أزمة ثقة بين الأزواج الصينيين تفرض عقوداً باشتراطات مسبقة

31 اغسطس 2024
ثنائي حديث الزواج في الصين، 10 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **انتشار عقود ما قبل الزواج في الصين**: أصبحت شائعة لضمان حقوق الزوجين، خاصةً النساء، وتشمل تقسيم الواجبات المنزلية، ساعات العمل، المساعدة الخارجية، استكمال الدراسة، وضمانات مالية في حالة الطلاق.

- **تجارب وآراء متباينة**: 62% من الشباب يعتزمون التوقيع على هذه العقود لضمان حقوقهم، لكن الآراء متباينة؛ البعض يراها ضمانة، وآخرون يرونها مؤشراً على انعدام الثقة.

- **أزمة ثقة وتأثيرات اجتماعية**: تعكس أزمة ثقة بين الأزواج، الاستقلال المادي المتزايد للمرأة، ووعيها بحقوقها، مع تحديات قانونية في التنفيذ.

يختار بعض الصينيين التوقيع على عقود تتضمن مجموعة من الشروط ما قبل الزواج، في محاولة لضمان حقوقهم، الأمر الذي قد يشير إلى وجود أزمة ثقة بين الأزواج في البلاد.

باتت عقود أو اتفاقيات ما قبل الزواج لحماية الحقوق ظاهرة منتشرة بشكل كبير في المجتمع الصيني، بسبب أعباء الأعمال المنزلية والولادة ورعاية الأطفال التي تتحملها النساء المتزوجات من دون أي إعانة من الزوج في مجتمع ذكوري، الأمر الذي يجعلهن يسعين للحصول على ضمانات تعاقدية مع الشريك قبل تسجيل الزواج بصورة رسمية، لتقسيم الواجبات المنزلية والاتفاق على ساعات العمل وإمكانية إحضار مدبرة منزل أو الحصول على مساعدة من والدة الزوج أو الزوجة. وفي حال كانت الزوجة لا تزال طالبة، فإنها تريد ضمانات من أجل استكمال دراستها، وخصوصاً أن مجرد الوعود الشفهية من الشريك قبل الزواج لا تشكل ضمانة. وعادة ما يكون عدم الإيفاء بالعهد سبباً في الطلاق. لذلك، يمثل العقد ضمانة للزوجة كي لا تجبر على ما لا تطيقه بعد الزواج والإنجاب.
وبحسب استطلاع حديث أجرته منصة ويبو الصينية، فإن 62% من الشباب الذين استُطلعت آراؤهم أبدوا اعتزامهم التوقيع على اتفاقية ما قبل الزواج لضمان حقوقهم. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، استعرض أزواجٌ تجاربهم الخاصة وقدموا نصائحهم للشباب حول كيفية كتابة هذه العقود بصورة محكمة بما يحفظ حقوقهم ومصالحهم. وبحسب نتائج الاستطلاع، فإنه على الرغم من الإقبال الكبير على اتفاقيات ما قبل الزواج بين الشباب وخصوصاً في المناطق الحضرية، فإن معدل الشباب الذين يقبلون بهذه الاشتراطات أقل بكثير في الريف. ويعتبر الأزواج هناك هذه العقود مؤشراً على انعدام الثقة بين من يفترض أن يكونوا شركاء مدى الحياة.

ضمان الحقوق

شين شين (28 عاماً) موظفة في شركة تكنولوجية في مدينة شينزن جنوب البلاد، تحدثت لـ "العربي الجديد" عن تجربتها حيال التوقيع على اتفاقية ما قبل الزواج. وتقول: "تزوجت قبل أربع سنوات زواجاً تقليدياً عن طريق الأهل والأقرباء، ولم أكن على علاقة بزوجي من قبل ولا أعرف عنه الكثير، وهو كذلك. ولم يتح لي انشغالي بالوظيفة الفرصة لأغرم بشاب يمكن أن أتزوجه في المستقبل. لذلك، حين اتخذت قراراً بالزواج تحدثت مع شريكي حول بعض الشروط، مثل: المهام المنزلية، والإنفاق بالتساوي في حياتنا المعيشية، وعدم الرغبة بإنجاب طفل خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج، والإبقاء على ملكيتي لأصولي الخاصة بعد الزواج، والحصول على نفقة شهرية عند الطلاق في حال إنجاب أطفال. ولكن حين لمست بعض التردد والاستهتار بحديثي حول هذا الأمر، أصررت على أن أدرج هذه البنود في وثيقة وأن تكون شرطاً للزواج، وهذا ما تم بالفعل". تضيف: "بالنسبة لي الأمر مرتبط بضمان حقوقي بصفتي امرأة منتجة مستقلة مادياً، وخصوصاً أنني لم أكن على سابق معرفة بزوجي، فكان لا بد من اللجوء إلى هذه الطريقة لتجنب أي مغامرة في المستقبل".

بعض الأزواج يولون أهمية كبيرة للمسائل المالية، 22 إبريل 2024 (كيفين فراير/ Getty)
بعض الأزواج يولون أهمية كبيرة للمسائل المالية، 22 إبريل 2024 (كيفين فراير/ Getty)

في المقابل، عارض أزواج آخرون اتفاقيات ما قبل الزواج. وكتب أحدهم على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي: "إذا لم تكن هناك ثقة، فلماذا تتزوج أصلاً؟"، فيما كتب آخر: "من يحبك حقاً لن يضع كل هذه الشروط، فالعلاقة التي تحكمها شروط مسبقة يمكن أن تتوتر بسهولة وتنتهي بالطلاق". وقال آخرون إنه لا توجد وصفة سحرية لحماية الأزواج من غدر الزمان، وأن الطريقة الوحيدة للمضي قدماً في العلاقة هي أن يُظهِر الزوجان التفاهم المتبادل والإخلاص.

أزمة ثقة

في تعليقها على هذه الظاهرة، تقول المستشارة القانونية في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، لي وانغ، لـ "العربي الجديد"، إن إقبال الشباب على اتفاقيات ما قبل الزواج يشير إلى أزمة ثقة بين الأزواج داخل المجتمع الصيني الذي تأثر بطبيعة الحال بالتحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة في مجال التطور الصناعي والاقتصادي. من جهة أخرى، يعكس الاستقلال المادي المتزايد للمرأة والوعي بحقوقها في مجتمع يقدّس الرجل، ما يدفع المزيد من النساء إلى السعي لاتفاقيات تحمي حقوقهن. تضيف أن ارتفاع معدلات الطلاق أيضاً أدى إلى زيادة الوعي بالمخاطر الاقتصادية والسلامة الموجودة في الزواج، وشجع المزيد من الأزواج على طلب الحماية.

وحول بنود هذه الاتفاقيات، توضح أن الأزواج يولون أهمية كبيرة للمسائل المالية والشؤون الحياتية، مثل شروط تقاسم الواجبات المنزلية، والمسؤولية تجاه رعاية الوالدين، واتخاذ القرارات بشأن إنجاب الأطفال وتربيتهم، وهناك بنود مرتبطة بحظر الخيانة الزوجية والعنف الأسري، وإدراج تدابير عقابية في حالة الخيانة الزوجية. على سبيل المثال، تخسر الزوجة 50% من ملكية الأصول إذا كانت غير مخلصة، ويخسر زوجها جميع حقوق الملكية لنفس السبب. وتلفت إلى أن أغلب الأشخاص الذين يوقعون على اتفاقيات ما قبل الزواج هم من أصحاب الدخل المرتفع والخلفيات التعليمية الجيدة، وأن هذه الاتفاقيات تبرز أكثر في الزيجات التي يكون فيها فارق السن كبيراً بين الشريكين، أو في الزيجات الثانية أي حين يكون أحد الزوجين مطلقاً.
كما تشير وانغ إلى بعض المشاكل القانونية التي تواجه هذا النوع من العقود، قائلة إن البنود المتعلقة بمجالات عاطفية وأخلاقية لا تكون قابلة للتنفيذ بموجب قانون الزواج الصيني، كما أن تعريف وإثبات الخيانة الزوجية أو العنف الأسري، وتقسيم الأصول في الطلاق أمور معقد للغاية. على سبيل المثال، قد يؤدي إثبات الخيانة الزوجية إلى محاولات للقبض على الشريك متلبساً، وهو ما قد ينطوي على انتهاك الخصوصية للطرف الآخر، وقد تتفاقم النزاعات الزوجية في هذه الحالة إلى قضايا جنائية.

المساهمون