نقلت منظمات ومواقع حقوقية عدة في روسيا أخيراً، عن شهود داخل سجون وخارجها، قولهم إنّ "شخصاً يشبه يفغيني بريغوجين، المالك المزعوم لشركة فاغنر العسكرية الخاصة، زار بنفسه إصلاحيات من أجل تنفيذ مهمات لتجنيد سجناء، والتي ترافقت مع وعده إياهم بالحصول على أجور مغرية، ومنحهم حريتهم في حال شاركوا في مهمات قتالية لمدة ستة أشهر في أوكرانيا".
ويروي الخبير القانوني والحقوقي، بافيل ماروشاك، لـ"العربي الجديد" أن أحد موكليه المسجون في إصلاحية بمقاطعة لينينغراد ضمن ضواحي العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبرغ، أبلغه أنه يجري تجنيد سجناء للقتال في أوكرانيا، لكنه نقل عنه أيضاً أن قليلين أبدوا رغبتهم في الالتحاق بصفوف المقاتلين في أوكرانيا. يقول: "لم يؤكد لي موكلي حضور بريغوجين شخصياً إلى الإصلاحية، لكنني علمت منه أن الشخص المعني لم يستطع إلا مقابلة عشرة سجناء قدم عروضاً لهم، وهذا رقم قليل جداً قياساً بعدد السجناء الـ1500 في هذه الإصلاحية. وهو أكد لي أنه بخلاف المتوقع، لم تتواجد طوابير من السجناء الراغبين في الإفادة من العروض المقدمة".
وفي شأن الغطاء القانوني الذي قد تستخدمه السلطات الروسية لقرارات الإفراج عن المدانين لقاء إشراكهم في القتال، يقول ماروشاك: "لا ضمانات قانونية لوفاء السلطة بوعودها للسجناء، لكنني لا أعتقد بأنها ستخالف أيّ اتفاق تبرمه معهم، لأنهم جمهور سهل الاشتعال وقد ينتفض. وعلى صعيد التدابير، يمكن إطلاقهم ضمن قرار بالإفراج المبكر المشروط الذي يحق أن يطلبه السجناء بعد انقضاء نصف أو ثلثي أو ثلاثة أرباع فترات عقوباتهم، وذلك بحسب مدى خطورة جرائهم". لكنّه يحذر أيضاً من مخاطر الإفراج عن المدانين في قضايا بالغة الخطورة، مثل القتل، ويقول: "في الظروف العادية لم يمكن أن يحصل بعض السجناء على إفراج مبكر، بسبب خطورة التهم التي أدينوا بها، ومنحهم حريتهم بهذه الطريقة لن ينظر إليه باعتباره إجراءً صحيحاً، ويجلب المنافع".
وفي وقت سابق من شهر أغسطس/ آب الماضي، ذكر موقع ميديا زونا الحقوقي الروسي أنّ سجينين من مقاطعتي ياروسلافل وتولا تواصلا مع ممثلين من شركة فاغنر لتحريرهما، وأحدهم عرض عليهما وعلى سجناء آخرين أموالاً والحصول على الحرية مقابل مشاركتهما في الحرب على أوكرانيا.
ونقل الموقع عن أحد السجينين قوله إنّ "ممثلي فاغنر شرحوا للسجناء أن الحرب العالمية الثالثة مندلعة، ويمكن أن يشاركوا فيها في صف روسيا. والشخص الذي يشتبه في أنّه بريغوجين وصف قرار الالتحاق بالشركة العسكرية الخاصة بأنه صفقة مع إبليس ستنتهي بالحرية أو الموت، وأنه هدد من يتراجع عن القتال في ساحة المعركة بإعدامه فوراً رمياً بالرصاص".
ويرى ماروشاك أنّه "لا يمكن مساواة إشراك السجناء الحاليين في أعمال قتال بتشكيل الجيش الأحمر السوفييتي الكتائب الجزائية أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) لمعالجة النقص في عدد العسكريين، فحالياً لا يجبر السجناء على المشاركة في القتال الدائر بأوكرانيا. كما وعد مقدمو عروض التجنيد بتقديم أجور شهرية مغرية تبلغ نحو 100 ألف روبل (1700 دولار تقريباً) للسجناء، وتعويضات مقدارها 5 ملايين روبل (أكثر من 80 ألف دولار) في حال حصول مكروه لهم".
ونقل عن السجناء قولهم إنّ "الشخص الذي يشتبه في أنه بريغوجين رفض وصف السجناء المقاتلين بأنهم ذخيرة للمدافع، وأبلغهم أن فرص قتلهم أو إصابتهم بين 15 و25 في المائة". وأشاروا إلى أنّه اهتم بالدرجة الأولى بالقتلة وقطاع الطرق، فيما توخى الحذر مع المدانين في قضايا مخدرات واغتصاب.
واللافت أنّ خبر تقديم عروض للسجناء للمشاركة في حرب أوكرانيا لم تتناوله فقط وسائل الإعلام المستقلة ذات التوجهات الليبرالية، إذ تحدث عنه المخرج السينمائي الموالي للكرملين نيكيتا ميخالكوف في برنامجه "بيسوغون تي في" الذي تبثه قناة "روسيا 1" الحكومية، من خلال عرض قصة سجين تطوع للقتال في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، وقتل فيها.
وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على بدء حربها على أوكرانيا، يبدو أنّ روسيا لم تعد تخفي مشاركة عناصر من خارج جيشها النظامي في القتال، إذ نشرت وكالة نوفوستي الحكومية في 21 أغسطس/ آب الماضي، تقارير عن قتال أفراد من شركة فاغنر العسكرية الخاصة في جبهات عدة، ولم تتردد في ذكر اسمها في عناوين الأخبار.