أطباء مصر... انتخابات النقابة والحقوق المهدورة

03 أكتوبر 2021
كورونا أنهك أطباء مصر (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ أن تفشى وباء كورونا في العالم نهاية عام 2019، وظهوره في الأراضي المصرية للمرة الأولى في منتصف فبراير/ شباط 2020، اندفع أطباء هذا البلد إلى مقدمة صفوف التصدي له وتوفي منهم حوالي 600 في ميدان العمل. يجعل هذا الواقع الذي تستمر تداعياته مع استمرار انتشار الوباء انتخابات التجديد النصفي التالية التي تجريها نقابة أطباء مصر حاسمة وتاريخية.
فعلياً، فُتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء مصر، والتي تشمل مقاعد عضوية مجالس النقابة العامة وتلك الخاصة بالفروع، في 20 يونيو/ حزيران الماضي، قبل أن يغلق في الثلاثين من الشهر نفسه، بينما ستنظم الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بعد استكمال إجراءات التدقيق في طعون الترشيحات، وإعلان القوائم الختامية.
وأعلنت اللجنة العامة لانتخابات نقابة الأطباء العامة وتلك الخاصة بالفروع أنّ 51 طبيباً ترشحوا لانتخابات المجلس الخاص بالأعضاء فوق السن، و40 مرشحاً لانتخابات المجلس الخاص بالأعضاء تحت السن، بينما سيخوض 35 مرشحاً فوق السن و26 مرشحاً تحت السن انتخابات عضوية المجلس العام. وكشفت الفترة الطويلة التي تفصل بين موعد فتح باب الترشح وإغلاقه، وموعد إجراء الانتخابات، الكثير عن طبيعة الانتخابات، وشكل المعركة التي ستشهدها، وموقف الدولة منها.

"الاستقلال" خارج الانتخابات
كان لافتاً امتناع قائمة الاستقلال بالنقابة العامة للأطباء، في بيان أصدرته في 30 يونيو/ حزيران الماضي، عن الترشح لانتخابات التجديد النصفي، سواءً لشغل مقاعد النقابة العامة أو تلك الخاصة بالفروع. وبررت ذلك بأسباب عدة في مقدمها "معارضة الظروف المحيطة التي تؤثر على جوهر العمل النقابي".
وأورد بيان قائمة "الاستقلال" الذي لم يتناول بعمق تفاصيل العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية: "نؤكد استمرارنا في الدفاع عن حقوق الأطباء والمنظومة الصحية مهما كان موقعنا وصفتنا. وهذا ليس بأمر غريب علينا بعدما عملنا طوال سنوات وسط جموع الأطباء، سواء من خلال وجودنا داخل النقابة كأعضاء منتخبين أو خارجها، لتعزيز تضامن الأطباء في الدفاع عن حقوقهم في نيل أجور عادلة، والعمل ضمن ظروف لائقة، كما حاولنا حلّ مشكلات الأطباء والمنظومة الصحية في البلاد بكلّ الوسائل الشرعية المتاحة".

نفور
وفي توضيح رسمي لأسباب عزوفها عن الترشح، قالت الدكتورة منى مينا، الوكيلة السابقة لنقابة الأطباء، وهي من أبرز وجوه "قائمة الاستقلال"، باعتبارها شاركت في تأسيس أسرة "أطباء بلا حقوق" التي تشكلت عام 2007: "لا يرتبط عدم ترشحي بضيق المساحات المتاحة للعمل النقابي، أو تدني درجة توقعاتي بتحقيق أيّ مكاسب نقابية، لأنّني أؤمن بالكامل بضرورة السعي بكلّ الطرق المتوافرة إلى تحقيق أهداف الإصلاح وتحسين الأحوال بقدر الإمكان، ومحاولة تجنب التدهور في الأوقات الصعبة". وتابعت: "السبب الأساس لعدم الترشح هو إحساسي بأنّ أصدقاء وداعمين لي سيتعرضون لضغوط كبيرة في المعركة الانتخابية، ما جعلني أتمسك بالتخفيف من صعوبة قرارهم. ونحن سنستمر بإذن الله وبدعم جميع الزملاء في العمل من داخل مجلس النقابة أو خارجه لنيل حقوق الأطباء، وتعزيز حق المواطنين الشرعي والعادل في الحصول على خدمات صحية ذات مستوى جيد وراقٍ، ويحفظ كرامتهم من خلال توفير كلّ متطلبات منحهم الرعاية الطبية المناسبة التي تضمن حمايتهم وسلامتهم في المجتمع".
والحقيقة أنّ الامتعاض الواضح من ظروف العمل النقابي في مصر، يترافق مع نفور كبير من العمل الطبي نفسه، إذ يرصد المركز المصري للدراسات الاقتصادية حالات هجرة واسعة للأطباء منذ انتشار كورونا في مصر مطلع عام 2020، إذ يرجح أنّها شملت 7 آلاف منهم. وتكشف أرقام أخرى للمركز نفسه مواجهة البلاد موجة ثانية شديدة العدوى وأوسع انتشاراً من الأولى، تتأثر بالتأكيد بعدم تطبيق إجراءات احترازية كافية، مع احتمال أن تزيد هجرة الأطباء ووفاة آخرين.

الصورة
أطباء مصريين كُثر هاجروا في فترة كورونا (كوني تاكاهاشي/ Getty)
أطباء مصريون كُثر هاجروا في فترة كورونا (كوني تاكاهاشي/ Getty)

"انتظرونا"
وكان لافتاً في قوائم الترشيحات المعلنة، إطلاق مجموعة تضم أطباء جدد "قائمة الأمل"، من دون أن تكشف أسماء مرشحيها وخططهم وجدول أعمالهم، أو رؤيتهم للمعركة الانتخابية ولمستقبل العمل النقابي وواقع الأطباء في مصر. واكتفت هذه المجموعة بإطلاق صفحة باسم "قائمة الأمل" على موقع "فيسبوك" من أجل الترويج للقائمة بكلمة واحدة حالياً هي "انتظرونا".
وفي الكواليس، يقول أعضاء سابقون في مجلس نقابة الأطباء إنّ "قائمة الأمل تضم وجوهاً جديدة تحمل أفكاراً قريبة لأطباء كان يفترض أن تضمهم قائمة الاستقلال. وستطرح مرشحيها للانتخابات من أجل تفادي حصول تصادم بين الدولة ورموز حاليين وسابقين في قائمة الاستقلال، تمهيداً لإعادة فرز كوادر نقابية جديدة". ويشير النقابيون السابقون إلى أنّ "الخلاف الدائر بين قائمة الاستقلال والنظام مستمر منذ مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري في صيف 2013، وتؤججها رغبة النظام في فرض سيطرته على النقابات، وبينها نقابة الأطباء ذات التاريخ النضالي الساطع في الحياة السياسية المصرية".
عام 2017، رفضت نقابة الأطباء قرار بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وجاء ذلك بعد عام على مطالبة الجمعية العامة للنقابة بإقالة وزير الصحة أحمد عماد الدين، احتجاجاً على اعتداء ضباط في الشرطة على أطباء في مستشفى المطرية. ونظمت النقابة إضرابات ضخمة من أجل الضغط على النظام لتحسين أوضاع الأطباء.

الصورة
وزيرة الصحة هلا زايد تتحدث عن لقاحات كورونا (خالد دسوقي/ فرانس برس)
وزيرة الصحة هلا زايد تتحدث عن لقاحات كورونا (خالد دسوقي/ فرانس برس)

كذلك، رفضت نقابة الأطباء اتهام رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، في تصريحات صحافية أدلى بها، الأطباء بـ "التقاعس عن التصدي لوباء كورونا". وأعقب ذلك اعتقال عشرات الأطباء واحتجازهم في سجون، بحجة رفضهم تصريحات مدبولي، أو انتقادهم سياسات الحكومة في مواجهة الوباء.
وفي 27 يونيو/ حزيران 2020، أرجأت النقابة مؤتمراً كانت قررت عقده لتوضح الإجراءات الخاصة بمواجهة فيروس كورونا. وبررت ذلك لاحقاً في بيان نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك" بـ"أسباب تقنية"، في حين كان السبب الفعلي لقرار الإلغاء الانتشار الكثيف لرجال الأمن أمام مقر النقابة ممن حاولوا منع دخولها تنفيذاً لتعليمات أمنية.
ولم يكن تعطيل هذا المؤتمر الصحافي التحرك الأمني الأخير الذي هدف إلى منع أطباء من توجيه انتقادات إلى سياسات الحكومة، إذ اعتذرت النقابة عن عدم نشر نعي خاص بوفاة الدكتور عصام العريان، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في السجن، ما أكد توغل السلطات الأمنية داخلها، على غرار باقي النقابات المهنية والعمالية في مصر.
وبين المواقف المتشنجة التي طبعت العلاقة بين الدولة والمجلس الحالي لنقابة الأطباء، اتهام النقيب المنتمي إلى قائمة "الاستقلال" حسين خيري، الحكومة بهدر حقوق الأطباء خلال فترة وباء كورونا، ومطالبة مجلس النقابة لاحقاً السلطات بتقدير تضحيات الكوادر الطبية، ومعاملتهم بنفس أسلوب معاملة ضحايا الجيش والشرطة على الصعيد المادي، وهو ما لم تستجب له الحكومة حتى الآن.

"تحايل" حكومي
وفي إجراء عكس محاولتها التحايل على قرار رفضها إلحاق الأطباء بصندوق "شهداء الشرطة والجيش"، وتمسكها بالإبقاء على قيمة بدل العدوى للأطباء والمحددة بمبلغ 19 جنيهاً مصرياً (1.21 دولار أميركي)، رغم حصول صراع قضائي بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، خصصت الحكومة بدل تعويض باسم "بدل مخاطر المهن الطبية" جرى تطبيقه بعد انتشار فيروس كورونا، وارتفاع عدد ضحايا المهن الطبية بسبب الإصابة بالفيروس خلال وجودهم في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء.
من هنا، لا بدّ من أن يواصل المجلس الجديد لنقابة الأطباء المضي قدماً في تحسين الأوضاع المادية للأطباء، وضمان وقف نزيف قدراتهم المهنية سواء عبر تقليص مخاطر كورونا المحدقة بعملهم، أو وقف هجرتهم للعمل في الخارج، وتلبية مطالب عاجلة وملحّة لهم تفاقمت مع انتشار الوباء العالمي.

المساهمون