يقتنص النظام السوري الفرص دائماً للتضييق على المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها، عبر أذرع الفساد التي يحتضنها وتمتد إلى كل المؤسسات، حتى تلك الإنسانية، بهدف جلب مكاسب لفئات معينة موالية له، ما يحرم الطبقات الضعيفة من المساعدات الإنسانية التي تدخلها الأمم المتحدة مباشرة إلى مناطق سيطرته.
في ريف حمص الشمالي توقفت المساعدات التي كانت تصل عن طريق برامج أممية أو منظمات محلية بعدما شكلت هدفاً لقصف النظام، وهو يتحكم وحده اليوم بوصولها ويقرر من يحصل عليها.
يقول خضر الأحمد، من أبناء ريف حمص الشمالي، لـ"العربي الجديد": "تصل المساعدات المخصصة لريف حمص الشمالي شهرياً، لكنها لا توزع على السكان ضمن الفترة ذاتها، بل على أشخاص فقط مع عدم الالتزام بالكميات المخصصة المقدمة، كما لا توزع مواد كثيرة غير غذائية بعدالة، منها المنظفات والفرش. والوحدات الأمنية التي تنتشر في المنطقة تتدخل في الحصص وتتلاعب بكمياتها وآليات توزيعها، كما يخضع الهلال الأحمر السوري لمحسوبيات تتعمد التلاعب بالأسماء، وعلى سبيل المثال تضاف أسماء في بلدات تضم ألفي أسرة، ويجري استغلال الحصص الزائدة".
ويلفت الأحمد إلى أن قسماً من المساعدات يوضع في مستودعات للهلال الأحمر، والباقي باسمه في مستودعات أخرى ويتم توزيع الحصص على عائلات الضباط وجنود النظام تحديداً.
وتؤكد تقارير ميدانية عدة سطوة النظام وتلاعبه بالمساعدات الإنسانية، واستغلالها لدعم فئات معينة، بينها مقربون منه وعائلات قتلى في قواته وأشخاص يتمتعون بنفوذ في مناطق سيطرته، ويحصل كل ذلك على حساب السكان المستضعفين.
ولا يختلف الوضع في دمشق عنه في ريف حمص الشمالي، فإلى جانب التلاعب بتوزيع المساعدات الإنسانية، تنفذ عمليات توزيع غير أخلاقية، كما يقول طريف سلوم، المطلع على آليات التوزيع في العاصمة، لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن "الفكرة الأساس تتمثل في إعطاء المساعدات في شكل صحيح، استناداً إلى معايير توزيع تنطبق على جميع السوريين. لكن المشكلة ليست وصول المساعدات بل تراجع كمياتها الكبير، في وقت نتحدث عن حاجة 80 في المائة من الشعب السوري لهذه المساعدات. أما المشكلة الإضافية فهي آليات التوزيع السيئة في مراكز توزيع المساعدات، وفي مقدمها تلك التابعة للهلال الأحمر، حيث لا تطبق آليات مناسبة لحفظ كرامة الناس الذين يحصلون على كميات قليلة جداً، وربما كل ثلاثة أشهر، والمحسوبيات الكثيرة والكميات المحدودة تفرض الاتصال بأشخاص واستثناء آخرين، كما أن قوائم بيانات التوزيع سيئة وقديمة ولا يجري تحديثها، ما يربك العملية"، يتابع: "تجبر الاحتياجات الاقتصادية والمادية تخلي عائلات عن جزء من المساعدات، ما يخلق مشكلة الاتجار بالمساعدات، ليس بدافع الترف، بل بسبب ضيق الحال".
ويوضح سلوم أن "جمعيات خيرية مثل جمعية حفظ النعمة وجمعية البر توزع سلال إغاثة، وتحذو حذوها أخرى، لكن ليس بانتظام، بل بحسب المبادرات والهبات التي تتلاقها. أما توزيع مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فيتولاه الهلال الأحمر ولجان عليا للإغاثة جرى تشكيلها في المحافظات. كما تلعب الكنائس دوراً في توزيع السلال".
ويعرض الناشط حسام الجبلاوي مثلا لآلية تعاطي النظام مع المساعدات الأممية، ويقول لـ"العربي الجديد": "أعلن النظام أخيراً عن مشروع لترميم منازل في منطقة قسطل معاف بريف اللاذقية بالتعاون مع مجلس المحافظة ومنظمة الإسعاف الأولي الدولية، والذي ستستفيد منه فعلياً عائلات قتلى من قواته أدرجوا ضمن ما يسمى عائلات محتاجة وفقيرة يوزع عليها الهلال الأحمر مساعدات منذ عام 2017".
ويوضح تقرير أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعنوان "إنقاذ المساعدات في سورية" في 14 فبراير/ شباط 2022، أن النظام السوري تلاعب بالمساعدات الإنسانية طوال سنوات، من خلال الإصرار على توزيع المساعدات الأممية عبر الهلال الأحمر، ما سمح لحكومته بتوزيع المساعدات بعيداً عن رقابة ونظر مؤسسات الأمم المتحدة، علماً أنها المرة الأولى التي تسمح فيها الأمم المتحدة بتدخل الحكومة في توزيع المساعدات".
ويشدد التقرير على أن "الأمم المتحدة وثقت تلاعب النظام بالمساعدات الإنسانية عام 2016، وأن مكتبها للشؤون الإنسانية (أوتشا) ربط التلاعب بافتقاد التحليل والتقييم المناسبين للاحتياجات". وقد استند التقرير إلى مقابلات أجريت مع أكثر من 130 من مسؤولي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة والمفاوضين والدبلوماسيين والعاملين في مجال الاستجابة الإنسانية.