أطفال ذوو إعاقة مهملون في إدلب... ويبقى "الأمل"

06 أكتوبر 2021
يوفّر المركز التعليم لنحو 60 طفلاً من ذوي الإعاقة (مركز الأمل)
+ الخط -

 

ما زال أطفال كثر من ذوي الإعاقة يعانون في مجتمعاتنا من جرّاء التقصير، غير المتعمد أحياناً. ويزداد التقصير وسط الاضطرابات، كما هي الحال في سورية.

تُعَدّ الطفلة سناء الدياب، البالغة من العمر تسعة أعوام، من بين الأطفال المصابين بمتلازمة داون أو تثلّث الصبغي 21 الذين يعانون في مختلف المناطق السورية، لا سيّما في الشمال السوري. وتحكي والدتها عن صعوبة في النطق وضعف في القدرات العقلية، بالإضافة إلى أنّها تعيش معزولة وحزينة طوال الوقت، فيما باءت بالفشل محاولات والدتها الحثيثة لتدريبها على النطق ودمجها في الأسرة والمجتمع. وسناء النازحة من معرّة النعمان إلى مدينة معرّة مصرين في ريف إدلب الشمالي (شمال غرب) من هؤلاء الأطفال ذوي الإعاقة الذين يعيشون ظروفاً صعبة في إدلب، في ظل انعدام الرعاية الطبية وكذلك التعليمية والنفسية المخصّصة لهم، إلى جانب قلّة استجابة المنظمات الإنسانية وعجزها عن تأمين احتياجاتهم الملحّة باختلافها. وتشير والدة سناء إلى أنّه "عند إرسالها إلى المدرسة، لم تُظهر أيّ تحسّن تعليمي؛ إذ لا يوجد مدرّسون مؤهّلون للتعامل مع حالتها"، مضيفة: "أتمنّى أن أجد مركزاً يهتمّ بحالات مثل حالة ابنتي، حتى تتمكّن من الاعتماد على نفسها في بعض الأمور الحياتية وتلقّي التعليم كبقية الأطفال".

ويعاني الأطفال السوريون ذوو الإعاقة من الإهمال مع استمرار الحرب السورية، إذ يُصار إلى التركيز على الحالات الحرجة وتوفير الخدمات المنقذة للحياة فيما يُسجَّل نقص حاد في الأطباء ذوي الاختصاص وكذلك في مراكز الرعاية. وفي هذا الإطار، يقول الطبيب المتخصص في أمراض الأطفال وحديثي الولادة في مدينة إدلب، محمد خير اليوسف، لـ"العربي الجديد" إنّ "الخدمات الطبية المتعلقة برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة تكاد تكون معدومة. ويصل إلى مستشفى إدلب أطفال كثيرون من هؤلاء وهم في حاجة إلى أدوات تساعدهم في حياتهم اليومية من قبيل الكراسي المتحركة أو السماعات أو أدوية خاصة بالأمراض العصبية نعجز عن تأمينها لهم". ويؤكد اليوسف أنّ "الأطفال المصابين بمتلازمة داون وبالتوحّد يعانون في محافظة إدلب من قلة مراكز الرعاية المتخصصة ومن قلّة الدعم، الأمر الذي يقلل من فرص التشخيص المبكر لمثل هذه الإصابات ومن القدرة على توفير العلاج المناسب لهؤلاء الأطفال".

الصورة
أطفال سوريون ذوو إعاقة في إدلب 2 (مركز الأمل)
ثمّة كادر مدرّب على التعامل مع الحالات جميعها (مركز الأمل)

ويكابد الأطفال ذوو الإعاقة صعوبات أكبر في مخيمات النزوح، حيث الحياة أكثر صعوبة وقسوة. يُذكر أنّ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في مخيمات إدلب بلغ 199 ألفاً و718 شخصاً حتى أواخر عام 2020، بحسب بيانات فريق "منسقو استجابة سورية". وفي مخيم الكرامة في مدينة أطمة الحدودية مع تركيا، تحكي عائشة التيزري، وهي نازحة من مدينة سراقب، عن معاناة ابنها المصاب بإعاقة حركية نتيجة ضمور في الدماغ والأعصاب. وتخبر "العربي الجديد": "ولدي يبلغ من العمر 10 أعوام وهو يعاني من صعوبة في التنقّل في المخيم على كرسيه المتحرك، لا سيّما أنّ المسارات وعرة، كذلك لا يتوفّر حمّام مناسب لإعاقته. وتسوء حالته الصحية في أيام الحر الشديد، بسبب السكن في خيمة من النايلون لا تردّ عنّا الحرارة المرتفعة. يُضاف إلى ذلك بُعد المراكز الصحية والصيدليات عن المخيم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في سياق متصل، يحاول "مركز الأمل لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي سدّ بعض من العجز. وتقول مديرته غنوة نواف لـ"العربي الجديد" إنّه "بجهود تطوعية أنشأنا المركز قبل نحو عام، في الأوّل من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، إيماناً منّا بضرورة الاهتمام بهذه الفئة المهمّشة وتعليم الأطفال (ذوي الإعاقة) إذ إنّ ذلك يُعَدّ أحد أبسط حقوقهم ويساعدهم على تعزيز مهاراتهم الاجتماعية ويسهّل دمجهم في المجتمع وينمّي قدرات الاعتماد على الذات لديهم". لكنّها تشير إلى أنّه "كلما تقدّم بهم العمر تقلّ مرونة الدماغ، ما يشكّل صعوبة في التعاطي مع العلاج".

الصورة
أطفال سوريون ذوو إعاقة في إدلب 3 (مركز الأمل)
تختلف وسائل التأهيل والتعليم (مركز الأمل)

وتوضح نواف أنّ "المركز يوفّر التأهيل والتعليم لنحو 60 طفلاً من ذوي الإعاقة، كالمصابين بمتلازمة داون وطيف التوحّد والصمم. كذلك يقدّم جلسات تخاطب لمعالجة مشكلات النطق الناتجة عن الضمور الدماغي ونقص الأكسجة، فضلاً عن تقديم المعالجة الفيزيائية للأطفال الذين يحتاجون إليها". تضيف أنّ مركز الأمل "يضمّ كادراً مؤهّلاً ومدرّباً على التعامل مع الحالات، لكنّه مهدّد بالإغلاق بسبب ضعف الإمكانات المادية وعدم تبنّيه من قبل أيّ جهة أو منظمة داعمة منذ انطلاقته، لتأمين رواتب الكادر العامل في المركز واحتياجات الأطفال والأمور اللوجستية والوسائل التعليمية".

الصورة
أطفال سوريون ذوو إعاقة في إدلب 4 (مركز الأمل)
يُعَدّون للدمج في مراحل لاحقة (مركز الأمل)

جابر البالغ من العمر سبعة أعوام والمصاب باضطراب طيف التوحّد هو من الأطفال الذين يقصدون مركز الأمل. تخبر والدته "العربي الجديد" أنّه "كان يعاني من ضعف في التواصل البصري واللفظي مع المجتمع المحيط به، إلى جانب العناد والعصبية والعزلة وعدم الاختلاط بأقرانه، مع تكرار حركات بحدّ ذاتها. لكنّ حاله تحسّنت بعض الشيء بعد خضوعه لجلسات علاجية خاصة بوضعه، الهدف منها تعديل السلوك وتنمية المهارات الجسدية والعقلية وتقوية أعضاء جهاز النطق". وتؤكد الوالدة أنّ ابنها "استجاب للتعليم والعلاج"، متمنية أن "يتلقّى المركز الدعم ليستمرّ في عمله ويهتم بالأطفال ذوي الإعاقة ويوفّر لهم بعضاً من حقوقهم".

من جهتها، تقول المتخصصة في علم النفس سوسن ناصيف إنّ "دور الأهل هو الأكثر أهمية في هذا السياق. لا بدّ من أن يتفهّموا طرق علاج طفلهم وتعايشه مع المرض". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "من الضروري إرشاد أهالي الأطفال وتوعيتهم بأهمية المتابعة المستمرة وتقبّل وجود الطفل ذوي الإعاقة في كنفهم وألا يكون مصدر إحراج لهم أمام الناس، لأنّ ذلك يؤثّر سلباً على سلوكه وحالته النفسية". وتؤكد ناصيف "أهمية تدريب الأطفال كلّ بحسب وضعه، من خلال وضع خطة يُدرَّب من خلالها على المهارات المعرفية واللغوية والاجتماعية وعلى الاستقلالية، ليصير قادراً على الاعتماد على نفسه في تلبية حاجاته اليومية والتواصل مع المجتمع المحيط به، محققاً أعلى مستوى من التوافق النفسي والاجتماعي". وتوضح ناصيف أنّ الأطفال ذوي الإعاقة وهؤلاء ذوي الاحتياجات الخاصة "قادرون على العطاء ويملكون قدرات كثيرة، لكنّهم يحتاجون إلى طرق تعليم تتناسب مع احتياجاتهم وقدراتهم، مع وجود برامج تدريبية ووسائل تعليمية خاصة من شأنها أن تطلق مواهبهم وقدراتهم".

المساهمون