أحلام خضير... فلسطينية لا تعرف المستحيل

25 سبتمبر 2022
تعد أحلام خضير من أبرز الناشطات النسويات في فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن غريباً أن تعود الفلسطينية أحلام خضير (53 سنة) إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع 39 عاما، فهي سيدة لا تعرف الاستسلام، وتحرص على تحقيق كل أحلامها رغم المعوقات.
ولدت أحلام في بلدة جماعين جنوب مدينة نابلس، لعائلة بسيطة تحب الحياة، وكان والدها يعمل بالأجرة لدى الآخرين، مرة في الزراعة، وأخرى في المحاجر، إذ تشتهر البلدة بانتشار مقالع الأحجار، وكانت أمها تعمل في حياكة الثياب لمساعدة زوجها في تنشئة ثلاث فتيات وصبي وحيد هو أصغرهم.
في عام 1983، اضطرت إلى التوقف عن الدراسة في مرحلة ما قبل الثانوية لتتعلم الخياطة على يد والدتها، ثم انخرطت تدريجياً في مجتمعها لتصبح عضواً في بلدية جماعين، وإحدى أبرز الناشطات النسويات في الضفة الغربية المحتلة.
تقول أحلام لـ"العربي الجديد": "تركت الدراسة بسبب عدم وجود مدرسة ثانوية للإناث وقتها. كنت فتاة خجولة، وكانت الدراسة الثانوية مختلطة، ورغم إلحاح والدي الذي كان يطمح أن يراني في الجامعة ولو كلفه ذلك كل ما يملك، لم أستجب له".
أتقنت الخياطة خلال فترة وجيزة، ثم علمت بخطة مؤسسة "الإغاثة الزراعية" لتدريب فتيات قرية جماعين، قبل أن تتحول إلى بلدة، على تصميم الأزياء. تقول: "كان ذلك في بداية التسعينيات. لم يحضر إلى قاعة التدريب إلا عدد قليل من النساء، وكنت إحداهن، فوقتها لم يكن سهلاً على المرأة مغادرة منزلها، لكن إصراري على إثبات ذاتي وخدمة أسرتي ومجتمعي كان أقوى من الظروف". 
بعد أن أنهت شقيقتاها دراستهما الجامعية، وانخرطتا في وظائف إدارية، تحسنت ظروف الأسرة المادية، لتنتقل للسكن في بيت أوسع، وزراعة أرض تابعة لها، ثم بناء حظيرة لتربية الأبقار.
استفادت أحلام من الدورات والبرامج التطوعية، وراحت تجوب الضفة الغربية لدعم النساء، وتعزيز دورهن في كل المجالات، وعملت مع العديد من المؤسسات مدربة للأشغال اليدوية، ومتحدثة في ورش العمل واللقاءات الخاصة بقضايا عدة أبرزها العنف ضد المرأة.
في عام 1998، أسست احلام خضير مع مجموعة من نساء البلدة "نادي جماعين النسوي"، وأصبحت عضواً فاعلاً في الهيئة التأسيسية لجمعية التوفير والتسليف النسوية، وعضو مجلس إدارتها الأول في عام 2001، ثم عضو مجلس الإدارة ونائبة الرئيس في جمعية تنمية المرأة الريفية، ورئيسة مجلس إدارة اتحاد الشباب الفلسطيني لفترتين، فضلاً عن عضويتها الفاعلة في مجلس إدارة جمعية الإغاثة الزراعية.
النقلة النوعية تمثلت في فوزها بعضوية المجلس البلدي عام 2012، والذي ساهم في تمكينها، وتعزيز شخصيتها القيادية، وانفتاحها على عالم جديد، إذ باتت تلتقي مع المسؤولين وصناع القرار.
تقول خضير: "لم يكن كل ذلك ممكنا لولا فضل الله أولاً، ثم خدمتي لمجتمعي وأبناء بلدتي من دون تمييز، ودعمي المطلق للنساء في كل خطواتهن، فكان رد الجميل أن أوصلني الجميع إلى عضوية المجلس البلدي".

الصورة
الناشطة النسوية الفلسطينية أحلام خضير مع والدتها (العربي الجديد)
قررت التخلي عن عضوية المجلس البلدي لرعاية والدتها (العربي الجديد)

خلال جائحة كورونا، قررت أحلام إعادة ترتيب أولوياتها، فتقدمت إلى امتحان إعادة التأهيل الذي تنظمه وزارة التربية والتعليم للمنقطعين عن الدراسة. تقول: "نجحت في الامتحان، ما أهلني للثانوية العامة. عدت بعد نحو أربعين عاماً إلى الدراسة. اخترت الفرع الأدبي، وتقدمت للامتحانات النهائية، لكن الحظ لم يحالفني".
تضيف: "لم يكن سهلاً أن أدرس الرياضيات والتكنولوجيا، فهي تحوي مضامين تختلف تماماً عن تلك التي درستها في السبعينيات، وقتها لم يكن هناك أصلاً مادة تكنولوجيا. لم أوفق بالنجاح، لكنني تقدمت للامتحان التكميلي في المواد التي رسبت بها. اجتهدت وسهرت، وفي يوم النتائج تلقيت اتصالاً من صديقة تبلغني بأن اسمي بين الناجحين".
تنظر إلى الكتب المدرسية الموضوعة على منضدة قريبة، وتتابع: "كنت أبكي من الفرحة بعد ظهور النتيجة، وجهزت الأوراق المطلوبة وسجلت للدراسة في جامعة القدس المفتوحة عبر نظام التعليم عن بعد. المرأة قادرة على التغيير، وعلى النساء عدم التنازل عن أحلامهن مهما كانت التحديات والعقبات".

ورغم انشغالها لم تهمل الزراعة، تقول: "لا نشتري شيئاً تقريباً، فنحن نزرع البندورة والخيار والحبوب بأنواعها، والبطيخ والشمام والعنب والتين، وأقضي أجمل ساعات يومي في جني الثمار وتنظيف الأرض من الحشائش. الزراعة كنز، ولما هجرناها بتنا نستورد كل شيء، ففقدنا مقومات الحياة الكريمة".
مع إصرار أحلام على نيل الشهادة الجامعية، قررت أنها بحاجة إلى تركيز جهودها على هذه المهمة، فاعتذرت عن مواصلة نشاطاتها المجتمعية، ولم تترشح لعضوية المجلس البلدي في الانتخابات التي جرت قبل أشهر، فضلاً عن كونها تريد التفرغ لرعاية والدتها المسنة التي شارفت على الثمانين.

المساهمون