كانت جاسي ستاتون، التي تقطن في ولاية أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأميركية، تعاني من آلام شديدة وغثيان، وكان الخوف يسيطر على كل ذرة في جسدها، أخبرها الأطباء في 2023 بأنها تعاني من حمل جزئي وأن الطفل القابع في جسدها لن يكون طفلا أبدا، وأن عدم التدخل الجراحي وإجراء عملية إجهاض يهدد حياتها، ويمكن أن يسبب العدوى والنزيف حتى الموت.
أخبرت إدارة المستشفى جاسي – رغم تأكيدها على خطورة الجنين على حياتها – بأنه لا يمكنها التدخل الجراحي بسبب قوانين الولاية التي تحظر الإجهاض. كانت غاضبة وهم يقولون لها – بحسب روايتها – إنه يجب أن "تتدهور حالتك أكثر حتى نتمكن قانونيا من مساعدتك، ولا يمكننا لمسك إلا إذا سقطت أمامنا أو شاهدنا الدماء تسيل من جسدك أو أصبت بأزمة قلبية"، وطالبوها بالجلوس في موقف السيارات القريب من المستشفى انتظارا لتدهور حالتها.
مسيرات ضد الإجهاض في واشنطن
منذ أيام قليلة في شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، وبالتزامن مع مسيرات داخل العاصمة واشنطن دي سي من أجل الحياة وضد الإجهاض، قالت الحكومة الأميركية إن المستشفى لم تنتهك القانون الفيدرالي عندما طالبت هذه المرأة بالانتظار في موقف السيارات لحين تدهور حالتها، وذلك بسبب حظر الإجهاض الصارم الذي جرى فرضه داخل الولاية منذ قرار المحكمة العليا الأميركية في 2022، والذي ألغى الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض وترك السلطة بيد الولايات.
ورغم تساقط الثلوج ودرجات الحرارة المنخفضة، فإن ذلك لم يمنع الآلاف من التوافد من مختلف الولايات للمشاركة في هذه المسيرة من أجل ما يصفونه بـ"الحق في الحياة"، محتفلين بالمكاسب التي تحققت خلال العامين الماضيين، ومطالبين بقرارات جديدة.
وألغت المحكمة العليا الأميركية الحكم التاريخي المعروف باسم "رو ضد وايد" الصادر منذ سبعينيات القرن الماضي، والذي جعل الإجهاض قانونيا في مختلف الولايات. وتسبب هذا الحكم في حالة من الجدل الكبيرة داخل الولايات المتحدة، خاصة أن استطلاعات الرأي تشير إلى مطالبة الأغلبية بحق الإجهاض.
قانون الإجهاض والسياسة
ويدين الجمهوريون عموما، والمسيحيون المتدينون تحديدا، بالفضل في حكم نقض حق الإجهاض إلى الرئيس دونالد ترامب، الذي عيّن في دورة واحدة 3 قضاة في المحكمة العليا من المحسوبين محافظين (عادة يعيّن الجمهوريون قضاة محافظين، بينما يعيّن الديمقراطيون قضاة ليبراليين)، وهو ما رفع عدد المحافظين إلى 6 من أصل 9، ما دفعهم إلى تراجع شامل عن سابقة قانونية للمحكمة بنقض "رو ضد وايد"، وهو ما وصف وقتها بأنه خطوة نادرة للغاية لم تحدث من قبل.
وتعد قضية الإجهاض إحدى أهم القضايا في الانتخابات المقبلة، حيث يطالب محافظون بحظر فيدرالي كامل، مع منع العقاقير وفرض قيود على التنقل بين الولايات من أجل الإجهاض، بينما يطالب ليبراليون بمسار يحفظ للمرأة حقها في اتخاذ قرارات تخص جسدها، وفرض قوانين تيسر على المرأة التنقل بين الولايات بحرية.
وتعبيرا عن مدى أهمية هذه القضية، أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الثلاثاء، حملته لانتخابات الرئاسة 2024، في تجمع من أجل حقوق الإجهاض احتفالا بالذكرى 51 لقضية "رو ضد وايد"، وتحدث عما وصفه بـ"الآثار المدمرة" لحكم المحكمة العليا في 2022، وحذر أنصاره من أن فوز ترامب بالانتخابات المقبلة يعني تقييد الحرية الإنجابية، والتي يقصد بها "خدمات ما قبل الولادة والولادة الآمنة، والحصول على وسائل منع الحمل، والوصول إلى الإجهاض القانوني والآمن".
يدين الجمهوريون عموماً والمسيحيون المتدينون تحديداً، بالفضل في حكم نقض حق الإجهاض إلى الرئيس دونالد ترامب
فيما انتقدت كمالا هاريس، نائبة الرئيس، من وصفتهم بـ"المتطرفين الجمهوريين" وترامب، وقالت: "لقد عيّن الرئيس السابق 3 قضاة في المحكمة العليا لأنه كان ينوي إسقاط حق الإجهاض.. كان ينوي أخذ حرياتهم"، كما أعلنت إطلاق جولتها تحت عنوان "الكفاح من أجل الحريات الإنجابية".
وتستهدف حملة الرئيس جو بايدن خروج النساء للتصويت له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، للدفاع عن حقوق الإجهاض، خاصة أن الانتخابات الأخيرة كشفت عن حصوله على نسبة أصوات نساء أقل من نسبة الأصوات التي حصلت عليها هيلاري كلينتون خلال ترشحها أمام ترامب في 2016.
ترامب يفاخر بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض
ويفاخر الرئيس السابق دونالد ترامب بدوره في إلغاء الحق الدستوري في الإجهاض ويصفه بأنه "معجزة"، لكنه في الوقت ذاته طالب في أحد مؤتمراته الصحافية الجمهوريين في يناير الجاري بأنه "يجب السماح به في حال وجود خطر يهدد حياة المرأة أو حمل السفاح أو الاغتصاب"، وقال: "يجب التوافق حول ذلك من أجل الفوز في الانتخابات، وإلا فإنكم ستعودون من حيث جئتم"، كما انتقد حاكم فلوريدا بسبب إقراره مدة الـ6 أسابيع الذي تحاول الولايات الجمهورية منع إجراء الإجهاض بعدها نهائيا، وتعد هذه التصريحات الحديثة نسبيا مفاجئة للكثيرين.
وكان استطلاع رأى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لشبكة "سي بي إس نيوز" قد أشار إلى أن 57% من الأميركيين يرون أن الإجهاض يجب أن يكون قانونيا في جميع الحالات أو معظمها، كما أن معظم استطلاعات الرأي منذ السبعينيات حتى اليوم تشير إلى تأييد الأغلبية حق المرأة في الإجهاض.
وكان بايدن قد حصل على أصوات 54% من النساء في الانتخابات الرئاسية الماضية مقابل 44% لترامب، الذي كان قد حصل في 2016 على 39% فقط من أصوات النساء.
ومنذ حكم المحكمة العليا بأحقية الولايات في اتخاذ قراراتها في ما يخص الإجهاض، تطبق نحو 14 ولاية حظرا على الإجهاض في جميع مراحل الحمل مع استثناءات محدودة للغاية، بينما تختلف المدد في نحو 28 ولاية أخرى فرضت قيودا على الإجهاض، بعضها يحظر الإجهاض بعد 6 أسابيع، وبعضها بعد 12 أسبوعا أو 15 أسبوعا، فيما تلتزم نحو 12 ولاية بالمدة التي كان قد حددها حكم المحكمة العليا في 1973 بمدة 24 أسبوعا، في حين تسمح 8 ولايات، بالإضافة لمقاطعة كولومبيا، التي يطلق عليها اسم العاصمة واشنطن دي سي، بالإجهاض دون قيود في جميع المراحل.