تجد الدنمارك نفسها مجدداً تحت وطأة أزمة الجفاف الناتجة من انحباس الأمطار منذ 24 مايو/ أيار الماضي. ودفع انخفاض منسوب المياه في المجاري، وانتشار العشب الأصفر وعطش المحاصيل الزراعية إلى الأمطار سلطات رصد الجفاف في البلد الأوروبي الشمالي إلى رفع مؤشر الظاهرة الطبيعية إلى 9.7 على مقياس من 10 درجات كحدّ أقصى، وأيضاً تحديد مؤشر غياب امتصاص النباتات للمياه الجوفية بمستوى 10 الأعلى.
والسبت الماضي، أكد عالم المناخ في معهد الأرصاد بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، مايكل شارلينغ، في تصريحات تلفزيونية أدلى بها، أنّ "من غير المعتاد أن تعاني الدنمارك من الجفاف الشديد في مثل هذه الأوقات من السنة، وغياب الأمطار أمر مقلق للغاية، علماً أنها المرة الثالثة فقط التي يُسجل فيها هذا المستوى من الجفاف خلال السنوات العشرين الماضية".
وسبق أن عانت الدنمارك من نقص في مياه الأمطار في عامي 2018 و2020، ما سبّب موت مئات من أشجار الغابات، وجفاف العديد من البحيرات، وانخفاض المحاصيل الزراعية.
بدوره اعتبر أستاذ فيزياء المناخ والتغيّر المناخي في جامعة كوبنهاغن، ينس هيسيلبيرج كريستنسن، أن "الجفاف الذي تعاني منه الدنمارك في أوائل الصيف يعكس التغيّرات المناخية العالمية، علماً أن إجمالي كميات الأمطار لم تتجاوز 14 ملليمتراً في مايو/ أيار، وهي أقل من المعدلات المتوسطة التي سجلت في السنوات العشر الماضية، والمقدرة بنحو 47.4 ملليمتراً". ويرتبط هذا الأمر في شكل وثيق بالتغيّرات المناخية، وارتفاع حرارة الأرض، وأنا مقتنع بأن هذه التغيّرات ستحتم مواجهة بلدنا الأسوأ في المستقبل".
ويرى خبراء دنماركيون في قضايا المناخ أن دول العالم التي اتفقت في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 على تخفيض درجة حرارة الأرض، "يجب أن تفعل الكثير لتطبيق التزاماتها، ما يشير إلى مخاوف جدية من أن يصبح الجفاف أكثر انتشاراً وشيوعاً في المستقبل".
ومن أجل مواجهة كوارث الجفاف، وفي مقدمها اندلاع الحرائق، ناشدت السلطات الدنماركية المواطنين عدم إشعال نار الشواء، مؤكدة أن "مخاطر حرائق الغابات زادت أكثر بكثير مقارنة بالسنوات الماضية".
واللافت أن انتشار الجفاف لم يترافق مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، فهي ما زالت تتمحور في المتوسط حول عشرين درجة مئوية. لكن ذلك لا يمنع أجهزة الإنقاذ في البلديات من التركيز على رصد احتمال اندلاع حرائق في المناطق البرية، وتكثيف جهودها لتوعية المواطنين بهذا الأمر"، بحسب ما ذكر رئيس خدمة الطوارئ بيارنه نيغورد.
لكن ليست الحرائق وحدها ما يقلق الدنماركيين الذين تابعوا أخيراً وصول آثار الحرائق المندلعة منذ أسابيع في كندا إلى النرويج المجاورة لبلدهم، في وقت يلاحظون انتشار الجفاف في عز الموسم الزراعي، وعدم سقوط قطرة ماء واحدة منذ 24 مايو/ أيار الماضي، ما شكل ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
وأطلقت تحذيرات في الدنمارك من أن تأثر كوكب الأرض عموماً بانحباس الأمطار سيرفع أسعار الكثير من المنتجات الزراعية التي ستتضرر محاصيلها كثيراً هذا العام، ما سيؤثر في المستهلكين الذين سيكون عليهم تحمّل المزيد من الأعباء الاقتصادية، التي تضاف إلى ارتفاع معدلات التضخم، وتدني القدرة الشرائية.
وكانت بعض أسعار المنتجات الزراعية قد ارتفعت بنسبة مائة في المائة عام 2018، بحسب ما يقول رئيس جمعية مزارعي البيوت البلاستيكية، كلاس كايزر.
وتتمثل المشكلة الأخرى في أن السلطات الدنماركية ستضطر إلى تعويض الخسائر الكبيرة التي تعرّض لها آلاف المزارعين وأصحاب المشاريع الكبيرة في قطاعات الإنتاج بسبب انحباس الأمطار، علماً أن وزارة الغذاء أكدت للمزارعين أن المسألة موضوعة للنقاش على جداول أعمال مسؤولي الحكومة والمشرعين، في محاولة لقطع الطريق أمام مواجهة احتجاجات العاملين في القطاع الحيوي بالبلد.
وفي نهاية المطاف، يبدو واضحاً أن آثار التغيّر المناخي في العالم لا تنحصر في منطقة محددة، فالجفاف يسبب اشتعال حرائق تسبب تأثيرات كارثية أخرى تشمل مستويات المياه الجوفية والأنهار والبحيرات. وفي مواجهة تفاقم مشكلة الجفاف في الدنمارك، وجهت السلطات نداءات طالبت المواطنين بعدم الإفراط في استخدام المياه في ريّ حدائقهم. وحرصت على تذكيرهم بأن خراطيم الري المنزلي تستخدم 12 ليتراً في الدقيقة الواحدة، بينما لا يجد هؤلاء المواطنون بدائل مناسبة لمواجهة الجفاف وإنقاذ ما تحويه حدائقهم، بعدما بدأت الأرض تتشقق من العطش إلى المياه.