آلاف الطلاب العرب عالقون في أوكرانيا وصعوبات تعترض عودتهم إلى بلدانهم

27 فبراير 2022
المغاربة والمصريون يشكلون المكوّنَين الأساسيَّين للطلاب العرب بأوكرانيا(ماركوس يام/ Getty)
+ الخط -

يجد أكثر من عشرة آلاف طالب عربي، من بينهم أعداد كبيرة من المغاربة والمصريين، أنفسهم عالقين في أوكرانيا وسط الغزو الروسي، فيما تطرح إعادتهم إلى أوطانهم معضلة لحكوماتهم التي يفتقر بعضها إلى تمثيل دبلوماسي في كييف.

ويقصد طلاب من دول عربية عدّة أوكرانيا سنوياً لمتابعة تحصيلهم الجامعي، خصوصاً في اختصاصَي الطب والهندسة، نظراً إلى سهولة الحصول على تأشيرات دخول إلى هذا البلد. ويشكّل المغاربة مع المصريين المكوّنَين الأساسيَّين للطلاب العرب هناك.

أمام مقرّ وزارة الخارجية في الرباط، تجمّعت عائلات عدّة، أوّل من أمس الجمعة، مبدية قلقها إزاء مصير أبنائها. فنحو 12 ألف مغربي، من بينهم ثمانية آلاف طالب، يعيشون في أوكرانيا التي غادرها ثلاثة آلاف منهم، لا سيّما في رحلات جوية خاصة، وفق وزارة الخارجية المغربية.

نسيمة أقتيد (20 عاماً) من بين الطلاب المغاربة في أوكرانيا، وهي تتابع دراستها في اختصاص الصيدلة. هي لم تجد وسيلة للخروج من مدينة خاركيف في شمال شرق البلاد، التي تُعَدّ ثاني أكبر مدن أوكرانيا، وحيث دارت الأحد معارك في الشوارع بين قوات كييف وموسكو فيما لازم السكان منازلهم. وتقول نسيمة لوكالة "فرانس برس": "فكّرت في مغادرة المدينة لكنّ الأمر مستحيل، فالحدود الأقرب إلينا هي الحدود مع روسيا" التي دخلت قواتها المدينة ليلاً.

وفي جنوب أوكرانيا، تمكّنت طالبة طبّ الأسنان المغربية رانيا عوكرفي (23 عاماً) من مغادرة مدينة زابوريجيا إلى مولدافيا، الخميس الماضي، بعد وقت قصير من بدء الهجوم الروسي. وتنتقد الطالبة، التي تقول إنّها عاينت "مشاهد مؤلمة" وأماكن مسالمة "تشوّهت بين ليلة وضحاها"، غياب السفارة المغربية التي "لا تساعد. نحن نحاول الاتصال ولا من يجيب".

وإذا كان الحظ حالف رانيا، إلا أنّ محاولات الطالب اللبناني سمير عطا الله (25 عاماً) لمغادرة أوكرانيا لم تثمر بعد، شأنه شأن نحو 750 طالباً لبنانياً عالقين في مدن أوكرانية عدّة من إجمالي 1300 كانوا موجودين في البلاد قبل بدء الأزمة.

وفي رسائل صوتية عبر تطبيق "واتساب" قبل وقت قصير من مغادرة خاركيف إلى مدينة أخرى، يقول سمير لـ"فرانس برس": "تركت لبنان قبل شهر ونصف شهر من جرّاء الانهيار" الاقتصادي، مضيفاً "وقد ادّخرت مالاً وبعت سيارتي من أجل الدراسة هنا. وبدأت الحرب".

ويتابع سمير: "نحاول التواصل مع السفارة اللبنانية، وقد ملأنا استمارة على موقعها"، لكن من دون جدوى. على غرار آخرين، يناشد سمير السلطات اللبنانية التدخّل لتأمين حافلات تقلّهم إلى الحدود مع بولندا أو رومانيا، في ظل تعذّر استخدام وسائل النقل العام المعطلة أو المكتظة.

لا ممرات آمنة

من جهته، يتحدّث علي شريم، رئيس الجالية اللبنانية في أوكرانيا ومالك مطعم في كييف، عن معاناة الطلاب اللبنانيين، لافتاً إلى أنّ ثمّة طالبات "يبتنَ في محطات المترو". ويروي لـ"فرانس برس" عبر اتصال هاتفي: "أرسلت لهنّ الطعام لأنّني غير قادر على إيوائهنّ"، فيما يشير إلى طلاب في العشرينات من عمرهم "لا يتكلمون اللغة الأوكرانية ولا الروسية".

يُذكر أنّ وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبد الله بو حبيب نصح من بيروت اللبنانيين في أوكرانيا بـ"البقاء في أماكن آمنة لحين جلاء الأمور"، نظراً إلى "عدم وجود ممرّات آمنة لتاريخه" حتى يتمكنوا من المغادرة. وقد كلّفت الخارجية هيئة رسمية "إجلاء" اللبنانيين الذين "لجأوا إلى بولندا ورومانيا جواً في موعد يحدّد لاحقاً".

وعلى الرغم من وجوده في مدينة واقعة غربي أوكرانيا قريبة من الحدود الرومانية، لم يتمكن الطالب العراقي علي محمد (25 عاماً) من المغادرة، هو الذي كان يأمل التخرّج هذا العام في اختصاص الهندسة. وتذهب سدى عشرات الاتصالات التي يجريها يومياً بسفارة بلاده. يقول علي لـ"فرانس برس" من مدينة تشيرنفتسي: "غادرت العراق حتى أغيّر نمط الحياة التي عشتها من حرب وتعب ومشاكل"، لكنّه يلفت إلى أنّه يجد نفسه اليوم يعيش "السيناريو ذاته" ويرى "الخوف ذاته" في عيون الناس والأطفال. يضيف علي: "ننتظر الفرج"، موضحاً أنّ الطلاب العراقيين والسوريين هم أكثر الذين يواجهون صعوبات في العودة إلى بلدانهم.

وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، فإنّ ثمّة 5537 عراقياً في أوكرانيا، من بينهم 450 طالباً يتوزّعون على 37 جامعة.

حذر شديد

في مدينة خاركيف كذلك، تقطّعت السبل بالطالب المصري سعد أبو سعدة (25 عاماً) الذي يتخصّص في الصيدلة. هو لم يتمكن مع عدد من مواطنيه من مغادرة السكن الجامعي على الرغم من رحيل عشرات الطلاب الأجانب القاطنين فيه التزاماً بتعليمات سفارات بلدانهم. ويقول سعد لـ"فرانس برس": "لم تفعل السفارة المصرية شيئاً بعد. نحن أربعة مصريين.. أصدقاؤنا جميعهم تركونا وغادروا".

وكانت سفارة مصر، التي يقيم ستة آلاف من رعاياها في أوكرانيا، أكثر من نصفهم طلاب مسجلون بغالبيتهم في خاركيف، أعلنت على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" أنّها تنسّق لإجلاء مواطنيها إلى رومانيا وبولندا.

وتبذل دول عربية أخرى جهوداً لإجلاء مواطنيها. تونس على سبيل المثال، التي لا تملك تمثيلاً دبلوماسياً في أوكرانيا، تعتزم إرسال طائرات إلى بولندا ورومانيا لإعادة من يرغب من رعاياها البالغ عددهم 1700، ثمانون في المائة منهم طلاب. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول الشؤون الخارجية التونسي محمّد الطرابلسي لـ"فرانس برس": "سوف نبدأ عملياتنا بمجرّد الانتهاء من (وضع) قائمة التونسيين الذين يرغبون في العودة"، مشيراً إلى تواصل مع الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي للمساعدة في إجلائهم برّاً.

أمّا المغرب، فقد دعا رعاياه إلى التوجّه نحو نقاط حدودية مع رومانيا والمجر وسلوفاكيا وبولندا. ومن جهتها، حدّدت ليبيا، وفق سفارتها، نقاط تجمّع في أوكرانيا لرعاياها البالغ عددهم ثلاثة آلاف شخص، على أن يجرى إجلاؤهم إلى سلوفاكيا.

تجدر الإشارة إلى أنّ الجزائر التي تربطها بروسيا اتفاقيات عسكرية شكّلت استثناءً، إذ لم تدع نحو ألف طالب من رعاياها في أوكرانيا إلى مغادرة البلاد. لكنّها حثّتهم على "توخي الحذر الشديد وعدم مغادرة منازلهم إلا في حالات الطوارئ".

(فرانس برس)

المساهمون