يفتح فصل الصيف الباب واسِعا أمام مجموعة من المهن المُتعلقة بالأفراح ذات الطابِع الخاص، والتي تقام وفقاً للعادات والتقاليد الفلسطينية، وتضم مجموعة من المراسم التقليدية المتوارثة، وتتميز كل مرحلة منها بتفاصيلها المُختلفة، بداية من مرحلة الخطوبة، مروراً باحتفالات الرجال والنساء المنفصلة، وصولًا إلى يوم الزفاف.
وتختلف أنماط الأفراح في قِطاع غزة، إذ تغلب الأفراح التقليدية، بينما يتجه البعض إلى اللون التُراثي الفلسطيني، فيما تتجه عائلات إلى حجز بيوت الشعر، وتنظيم احتفالات بالنكهة البدوية، تزينها اللوحات التُراثية لفِرق الدحية. وتفتح كل تلك العادات والطقوس أبواباً للرزق أمام مهن متنوعة، يختص بعضها بتنظيم الأفراح، والتي ينتظر أصحابها حلول فصل الصيف بفارغ الصبر، إذ يُعتبر موسم رزق سنويا، وينتهي تدريجياً مع انتهاء العُطلة المدرسية.
وتختلف المهن المُتعلقة بالأفراح بين مهن فردية، مثل صَباب القهوة، أو صَباب العصير، أو طاهي الطَعام، أو المصور الفوتوغرافي، ومصور الفيديو، أو صانع الحلوى، وبين مِهن جماعية خاصة بالتجهيزات العامة للأفراح والاحتفالات، مثل شركات تزيين القاعات، وشركات أجهزة الليزر، وفنيي الاضاءة، والدُخان، وشركات تأجير السيارات لنقل المعازيم إلى قاعة الفرح.
بات "الفدعوس" أحد الطقوس الأساسية في موسم الأفراح الشعبية في مناطق قطاع غزة، وفي فلسطين عموماً، وهناك الكثير من الفرق الموسيقية الشعبية المتخصصة فيه. تتجهز فرقة الغندور للمُشاركة في إحياء عرس شعبي، ويتجمع الشُبان للمشاركة في زفة العريس التي تتميز باستخدام آلات موسيقية تُصدر أصواتاً صاخِبة. يقول الفلسطيني عبد الله الغندور، الذي اشتهرت عائلته بإتقان العزف على كافة آلات الفدعوس الموسيقية، إن "العمل الرئيسي للفرقة يبدأ بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، ومع بدء الإجازة الصيفية، إذ تُشارِك العائلة كلها في التجهيزات الخاصة بالأفراح بعيداً عن التفكير في التزامات الدراسة، أو ضيق الوقت في باقي فصول السنة.
تنشط المِهن المُرتبطة بالأفراح في الفترة ما بين شهر مايو/ أيار وشهر سبتمبر/ أيلول، وتشمل كل التجهيزات الخاصة بتفاصيل الأفراح. ويُبين الغندور، لـ"العربي الجديد"، أن "موسم الأفراح يفتح باب رزق للعديد من العُمال والحرفيين في مختلف المهن المرتبطة بالأعراس، بينما الفدعوس يُعتبر نكهة الأفراح، وقد بات عادة لدى غالبية العائلات الفلسطينية".
وعلى الرغم من اختلاف طرق العائلات في تنفيذ وترتيب طقوس وفقرات الأعراس، إلا أنها تتفق على الطابع العام، إذ تبدأ الفعاليات بحجز صالة الفرح، واستئجار أو شراء الملابس، وشراء الإكسسوارات والعطور ومستلزمات التجميل، وترتيبها في منزل العريس، والذي يُجهّز قبل موعد الزفاف.
بعد إتمام تلك الخطوات التي تساهم في تنشيط الحركة التجارية، يتجه أصحاب المُناسبة إلى طباعة كروت الفرح، والتي يجرى في صياغتها تعريف المعازيم بموعد الفرح، ومكانه، وكذا طباعة صورة العريس على الدعوة الخاصة باحتفال الشباب. يقول الفلسطيني شرف أبو شرف، وهو يعمل إداريا في إحدى المطابع، لـ"العربي الجديد"، إن "الإقبال على طباعة كروت الأفراح يتضاعف مع دخول فصل الصيف، وتختلف أذواق الناس في اختيار خامة ونوعية البطاقة، وذلك وفق القدرة الشرائية، والأسعار تتراوح بين نصف شيكل و7 شيكلات (نحو دولارين أميركيين)".
ويسبق يوم حفل الشباب استئجار خَطاط لكتابة عبارات التهاني الخاصة على جدران منزل العريس، مع بعض الرسومات التي تحمل الحروف الأولى من أسماء العروسين، وهي عادة قديمة لتمييز منزل العريس، وإضفاء ملامح الفرح والبهجة عليه.
ويكتظ يوم حفل الشباب بالعديد من الحجوزات المُتعلقة بتفاصيل الحفل، والذي يجرى تنظيمه عادة أمام منزل والد العريس، إذ تُستأجر الممرات المُضيئة، والستائر والشوادِر المُلونة، والتي يعمل على تركيبها ما يزيد على عشرة عُمال، وكذلك الكراسي، إلى جانب استئجار جهاز الصوت الخاص بالأغاني، أو الاتفاق مع مُغن وأفراد فرقته الموسيقية، وتنتهي فقرات الاحتفال بتقديم وجبة عشاء للمعازيم وفق القُدرة المالية لأصحاب المُناسبة.
وتتنوع أنماط الاحتفالات الخاصة بحفل الشباب، إذ يتجه البعض إلى حجز فرقة موسيقية كاملة، بينما يتجه البعض الآخر إلى حجز جهاز صوت لتشغيل الأغاني الجاهِزة بتكلفة قد تصل إلى 200 دولار، في حين تتجه بعض العائلات إلى حجز فِرق المديح النبوي، أو الفِرق الفنية ذات الطابِع المُلتزم، وتختلف كلفة الفِرق الموسيقية، إذ تبدأ من 300 دولار، ويتجاوز بعضها 1500 دولار، كما تختلف كلفة الضيافة بحسب أصناف الطعام المُقدمة.
وتتعدد التفاصيل المُتعلقة بيوم الزفاف، وتبدأ منذ الصباح الباكِر بتجهيز طعام الغداء، والذي يتم تقديمه كوليمة ظهر يوم الفرح، ويتلوه تقديم صواني الحلوى، والمشروبات المتنوعة، والتي تُحجز جميعا من المطابخ والمطاعم والمحال التجارية المُتخصصة، كما تنتعش مهنة "العشي"، وهو الشخص الذي يقوم بطهو الطعام داخل بيت العريس، كنوع من إضفاء البهجة، فضلاً عن الحِفاظ على جودة وتميز الطعام.
مع حلول عصر يوم الفرح، تبدأ فرقة "الفدعوس"، المحجوزة مسبقاً، دق طبولها استعداداً لبدء زفة العريس، وإيصاله إلى صالون الحلاقة للتزيين، ثم السير في موكب من السيارات، الخاصة أو المُستأجرة، نحو منزل العروس، لنقلها إلى استوديو التصوير لالتقاط الصور التذكارية، ثم إلى صالة الفرح، والتي تُحجز قبل مدة كبيرة، إذ تُنظّم بقية التفاصيل وفق موعد حجز الصالة.
وتتعدد المِهن المُتعلقة بصالة الفرح المُخصصة للنِساء، إذ تقوم غالبية السيدات بلبس فساتين مُستأجرة، ويعتني أصحاب المحال التجارية المُختصة بتأجيرها بمُتابعة كل ما هو جديد، ومُتابعة خطوط الموضة لجذب الزبائن، كما تُزيّن الصالة والممرات وكوشة العروسين من قبل شركة مختصة، إلى جانب حجز تصوير الفيديو، والفوتوغرافيا، ومؤخراً دخلت طائرة التصوير "درون"، علاوة على حجز الضيافة، والهدايا التي ييجرى توزيعها على السيدات في داخل القاعة.