كشف أطباء ومسؤولون في وزارة الصحة العراقية عن ارتفاع في معدلات إصابة الأطفال باضطراب طيف التوحد خلال العاميين الماضيين، بالتزامن مع إجراءات حظر التجول ووقف الدراسة وفرض القيود الاجتماعية لكبح انتشار فيروس كورونا، مع الإشارة إلى غياب المراكز الخاصة التي من شأنها الحد من اتساع رقعة المرض.
ويُعرف التوحّد أو متلازمة طيف التوحد بأنه أحد الاضطرابات التي تؤثر في إدراك الشخص للعالم من حوله وطريقة تعامله مع الآخرين.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية حول عدد المصابين بالتوحد في العراق، لكن خبراء من مراكز بحوث تربوية ونفسية يقدرون أنّ عدد الأطفال المصابين بالتوحد أكثر من 20 ألف طفل في عموم أنحاء البلاد.
ويوجد في إقليم كردستان العراق عدد من المراكز الخاصة بمعالجة الأطفال المصابين بالتوحد، إلا أن بقية المحافظات العراقية لا يتوفر فيها غير مركز حكومي واحد، وهو "مركز بغداد الحكومي للتوحد"، ويعاني من إهمال بالغ بحسب أحد الأطباء المنتسبين إليه، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "المركز يحتوي على 11 طبيباً فقط، ويعملون بنظام المناوبة، مع العلم أن حاجة المركز هي أكثر من 25 طبيباً".
وأضاف الطبيب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "المركز طلب في أكثر من مرة رفده بمزيدٍ من الفرق المتخصصة بمعالجة الأطفال من التوحد، لكن وزارة الصحة تجيب بعدم توفر المتخصصين بهذا المجال"، مبيناً أن "الكثير من ذوي الأطفال المصابين يصلون إلى المركز، ونقوم بنصحهم بأن يتوجهوا إلى المراكز الأهلية".
في المقابل، أقرّ مسؤول بوزارة الصحة العراقية بأن العامين الماضيين، اللذين تزامنا مع الإغلاق العام وحظر التجول وإجراءات التباعد الاجتماعي جراء جائحة كورونا، زادا من صعوبة مواجهة هذا المرض.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "الجهات الصحية تجد أن الجائحة تسببت في زيارة فرص إصابة الكثير من الأطفال بالمرض، وهناك أميّة لدى كثير من الأهالي في كيفية رصد أطفالهم بوقت مبكر والتعامل مع الموضوع على نحو جدي".
وأكد أن البلاد بحاجة إلى ما لا يقل عن 5 مراكز جديدة متخصصة لرعاية الأطفال المصابين بالتوحد، خاصة بالمدن الكبيرة مثل بغداد والبصرة والموصل وكركوك.
وتتوفر في بغداد مراكز متخصصة أهلية لمعالجة طيف التوحد، من بينها مركز "الرامي" لرعاية التوحد وبطء التعلم وصعوبة التخاطب والنطق، ومركز "الرحمن" التخصصي لرعاية التوحد واضطراب النطق. لكن زينب سلمان، وهي والدة طفل مصاب بالتوحد، أشارت إلى أن "معظم المراكز في العاصمة بغداد والمحافظات العراقية، تطلب أجورا باهظة".
وبيَّنت سلمان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المراكز المتوفرة تطلب نحو 100 دولار للجلسة الواحدة، وهذا المبلغ للحالات التي يتم اكتشافها مبكراً، ناهيك عن المبالغ الكبيرة التي تطلبها مقابل معالجة الأطفال الذين يعانون من حالات متقدمة من الاضطراب".
أما مازن الخفاجي، من محافظة كربلاء، فهو يواظب منذ نحو عامين على زيارة مركز متخصص بمعالجة الأطفال المصابين بالتوحد في بغداد، وأشار إلى أن "المركز الحكومي الوحيد في العاصمة تغيب فيه كل لوازم معالجة الطفل، ويعاني من عدم الاهتمام، كما أن معظم الأهالي يخشون على أطفالهم من الإصابة بأمراض مزمنة في المركز، مثل الإنفلونزا والربو، خصوصاً أنه بلا أجواء صحية".
وأكد لـ"العربي الجديد" أنه "اكتشف إصابة ابنته بعد سن الثالثة، ولم نستطع لحد الآن معرفة السبب وراء الاضطراب"، مشدداً على أن "شريحة المصابين باضطراب التوحد بحاجة إلى دعمٍ مباشر من الحكومة واهتمام بالغ، لا سيما مع ارتفاع معدلات الإصابة، ونحن نسمع حالياً عن أرقام متصاعدة بالإصابة لدى العائلات العراقية".
بدوره، أشار الطبيب النفسي من بغداد مصطفى فرمان إلى أن "الارتفاع بأعداد المصابين بطيف التوحد حقيقي فعلاً، وما يزيد من المشكلة هو الإهمال الكبير من قبل السلطات الصحية في البلاد في هذا الجانب، حيث لا تتوفر مراكز لمعالجة الأطفال، التي من الممكن أن تسهم بتقليل حدة اتساع نسب المصابين فيه، كما أن وزارة الصحة لا تتفاعل مع ملف تطوير الجانب العلمي لدى كوادرها المتخصصة بمعالجة الأطفال وتدريبهم على التقنيات العالمية الحديثة، وتتحجج دائماً بعدم توفر التخصيصات المالية".
وأرجع، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، ارتفاع أعداد المصابين إلى "أجهزة الموبايل والألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل التي بات بعض الأهالي يشغلون بها أطفالهم لساعات طويلة، وهي تساعد على خلق شخصيات انفعالية وانطوائية في الوقت نفسه، إضافة إلى أمراض نفسية واجتماعية عديدة، في مرحلة نموهم العقلي والجسدي، إضافة إلى بعض الموروثات لدى والدي الطفل".
يشار إلى أن الأمم المتحدة حددت يوم الثاني من إبريل/ نيسان من كل عام يوماً للتوعية حول اضطراب طيف التوحد (Autism). وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، فإن التوحد يصيب واحداً من كل 160 طفلاً حول العالم، ويكون الذكور أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بأربع مرات مقارنة بالإناث، إذ يصيب التوحد واحداً من كل 37 طفلاً ذكراً، وواحدة من بين كل 151 طفلة حول العالم.