الأكاديمي والناشط كفايت الله حفيظ، لـ"العربي الجديد"، إن "قلة الوعي لدى الشعب الأفغاني حول كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، والأعراف السائدة في البلاد، وتهميش الحكومة، كلها عوامل جعلت من هؤلاء عبئاً على المجتمع". يضيف أن هناك حاجة ملحة لأن تؤدي الحكومة دورها الأساسي في إزالة معاناة هؤلاء بسبب تهميشها لهم حتى بعد أن يتخرجوا من الجامعات أو يتعلموا الحرف وغيرها، عدا عن قساوة الأعراف السائدة في البلاد.
من جهتها، تقول الناطقة باسم وزارة الصحة معصومة جعفري لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة وتحديداً وزارة الصحة، تعمل على الاعتناء بالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وخصوصاً في ما يتعلق بالرعاية الصحية، إلا أن الإمكانيات ضعيفة".