سادت حالة من الحزن أجواء رأس السنة في كنائس مصر، بسبب أحداث غزة، والعدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع، التي لم تسلم منها دور العبادة، إذ امتنعت الكنائس المصرية عن تنظيم احتفالات كرنفالية أو تعليق زينات كالمعتاد كل عام.
واستقبلت الكنائس زوارها بدون أي مظاهر احتفالية، واقتصرت الفعاليات على إقامة الصلوات والطقوس الدينية فقط والأدعية لأسر الشهداء والشفاء للمصابين والمتألمين تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
رأس السنة بلا احتفالات في المنيا
ففي محافظة المنيا ، قررالأنبا بيمن مطران إيباراشية قوص ونقادة إلغاء مظاهر الاحتفال بليلة رأس السنة، وذلك حزنًا على مشاهد الدمار والخراب الذي خلفته العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
وقال الأنبا بيمن، مطران قوص ونقادة بقنا إن مظاهر الاحتفال هذا العام تقتصر على إقامة صلاة القداس فقط، وذلك تعبيرًا عن حزن وتعاطف كل المصريين مع الشعب الفلسطيني.
كما احتفلت كنيسة القيامة بمدينة المنيا الجديدة للأقباط الكاثوليك بتصميم مغارة عيد الميلاد المجيد تضامنا مع ما يحدث في الأراضي المقدسة ومعاناة الشعب الفلسطيني ولتكون رسالة للسلام، وجاء تصميم المغارة وسط الطيران والصواريخ في مغارة للميلاد و الشال الفلسطيني يحتضن المسيح وحوله صور أطفال غزة.
وفى الإسكندرية امتنع عدد كبير من الكنائس عن تعليق الزينة، وألغت فعاليات الاحتفال بالأعياد، حدادًا على فلسطين، وبدلاً من ذلك تركزت الجهود على الصلوات تخللتها كلمات روحية مقتضبة للآباء الأساقفة العموم، مع الأمل في وقف الحرب وانتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي استمر لمدة 87 يومًا.
و ترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أول صلاة قداس إلهي في 2024، كعادته من بطريركية الإسكندرية كل عام، كونها مقر الكرسي الرسولى ومارمرقس الرسول، وأقدم كنيسة في مصر وأفريقيا لما لها من دلالة كنسية وقومية كبيرة لدى جموع الأقباط.
وتحولت الأحاديث والكلمات داخل الكنائس من التهاني والاحتفالات إلى الحزن والألم، وساد الصمت الثقيل، ومشاهد الدموع ،على وجوه الحاضرين بسبب أعداد القتلى والمصابين والمفقودين والمشردين نتيجة المجازر التي تجتاح الأراضي الفلسطينية.
وقال الأب انطون فؤاد راعي كنيسة القيامة بمدينة المنيا الجديدة وأستاذ تاريخ الكنيسة بالكليات اللاهوتية، "إن كنيستنا اسمها كنيسة القيامة وهي مرتبطة بأكبر كنيسة في الأراضي المقدسة، وهي كنيسة القيامة، ومن أجل ذلك ليس من المعقول أن يكون "المزود" أو مغارة الميلاد غير معبرة عن تضامننا مع الأراضي المقدسة".
وهذا العام أرض المسيح نفسها "فلسطين" متألمة نتيجة الحرب، لكن تضامنًا مع كل أخوتنا الذين لا يستطيعون الاحتفال بعيد الميلاد بسبب الحروب، قررنا أن يكون مزود ميلاد المسيح هذا العام معبرًا عن الألم في فلسطين وواثقين أن رسالة السلام هي الرسالة المستمرة.
وتابع الأب أنطون: هي دعوة بسيطة للعالم، فإذا كنا في مصر الحبيبة ننعم ونحتفل، لكننا دائمًا نشعر ونتألم ونصلي من أجل المتألمين والمتضايقين، ونتمنى أن يتضامن العالم كله من أجل إحلال السلام في كل الأماكن المتحاربة، خاصة في فلسطين أرض السيد المسيح، التي بدأ منها ميلاد السلام.
ويقول يوسف كميل، أحد زائري كنيسة القديسين بالإسكندرية، لـ"العربي الجديد": أشعر بحزن عميق لعدم إقامة احتفالات رأس السنة في الكنائس هذا العام، ولكن أتفهم تمامًا الأوضاع الأليمة التي يعيشها إخواننا في فلسطين، وقلوبنا وصلواتنا معهم، ونحن مستعدون للتضحية بالاحتفالات السنوية من أجل دعمهم والتعبير عن تضامننا معهم في هذه الأوقات الصعبة.
وأضاف: كل عام كنت أنتظر وأسرتي بفارغ الصبر احتفالات رأس السنة في الكنيسة، ولكن هذا العام، حزننا كبير بسبب عدم إقامة الاحتفالات، ولكن عندما نشاهد الأخبار، ونرى ما يحدث في فلسطين، ندرك أنه يجب أن نضع الأولويات الإنسانية قبل كل شيء، فلنتضامن وندعم إخواننا في هذه الأوقات الصعبة.
وأشار إلى أن الأحاديث داخل جدران الكنيسة تحولت من التهاني والاحتفالات إلى الحزن والألم، بسبب المجازر التي تجتاح الأراضي الفلسطينية، وتحديدًا غزة، حيث يتعرض الفلسطينيون لعدوان إسرائيلي وحشي، فيكتفي ضيوف الكنيسة بتبادل الحديث عن أعداد القتلى والمصابين والمفقودين والمشردين
أما الطفل إبراهيم عازر، (12 سنة) أحد زائري كنيسة ماري مرقس مع أبويه، فيقول: أشعر بالحزن لأننا لم نحتفل برأس السنة في الكنيسة هذا العام، ولكن عندما أعرف أن الأطفال في فلسطين يعانون ويخشون الحروب، أشعر بأن علينا أن نكون أقوياء ونصبر، وسأصلي من أجلهم، وأتمنى أن يأتي يوم، وتعود فيه الابتسامات والاحتفالات إلى حياتهم.
ويقول الأنبا باخوم، النائب البطريركي لشؤون الإيبارشية البطريركية للأقباط الكاثوليك، والمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية في مصر، ، إن احتفال رأس السنة في كل عام كان يشهد تعليق الزينة وإقامة احتفالات كبرى داخل الكنائس تتضمن برامج متنوعة وأغاني للميلاد ومسرحيات تتحدث عن مولد المسيح.
وأضاف الأنبا باخوم، أنه بسبب أحداث غزة الدموية، اقتصرت مظاهر الاحتفال في هذا العام على المراسم والقداس، والذي ترأسه البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، بكاتدرائية السيدة العذراء بمدينة نصر، مع استقبال محدود لكبار الشخصيات العامة.
وتابع النائب البطريركي لشؤون الإيبارشية البطريركية للأقباط الكاثوليك، أن الظروف الاستثنائية تحيط بالعيد هذا العام، ما تسبب في إقامة الاحتفالات داخل الكنائس فقط، حيث تمت صلاة القداس، وصعدت الدعوات والصلوات بينما يتصاعد دخان البخور والتضرع لله لوقف الظلم والظلام ونشر السلام في غزة وفلسطين والعالم أجمع.
ويضيف ميشيل محب، الباحث في الشأن القبطي ، لـ"العربي الجديد"، إن عدم إقامة احتفالات في الكنائس أمس يمثل مشاعر حزن لدى الأقباط المصريين، بسبب حبهم للاحتفالات والبهجة، إلا أنهم يفهمون ويقدرون الأوضاع الصعبة في فلسطين، ويضعونها كأولوية قبل احتفالاتهم الشخصية، ويعبرون عن تضامنهم ودعمهم لإخوانهم الفلسطينيين، ويصلون من أجل السلام والعدل في المنطقة.
ويشير "محب"، إلى أنه مع كل دعاء يطلقونه وكل صلاة يرفعونها، يتذكرون الضحايا والأرواح البريئة التي فقدت، ويشعرون بألمها ويعيشون معاناتها، وينتابهم الحزن العميق، حيث يشعرون بعدم القدرة على التواجد في أجواء الاحتفال والبهجة، وهم يعلمون أن إخوانهم يعانون في الأرض المباركة.
وأشار الى موقف الكنيسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية باستنكار وإدانة شديدة لما يحدث في فلسطين "وقلوبنا تعتصر ألمًا على ما يحدث على أرض غزة والحرب التي ليس لها أي شكل من أشكال التكافؤ".
وتابع الباحث في الشأن القبطي: نأمل أن يدعم موقف الأقباط المصريين موقف فلسطين، وأن يسمع العالم أصواتنا، وأن يبتعد المجتمع الدولي ولو قليلًا عن الصمت والتواطؤ ضد ما يتعرض له السكان المدنيون في غزة من جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.