أطباء اليمن... كورونا يقتل المدافعين عن صحة المواطنين

02 نوفمبر 2020
الكوادر الطبية أكثر عرضة للفيروس (أحمد الباشا/ فرانس برس)
+ الخط -

ينزف اليمن العشرات من كوادره الطبية في المعركة ضد فيروس كورونا. المعركة في الأساس غير متكافئة إذ إنّ المنظومة الصحية والوقائية في اليمن متهالكة، ما يجعل الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين أكثر عرضة للعدوى، وبالتالي الوفاة

انضم الطبيب اليمني، عبدالله الظرافي، مؤسس أقسام الجراحة في مستشفى الثورة الحكومي بمدينة تعز، إلى قائمة ضحايا فيروس كورونا الجديد، في اليمن الذي شهد مئات الوفيات من جراء أوبئة مختلفة هجمت على السكان والكوادر الطبية معاً طوال سنوات، وأنهكت البنية الصحية المتردية من جراء النزاع المتصاعد منذ عام 2014. قبل رحيل الظرافي، كانت الطبيبة اليمنية، عبير الأغبري، الاستشارية في أمراض النساء والولادة، والقائمة بأعمال عميد كلية الطب بجامعة تعز اليمنية، تعجز هي الأخرى عن هزيمة الفيروس، لتصبح الرقم 105، في قائمة الكوادر الطبية التي حصدها كورونا منذ تسجيل أولى إصاباته في العاشر من إبريل/ نيسان الماضي. ومن إجمالي 599  وفاة مسجلة في كشوف السلطات الصحية، تعرضت الكوادر الطبية الشحيحة أصلاً، لنزيف غير مسبوق من جراء الفيروس، ووفقاً لمصادر صحية لـ"العربي الجديد"، فقد خسرت جامعات "صنعاء" و"عدن" و"تعز" أكثر من 25 استشارياً ومحاضراً بكليات الطبّ الحكومية. وذكرت منظمة "ميد غلوبال" الدولية المتخصصة بالقطاع الصحي، في تقرير لها، أنّ الرقم مرشح للارتفاع في بلد يعاني من تدهور نظام الرعاية الصحية بشدة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ووفقاً لنقابة الأطباء اليمنيين، فإنّ وفاة أكثر من 100 طبيب وعامل صحي من جراء كورونا، تشكّل "خسارة لبلد يعاني من نقص في الكوادر الطبية" خصوصاً خلال سنوات الحرب. ويعيد نائب نقيب الأطباء اليمنيين، محمد مهيوب، في حديث لـ"العربي الجديد" أسباب ارتفاع الوفيات بين الأطباء، إلى عدم توفر وسائل الحماية الشخصية، وأيضاً إلى تعرض الأطباء والصيادلة والممرضين إلى جرعات عالية من مخاطر الفيروس. ويقول مهيوب، إنّ رحيل هذه القائمة الطويلة، يعدّ خسارة فادحة لبلد يعاني من نقص في الكوادر الطبية، إذ لا يتوفر سوى عدد قليل من الأطباء مقارنة بعدد السكان (3.1 أطباء لكلّ 10000 شخص بحسب منظمة الصحة العالمية)، فيما دفعت الحرب مئات الأطباء إلى الهجرة".
ودفعت المنظمات الدولية، خلال الأسابيع الماضية، بعشرات الأطنان من المساعدات الطبية وأدوات الحماية الخاصة بالأطباء، لكنّ مصادر صحية تقول إنّها جاءت في الوقت الضائع بعدما قتل الفيروس كوكبة من الكوادر، فضلاً عن انحساره بشكل كبير. وما زال فيروس كورونا يشكل لغزاً غامضاً في الشارع اليمني، فبعد تحذيرات دولية بأنّ الوباء قد يقضي على عشرات الآلاف وتوقعات بمليون إصابة، لم تسجل السلطات التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، منذ العاشر من إبريل/ نيسان الماضي إلا نحو ألفي و62 إصابة، فيما تكتمت السلطات الحوثية بصنعاء عن حقيقة الوباء، وأرجعت ذلك إلى استراتيجية خاصة لحماية المجتمع من الهلع. وفي إطار الرقم الذي أعلنته لجنة الطوارئ التابعة للحكومة الشرعية، توفي نحو 600. لكنّ منظمات أممية تقول إنّ هذه الأرقام لا تعكس دقة ما حدث على الأرض، وتعيد ذلك إلى عجز السلطات اليمنية عن اكتشاف حقيقة الوباء. وبحسب أحدث الأرقام من نقابة الأطباء اليمنيين ومنظمة الصحة العالمية، يبلغ معدل وفيات كورونا باليمن 29 في المائة من إجمالي الإصابات المسجلة، وهو أعلى بخمس مرات من المتوسط العالمي الذي يقل قليلاً عن ستة في المائة. وتمثل وفيات الأطباء نحو 19 في المائة من إجمالي عدد الوفيات المعلنة، وهو رقم كبير وأعلى بسبع مرات عن المعدل العالمي.
ويقول أطباء يمنيون، إنّ وفاة 105 من العاملين في القطاع الصحي، يمثل كارثة في بلد يعاني من النقص المزمن في المهنيين الطبيين، وخسارة تمتد إلى المجتمع بأسره والبلد عموماً، لا سيما أنّ بعض أولئك الذين لقوا حتفهم كانوا من كبار الأطباء ومن القادة في مجالاتهم، وخسارتهم لا تعوض. وأودى الفيروس، بحياة ثلاثة من أبرز الأطباء اليمنيين، على رأسهم ياسين عبد الوارث، أحد كبار علماء الأوبئة باليمن، وسالم صالح محمد العمري، رئيس قسم الطب الباطني في جامعة عدن والدكتور عارف أحمد علي، اختصاصي الصحة العامة.
وعلى الرغم من جزم السلطات الصحية اليمنية بانحسار الوباء خلال الأسابيع الخمسة الماضية بشكل كبير، فإنّ الطبيب اليمني المقيم في ألمانيا، مروان الغفوري، يعتبر الرقم المسجل لوفيات الأطباء باليمن، بأنّه يعطي مؤشراً عن مستوى تفشي الوباء والعدد الحقيقي للوفيات من جراء كورونا. يقول الغفوري، عبر "فيسبوك" :"سنلاحظ أنّ هناك معادلة ما للوفيات كالتالي: مقابل كلّ طبيب يفقد حياته بسبب كورونا، هناك ما بين 200 إلى 600 شخص عادي يفقدون حياتهم، وإذا وقفنا في الوسط، عند الرقم 400، فإنّ توقعاتنا تذهب إلى احتمال وفاة 36 ألف شخص بفيروس كورونا في اليمن".
وباستثناء محافظة حضرموت التي تسجل أرقام إصابات شبه يومية منذ عيد الأضحى الماضي، توقفت المختبرات المركزية بمحافظتي تعز وعدن عن تسجيل إصابات جديدة منذ أكثر من 6 أسابيع. وتظهر الإحصائية الرسمية الصادرة من لجنة الطوارئ الحكومية، أنّ محافظة حضرموت، بؤرة تفشي فيروس كورونا باليمن بأكثر من 950 إصابة، سجلت خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، 178 إصابة و74 وفاة، فيما لم تسجل محافظة تعز، خلال الفترة نفسها سوى 11 إصابة فقط من دون أيّ وفيات. ولا تعرف الأسباب الحقيقية وراء الانحسار الغامض بمدينة تعز، ويقول مسؤول في المختبر المركزي لـ"العربي الجديد" إنّ أبواب المختبر ما زالت مفتوحة وهناك وفرة في محاليل الفحص، لكنّ الإصابات تكاد تكون معدومة في جميع مراكز العزل داخل المدينة. ويشير إلى أنّ الأيام الأخيرة من مايو/ أيار الماضي حتى مطلع يونيو/ حزيران الماضي، شهدت ذروة الإصابات، وكان هناك نقص حاد بمحاليل الفحص، لكنّ الناس كانوا يتعاملون مع أعراض كورونا باعتبارها حُمّيّات عابرة، وربما لهذا السبب قد يكون المجتمع اكتسب ما يعرف بمناعة القطيع. 
وعلى الرغم من الانحسار الحاصل في البيانات الرسمية، كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، في أحدث بيان له حول الوضع الصحي، إن تحديات كورونا باليمن "لا تزال قائمة"، وأن المهنيين العاملين في المجال الصحي، قلقين من تقليل المنحنى الوبائي الرسمي لتقديرات مدى انتشار كوفيد- 19 في اليمن لأسباب من بينها الافتقار إلى مرافق الفحص والتقارير الرسمية.
ويتوقع خبراء في الأوبئة، أنّ الموجة الأولى من كورونا في اليمن كانت خفيفة ولم تصل إلى حدّ الذروة، لافتين إلى أنّ موجة ثانية شديدة قد تأتي في أواخر العام الجاري مع حلول فصل الشتاء، وتحديداً خلال الفترة نفسها التي انتشرت فيها الحُمّيّات بمدينة تعز ومدن أخرى وأودت بحياة العشرات خصوصاً كبار السن، من دون أن تتمكن السلطات الصحية من اكتشاف حقيقة الوباء.

وأنهكت الحرب القطاع الصحي المتهالك أساساً، وعلى الرغم من الإمدادات الكبيرة التي تلقتها السلطات خلال فترة تفشي كورونا من المنظمات الدولية ومجتمع المانحين والمبادرات المجتمعية، فإنّ جميع المحافظات لا تملك أكثر من 398 سرير عناية مركزة.

المساهمون