ليس تسرّب المياه العادمة من مناهل (أغطية) الصرف الصحي في المخيمات في قطاع غزة بالمشكلة الحديثة، إلا أنها تتفاقم عاماً بعد عام، في ظلّ ضعف البنية التحتية للمخيمات الثمانية الأكبر في قطاع غزة. وتعد المشكلة أكبر في مخيم الشاطئ، لوقوعه غرب مدينة غزة على شاطئ البحر.
وفي كل شتاء، تطفو مياه الصرف الصحي مع مياه الأمطار في المخيمات، وخصوصاً في مخيم الشاطئ. وفي بعض الأحيان، يعمد الناس إلى فتح المناهل خشية أن تتدفق المياه بقوة مرة واحدة وتحدث مشكلة في الشارع. لكن في كل الأحوال، يعيش المواطنون يوميات صعبة وسط الروائح الكريهة والخوف من الأسوأ.
وفي منطقة الشمالي في مخيم الشاطئ، أقبل أحمد زيدان (43 عاماً) على فتح المنهل المقابل لمنزله بعدما تسربت المياه إلى داخل بيته، ما اضطره إلى وضع أكياس رملية كبيرة لإنشاء مجرى لمياه الصرف الصحي والأمطار إلى شاطئ البحر. إلا أن الأهالي عانوا من الرائحة الكريهة.
ويقول زيدان لـ "العربي الجديد": "المشكلة قائمة منذ سنوات، لكنها تفاقمت خلال العامين الماضيين بشكل كبير في ظل وجود بنية تحتية ضعيفة جداً في المخيم". من جهة أخرى، يلفت إلى أن "السيارات تعيق السير في المخيم. أبنائي مثلاً، ولدى توجههم إلى المدارس، يقضون وقتاً طويلاً في القفز بين الأحجار وسط الروائح الكريهة"، لافتاً إلى أن الوضع لا يتحسن أبداً.
وتُؤثر مياه الأمطار والصرف الصحي على البنى التحتية في مخيمات غزة، وتعيق حركة سير السيارات والشاحنات. كما تضررت العديد من المركبات التي تدخل في شوارع المخيم الرئيسية.
ويحاول الكثير من سكان مخيم الشاطئ تفادي مياه الصرف الصحي. لكن في منطقة المؤن على مقربة من مركز توزيع المساعدات الغذائية التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تطفو مياه الصرف الصحي في كل عام على مقربة من منزل فايز حمامة (50 عاماً). ولم يستجب عناصر الدفاع المدني لمناشدات العائلة، إذ ما من حل غير إعادة بناء الشارع بالكامل. علماً أن الأهالي فقراء ولا يستطيعون جمع الأموال وإعادة البناء.
ويقول حمامة لـ "العربي الجديد": "أنا وآخرون من سكان المخيم نعيش بصفة لاجئين. وللأسف، فإن البنى التحتية ضعيفة، الأمر الذي يؤثر علينا بشكل كبير. لا يمكننا فتح أبواب منازلنا بسبب مياه الصرف الصحي التي تطفو في الأحياء وتؤدي إلى انتشار روائح كريهة عدا عن الحشرات والقوارض. لكن لا أحد يغير حالنا. أصبحنا نكره الشتاء".
ولا يختلف الواقع في مخيم جباليا كثيراً، بعدما اختلطت مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي وأغرقت بعض المنازل، وأدت إلى تدمير بعض الأحياء الصغيرة في المخيم. وأصبح الحي الذي يقطنه رأفت المدهون مدمراً بالكامل بسبب المنهل الذي طاف، والذي أدى إلى تدمير البنية التحتية وتسرب المياه حتى أزيلت حجارة الشارع بالكامل".
ودخلت المياه العادمة معظم بيوت الشارع الذي يقطنه المدهون، الأمر الذي أدى إلى تخريب الأثاث. ولم يكن ممكنا انتظار أن تجف المياه. ويشير إلى أن الكثافة السكانية داخل المخيمات وضعف البنى التحتية وشبكات مياه الصرف الصحي كلها عوامل تؤدي إلى تكرر هذه المأساة عاماً بعد عام.
ويقول المدهون لـ "العربي الجديد": "اعتدنا على رائحة مياه الصرف الصحي"، لافتاً إلى أنه لا يوجد أي حلول في الوقت الراهن. يضيف أن البيوت داخل المخيمات متلاصقة. وكلما زاد أعداد الأطفال في الشوارع زادت الكوارث علينا. ويوضح أن مناهل المخيم تكون مفتوحة شتاء وتصدر روائح كريهة وتؤدي إلى تعطيل حركة السير.
ويرى الكثير من الغزيين أن مناهل الصرف الصحي هي عبارة عن قنابل خامدة تنفجر قليلاً كل شتاء. ففي المنطقة القريبة من مخيم جباليا، وتحديداً في منطقة بئر النعجة وهي من المناطق التي تفتقد الكثير من المقومات والبنى التحتية الجيدة، انفجرت شبكات مياه الصرف الصحي في باطن الأرض.
وساهم الحصار والحروب الإسرائيلية في زيادة معدلات تلوث مياه غزة، من خلال تدمير البنى التحتية، ومنع إدخال المعدات لصيانة شبكات المياه المتهالكة، ومحطات معالجة المياه العادمة، بالإضافة إلى عدم السماح بإنشاء محطات جديدة.
وتغطي شبكات الصرف الصحي نحو 60 في المائة فقط من المساكن في قطاع غزة، ويعتمد 40 في المائة على الحفر الامتصاصية التي ترشح إلى المياه الجوفية. وتذهب نحو 80 في المائة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البحر، بما يزيد على 120 ألف متر مكعب يومياً، يتسرب نحو 20 في المائة منها إلى خزان المياه الجوفي. وتفوق مستويات تصريف مياه الصرف الصحي في بحر غزة ضعفي المستويات الموصى بها عالمياً.