لم تكد الجامعات الأفغانية تظهر بعض مؤشرات التعافي من التأثيرات السلبية لتفشي جائحة كورونا، والتي يمكن القول إنها قصمت ظهرها، خصوصاً تلك الخاصة التي تعتمد على رسوم يدفعها الطلاب والطالبات، حتى أتت الشروط الصعبة التي فرضتها حركة "طالبان" إثر سيطرتها على البلاد لتزيد الثقل على كاهلها، وتعطل التعليم فيها إلى أجل غير معلوم. ولأن الدراسة كانت شبه متوقفة بسبب فيروس كورونا قبل الغزو الطالباني، جرى تجميد تحصيل رسوم التعليم، ما أثر كثيراً في الوضع المالي للجامعات.
قبل أن تسيطر "طالبان" على العاصمة كابول أخيراً، كان موسم التحصيل العلمي في الجامعات الأفغانية التي يناهز عددها 130، قد دخل أسبوعه الرابع إثر توقف استمر فترة طويلة بسبب انتشار الموجة الثانية لكورونا. وتحددت امتحانات نهاية الفصل بعد أسبوعين، علماً أن بعض الجامعات قررت إنهاء الفصل الأول خلال أسبوع واحد بسبب تدهور الوضع الأمني، لكن "طالبان" عجلّت في السيطرة على العاصمة، ما نسف كل خططها.
وحتم التحول الجذري في أفغانستان الذي يهدد بانعكاسات خطرة في المنطقة والعالم، تجميد الجامعات الدراسة أياماً، قبل استكمال التدريس لمدة أسبوع تمهيداً لإجراء اختبارات الفصل الأول، ما عكس اعتقادها بأن الحركة لن تتدخل في العملية الدراسية فوراً، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهيه السفن.
الشريعة والتدريس
وكان نائب رئيس لجنة التعلم والتربية والتعليم العالي في "طالبان" الملا فريد اجتمع الأسبوع الماضي مع مسؤولين في جامعات بمدينة هيرات (غرب) لبحث إعادة إطلاق عملية التعليم. وأوحت النقاشات بأن التعليم لن يستأنف في أفغانستان في القريب العاجل، إذ أصرّ فريد على أن "الشريعة الإسلامية معيار لا يمكن التنازل عنه بأي ثمن في التربية، لذا لا بدّ من فصل الجامعات بين الطلاب الذكور والإناث، وبالتالي عدم بدء التدريس إلا بعد تنفيذها هذه الخطوة، إلى جانب منعها الأساتذة الرجال من تدريس البنات"، والذي عارضه مسؤولو الجامعات، ما دفع فريد إلى التنازل بالقول إن "الرجال كبار السن فقط قد يتولون تدريس البنات".
ويصف مسؤول تربوي حضر الاجتماع ورفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" النقاش الذي دار بأنه مخيب للآمال، إذ جادل مسؤولو الجامعات القيادي الطالباني بأن قرار الفصل بين البنين والبنات لا يمكن تنفيذه فوراً، بل عبر خطوات تدريجية لأنها ذات كلفة مالية كبيرة لا تستطيع الجامعات أن تتحملها حالياً، بعدما تلقت ضربة اقتصادية كبيرة بسبب جائحة كورونا. كما أبلغوه أن تطبيق الخطوة يحتاج إلى وقت على الصعيدين التقني واللوجستي، لكنه تمسك بموقفه وخاطبهم بأنهم كان من حقهم الاستعداد لهذه المرحلة، باعتبار أن الحركة كانت ستنتصر عاجلا أم آجلا، وتطبق الشريعة.
مطالب "غير عملية"
وبالنسبة إلى رفض "طالبان" تدريس رجال للبنات فليس ذلك إجراءً عملياً استناداً إلى الوضع التعليمي في أفغانستان، إذ يشير المسؤول الجامعي إلى أن "الكادر التعليمي النسائي ضئيل جداً في أفغانستان، ولا يشكل نسبة عشرة في المائة من المدرسين، ما يصعّب جداً تلبية الجامعات هذا الطلب. كما لا يمكن أن يتولى كبار السن هذه المهمة، لأن القانون الأفغاني يحدد عمر التقاعد بستين. أيضاً لا يوجد نساء أو كبار في السن في تخصصات كثيرة".
ولا بدّ من الإشارة إلى أن جامعات أفغانية تطبق فعلاً نظام الفصل بين الطلاب الذكور والإناث، لكنها تواجه حالياً مشكلة توفير أساتذة. وتعتبر "جامعة الأفغان" الوحيدة التي تنطبق عليها شروط "طالبان". وتوصلت إدارتها، بحسب ما علمت "العربي الجديد"، إلى اتفاق مع مسؤولي الحركة على الوفاء بكل الشروط، ما جعلها تطلب منحها الإذن بإطلاق عملية التعليم، لكن مسؤولي "طالبان" رفضوا ذلك، مؤكدين أن التدريس لن يبدأ إلا حين تكمل الحركة وضع آلياته، والذي ينتظر أيضاً تشكيل الحكومة الجديدة.
ويخشى المعنيون بقطاع التعليم في أفغانستان سلبيات ربط بدء التدريس بتشكيل الحكومة الذي قد يؤخر موعده إلى أمد لا تتحمله الجامعات وكوادرها التعليمية وموظفيها والقائمين عليها، علماً أن "طالبان" أكدت يوم الاثنين الماضي أن موضوع تشكيل الحكومة معلّق حتى مغادرة كل القوات الأجنبية أفغانستان، والمحدد نهاية أغسطس/ آب الجاري.
وكان مسؤولون أميركيون لمّحوا إلى أن العملية ستستمر حتى نهاية الموعد المحدد، ما يعني أن تشكيل الحكومة مؤجل، وكذلك بدء التعليم.
ومنحت جامعات خاصة إجازات لفترات غير محددة لجميع العاملين فيها، من دون أن تقدم رواتب لهم بحجة أن الطلاب لم يدفعوا لها الرسوم. وجعل ذلك الموظفين والعاملين في هذه الجامعات أولى ضحايا قرار "طالبان"، وبعدهم الجامعات نفسها في ظل دفع معظمها إيجارات المباني التي تشغلها، بينما يعمّ الخوف والقلق لدى الطلاب على مستقبلهم، خصوصاً لدى الطالبات مع ظهور الفجوة الكبيرة بين "طالبان" ومسؤولي الجامعات في شأنهن.