"كراجات" بغداد... مرائب غير قانونية بسطوة السلاح

05 اغسطس 2021
زحمة ناس وسيارات في بغداد (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -

في وقت تشهد فيه العاصمة العراقية بغداد اختناقات مرورية غير عادية تترافق مع عدم توافر مواقف لتلبية احتياجات ركن السيارات الكثيرة، تنتعش ظاهرة المواقف غير القانونية التي "تخترع" أماكنها وتديرها جهات تدعمها فصائل مسلّحة، ويعجز رجال شرطة المرور ومسؤولو أمانة العاصمة (الجهة الحكومية المسؤولة عن بغداد) عن إزالتها. مواقف السيارات التي يطلق عليها العراقيون اسم "كراجات السيارات" تتخذ أرصفة وساحات عامة تملكها الدولة وحتى حدائق ومساحات خضراء، وتتحوّل إلى "مشاريع تجارية" تدر عائدات جيدة، إذ إن كلفة ركن السيارة لساعة واحدة تبلغ 5 آلاف دينار (نحو 3 دولارات). ويجبر صاحب السيارة على الدفع حتى لو كان مكان الموقف رصيفاً أو ساحة عامة مخصصة للوقوف مجاناً في الأصل.
ولا تملك الجهات التي تدير هذه المواقف أي ترخيص قانوني أو إداري لأخذ أموال من المواطنين الذين ينشدون تأمين مواقف لسياراتهم، في حين وصلت اعتداءاتها إلى الأزقة والطرق الجانبية المحاذية للأسواق والمناطق القريبة من المؤسسات الحكومية  التي تشهد عادة زحمة مرور مع تدني في عدد مواقف السيارات.

حصانة
يقول مسؤولون في أمانة بغداد إن غالبية الأشخاص الذين يسيطرون على هذه المواقف ويديرونها موالون لفصائل مسلحة أو شخصيات مقربة منها، ويحظون بحمايتها التي تحولت إلى أشبه بحصانة تجعل أي موظف في أمانة بغداد يتجنب الدخول في أي نوع من المشكلات مع المليشيات تحديداً، والتي قد تمتد الى أسرته في حال اضطر المسلحون لردعه. وتفيد مصادر في مديرية المرور العامة ببغداد بأن عدد السيارات في العاصمة يتجاوز 2.5 مليون، في حين أن شوارعها لا تتسع لأكثر من نصف مليون، وذلك من دون احتساب دخول آلاف الآليات من المحافظات أسبوعياً. وتشير إلى أن الجهات التي تستولي على كراجات قديمة وأخرى جديدة استحدثتها بطرق "غير شرعية" تكسب عشرات آلاف الدولارات شهرياً، والتي تذهب إلى خزنات الفصائل المسلحة عبر ما يُعرف بـ "الهيئات الاقتصادية"، وشخصيات حزبية مرتبطة بجهات نافذة مثل التيار الصدري وحزب الدعوة الإسلامية. وتختلف أجور ركن المركبات بحسب المناطق، لكنها تتراوح عموماً بين ألفي دينار و5 آلاف دينار للساعة الواحدة. أما أجرة مكوث المركبة فقد تتجاوز 20 ألف دينار عراقي (نحو 16 دولاراً) في بعض الكراجات.

مساحات ضيّقة للتنقل (مرتضى السوداني/ الأناضول)
مساحات ضيّقة للتنقل (مرتضى السوداني/ الأناضول)

 
ملف متفلّت
يقول ناجي الجبوري (43 عاماً)، وهو من سكان حي الكرادة قرب الرصافة ببغداد، لـ "العربي الجديد" إن "معظم الأزقة المغلقة في الحي لأسباب أمنية أو بسبب وجود مقار حزبية أو محطات تلفزيون فضائية بها، تحوّلت إلى كراجات تدر أموالاً كثيرة لشخصيات وجهات لا تنتمي إلى الحي. ورغم أن هذه الأزقة ليست كراجات ويفترض أن تتبع أرصفتها منازل السكان، استولت جهات حزبية ومسلحة عليها، وعيّنت أشخاصاً لإدارة الأزقة التي جعلوها مرائب للسيارات تزعج الأهالي وتجعلهم يفكرون بترك الأحياء". ويوضح أن "هذا الأمر ينطبق على أحياء السعدون والعرصات والجادرية، وأخرى في جانب الكرخ مثل المنصور واليرموك والحارثية التي تضم مناطق تجارية وعيادات لأطباء ومراكز تسوق".
ومنذ عام 2003، توجد في العاصمة بغداد أزقة أغلقت تماماً باستخدام كتل خرسانية تنفيذاً لخطة حمايتها من الهجمات الإرهابية، وبعضها في مناطق الكرادة والجادرية والغدير وزيونة وغيرها. لكن هذا الإغلاق استغلته جهات نافذة لاحقاً في تنفيذ تجارة تحويلها إلى مرائب مربحة، وبناء منازل بطريقة عشوائية، إضافة إلى مصادرة معظم الملاعب داخل الأحياء السكنية، وقطع أراض لمنازل مهدّمة وأرصفة شوارع. 
يقول رئيس اللجنة الأمنية السابق في بغداد، سعد المطلبي، لـ "العربي الجديد" إن "فوضى حركة المرور كبيرة جداً في بغداد، وقد تأثرت بإدارة المرائب وتوزيعها ونشرها في المناطق، والزيادة الهائلة في عدد المركبات التي تدخل العاصمة من دون أي تخطيط. وأدى ذلك إلى اضطراب في تنظيم وجود هذه المركبات، ودفع أشخاصا ينتمون إلى أحزاب وفصائل وعصابات منظمة إلى استغلال الأزمة". يضيف: "تسيطر شخصيات عادية على معظم الكراجات في المناطق الشعبية. وهؤلاء من أهالي المناطق نفسها، في حين تسعى السلطات المحلية وتحديداً أمانة بغداد إلى الإمساك بالملف، لكنها تصطدم بتهديدات وضغوط لنافذين".

شرطي وسط الفوضى (مرتضى السوداني/ الأناضول)
شرطي وسط الفوضى (مرتضى السوداني/ الأناضول)

من جهته، يصرح عضو لجنة الخدمات في البرلمان العراقي جاسم البخاتي بأن "الكراجات غير الرسمية تستحوذ عليها عصابات استغلت مساحات تحت جسور وشوارع وساحات مهمة في بغداد، وجعلتها مرائب لركن السيارات، وذلك تحت مرأى ومسمع من أمانة بغداد. وتتعدد الأماكن المستغلة لغايات غير شرعية من دون تحقيق الدولة أية فوائد منها، علماً أنها تشوّه وتسيء إلى الذوق العام والجمالية في بغداد". يتابع: "هذه الظاهرة هي جزء من مظاهر أخرى لا تراعي الجوانب البيئية والصحية، وبينها انتشار معامل الماء وتعديها على شبكات المياه وربطها بعشرات المشاريع بلا موافقات رسمية. وعرضنا هذه الملاحظات أمام أمين بغداد الذي يفترض أن يجد حلاً جذرياً لها، ويتحلى بجرأة الإفصاح عن هوية مستغلي هذه الأماكن والمرافق المخصصة للعامة".

الأرصفة الباقية قليلة 
ولا يتردد الرائد حيدر علوان، من دائرة مرور الكرادة، في القول لـ"العربي الجديد" إن "عدد الكراجات في العاصمة بغداد باتت أكثر من عدد الأرصفة المخصصة للمشاة وكذلك الشوارع في بعض الأحياء الخاضعة لسلطة الأحزاب والمسلحين، وتخلو من أي ضوابط على صعيد تنظيم الحركة فيها، أما الأهالي فهم غير قادرين على مواجهة الظاهرة. ويوجد في بغداد وحدها مئات من الكراجات، لكن تلك المسجلة رسمياً والتابعة لدوائر البلدية وأمانة بغداد لا تمثل إلا ربع عددها المنتشر على الأرض". يضيف أن "السلطات المحلية وأمانة بغداد لا تستطيع مواجهة خروق العصابات الحزبية والجهات النافذة على صعيد خلق كراجات وإغلاق شوارع وفتح منافذ تمتد من أحياء سكنية على شوارع رئيسية من دون اللجوء إلى السلطات المختصة التي تعرضت قراراتها الإدارية لإضعاف كبير ومتعمد، علماً أن الأحزاب ممثلة أيضاً في الدوائر الحكومية التي يفترض أن تحاسب المخالفين".