يعيش القطاع الصحي في المغرب أوقاتاً عصيبة خلال الأيام الأخيرة، بعد انتحار طبيب شاب في غرفته في أحد المستشفيات في العاصمة الفرنسية باريس، حيث كان يخضع لتدريب.
تسبّب انتحار الطبيب ياسين رشيد، المقيم في قسم جراحة المسالك البولية في المركز الطبي الجامعي ابن رشد في المغرب، في اندلاع موجة احتجاجات في المستشفيات الجامعية "رفضاً للأوضاع المهنية، وسوء المعاملة التي يتعرض لها الأطباء المقيمون".
وطالب المشاركون في الاحتجاجات التي شهدتها مستشفيات في مدن الدار البيضاء والرباط وطنجة ومراكش وأغادير ووجدة وفاس، في 7 سبتمبر/ أيلول الحالي، بالتحقيق في ظروف انتحار الطبيب، كما فتحت الحادثة المأساوية نقاشاً واسعاً في أوضاع الأطباء المغاربة، وخصوصاً المقيمين والداخليين بالمستشفيات الجامعية، خلال إتمامهم فترات التأهيل والتدريب التطبيقي، ولا سيما في ظل حديث زملائه عن تعرضه لضغوط نفسية خلال فترة تدريبه.
وفيما تتجه الأنظار إلى نتائج التحقيق الذي باشرته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية منذ أيام بشأن الحادث، كان لافتاً استنكار اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب، في بيان، "كل فعل وأسلوب مشين من شأنه الضغط النفسي، والإكراه البدني للطلبة والأطباء خلال تكوينهم، وكل أشكال التعسف والابتزاز داخل وخارج أماكن العمل، التي تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها".
وأعلنت اللجنة أن "الوقت قد حان للقطع مع ما قالت إنه ممارسات لا تزال حاضرة ومتفشية في بعض المصالح الاستشفائية، التي قالت إنها لا تمت بصلة إلى التكوين الطبي والصيدلي، وإلى صفة الأستاذ الجامعي الذي يشهد له بالرقي والإنسانية".
وكان شقيق الطبيب المنتحر قد اعتبر، في بيان، أن ما جرى لشقيقه "لا يمكن أن يمر دون حساب وترتيب العقوبات القانونية"، معلناً أن الأسرة ستسلك جميع الأطر الإدارية والقانونية من أجل متابعة الفاعل.
يقول الكاتب العام للجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين في المغرب، إلياس الخاطب، لـ"العربي الجديد "، إن حادثة الانتحار "تقتضي فتح نقاش جدي ومسؤول بين الأطراف المعنية كافة حول الضغوط النفسية والمعاملة غير الإنسانية التي تتعرض لها شريحة كبيرة من الأطباء المقيمين والداخليين في المستشفيات الجامعية".
ويقول الطبيب الطيب حمضي، إن "القضية لا تتعلق بانتحار طبيب وأسبابه، بل بكيفية تطهير مستشفياتنا وأماكن تكوين أطبائنا من الممارسات غير الأخلاقية وغير القانونية التي تحطّ من الكرامة وتسيء إلى جامعاتنا الطبية ومستشفياتنا وأساتذتنا وطلبتنا". ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "المستشفيات الجامعية تضم أساتذة أكفياء يشاركون معارفهم وتجاربهم مع الأجيال الجديدة. في المقابل، يسيء آخرون إلى مهنة الطب وشرفها، ويدمرون جيلاً من الطلاب الأطباء والصيادلة".
يضيف أن "الممارسات المهينة من قبل بعض رؤساء الأقسام أو مساعديهم هي جرائم ضد نبل وشرف مهنة الطب، وضد نبل وشرف مهنة التعليم والتكوين وضد الوطن". ويرى أن "واقعة الانتحار، سواء كانت مرتبطة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بما عاناه خلال تكوينه الطبي، فإن الوقائع التي يسجلها زملاؤه تؤكد تعرضه للاضطهاد والضغط والترهيب خلال تكوينه، كذلك يتحدثون عن معاناة مماثلة، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بمجرد حالة معزولة، بل بظاهرة يجب على التحقيق معرفتها للتأكد من حقيقة الاتهامات المتعلقة بالابتزاز والاضطهاد داخل بعض الأقسام في المستشفيات الجامعية، ومدى اتساع رقعة هذه الظاهرة، والأسباب الحقيقية والإجراءات التي يجب اتخاذها لمحاسبة المسؤولين عنها، والأهم بلورة الإجراءات التي يجب اتخاذها لعدم تكرار مثل هذه الممارسات".
ويوضح إلياس الخاطب أنّ "تفشي تلك الممارسات وسكوت الضحايا عنها يعود أساساً لكون مستقبل هؤلاء الأطباء معلق بتوقيع شخص واحد بإمكانه حرمانهم إتمام التكوين من دون حسيب ولا رقيب. من هنا، يجب أن تنطلق الآليات لإصلاح هذه الاختلالات"، داعياً إلى "إصلاح ظروف تكوين الأطباء، سواء كانت مادية أو صحية أو نفسية، كونها جزءاً لا يتجزأ من جهود الحد من هجرة الأطباء، وإنجاح مساعي تعميم التغطية الصحية وتأهيل المنظومة الصحية".
وحسب الأرقام الرسمية في المغرب، فإن عدد الأطباء في القطاعين العام والخاص يبلغ 25575 طبيباً، في بلد يتجاوز تعداد سكانه 36 مليون نسمة، بمعدل 7.1 طبيب لكل 10 آلاف نسمة، ويتجاوز النقص القائم في القطاع الصحي 32 ألف طبيب.
وفي 17 سبتمبر/ أيلول الحالي، تقدّم فيه نواب حزب "العدالة والتنمية" المعارض، بطلب لتنظيم مهمة استطلاعية في المستشفيات الجامعية بهدف الوقوف على ظروف سير العمل وأوضاع الأطباء. مؤكدين في رسالة إلى لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب أن "واقعة الانتحار المؤسفة أثارت نقاشاً واسعاً في أوضاع الأطباء، وخصوصاً في المستشفيات الجامعية خلال اجتيازهم فترات تدريبهم وتكوينهم التطبيقي، التي تمر في بعض الأحيان بظروف صعبة من جراء الضغوط النفسية والابتزاز والاستغلال الذي يمارسه بحقهم بعض الرؤساء المباشرين، بالإضافة إلى مجموعة من السلوكيات المنتشرة في بعض هذه المؤسسات التي تؤثر سلباً بسمعتها وجودة الخدمات المقدمة فيها".
ويلفت النواب إلى أن "بعض السلوكيات المنتشرة في عدد من الأقسام داخل المستشفيات تؤثر سلباً بسمعتها وجودة الخدمات المقدمة فيها، سواء على مستوى تكوين طلاب الطب والتمريض أو الأطباء المتخصصين". ويرى هؤلاء أن واقعة الانتحار الأخيرة تفتح الباب أمام مناقشة المنظومة القانونية للتكوين الطبي، وتحديد الحقوق والواجبات لكل طرف من المتدربين والمؤطرين (المدربين)، وخصوصاً في أثناء فترات التكوين والتدريب في المستشفيات، الأمر الذي يطرح العديد من التحديات أمام الطلاب والأطباء المتدربين، باعتبارهم الحلقة الأضعف، وقد يعرضهم لكل أشكال الابتزاز والاحتقار والتحرش من طرف بعض الرؤساء".