اعتقلت السلطات الصينية في مقاطعة شاندونغ مؤخراً، ثلاثة أشخاص بتهمة سرقة رماد امرأة ميتة وبيعه إلى عائلة ترغب في تزويج ابنها "المتوفي" منذ سنوات، في إحياء لتقليد قديم يعرف بـ "زواج الأشباح"، حيث يشتري ذوو الميت رماد امرأة ميتة يفضل أن تكون صغيرة السن، من أجل دفنه مع رماد ابنها في زجاجة واحدة، بهدف تهدئة روحه وضمان استمرار نسله في الحياة الثانية.
وكانت المرأة التي سُرق رمادها انتحرت قبل نحو أشهر بعدما تناولت مبيد حشرات خلال بث مباشر أثناء تسويق منتجات على منصة للبيع الإلكتروني، ما لفت انتباه "تجّار الرماد" باعتبار المتوفاة جميلة وماتت حديثاً، ما يعني أن بيع رمادها المسروق سيدّر ربحاً كبيراً. وأفادت الشرطة في بيان بأن المرأة المتوفاة عانت من اضطرابات نفسية دفعتها إلى الانتحار، ووضعت المتهمين الثلاثة قيد الاحتجاز الجنائي بعدما أظهرت التحقيقات أن أحدهم استبدل رماد الجثة بزجاجة تراب بمساعدة حارس المقبرة، قبل أن يأخذ شخص ثالث الزجاجة من أجل بيعها لعائلة.
ويكشف منظمون لهذه الطقوس أن سعر زجاجة الرماد الواحدة يصل إلى 70 ألف يوان (11 ألف دولار)، وكلما كانت الفتاة الميتة متوفاة حديثاً وصغيرة في السن ارتفع سعر رمادها. ونظراً إلى ازدهار هذه العادة رغم أن السلطات تحظرها، فقد انتشرت خلال السنوات الماضية ظاهرة سرقة رماد الموتى في الصين من أجل الاتجار بها، وجرى الإبلاغ عن 35 حالة سرقة في مقاطعة شاندونغ خلال العام الحالي.
رماد بالآلاف
العام الماضي، دهمت الشرطة متجراً في مقاطعة غوانغدونغ تديره عصابة تتاجر برماد الموتى. وكان لافتاً في بعض الحالات تواطؤ أهل الميت مع هؤلاء التجار في تحقيق مكاسب مالية، حيث جرى ضبط عائلة باعت رماد ابنتها الميتة البالغة 22 من العمر بمبلغ 12 ألف دولار. وتبين بعد ذلك أن الفتاة قُتلت بعدما تعرضت للضرب حتى الموت على يد حماتها، لأنها لم تحبل.
وفي مقاطعة قانسو، أصدرت محكمة مطلع العام الحالي حكماً بإعدام رجل قتل امرأتين معوّقتين عقلياً قبل أن يبيع جثتيهما لأسرتين ريفيتين. وقد قبض مبلغ 35 ألف يوان (5500 دولار) مقابل جثة الضحية الأولى، فيما اعتقلته الشرطة خلال نقل جثة الضحية الثانية. وأعقب ذلك تعهد إدارة الشؤون المدنية في البلاد شن حملة لمنع زيجات الأشباح. وأكدت أنها ستنفذ عمليات تفتيش دورية لكل المقابر، وتشمل نصب كاميرات مراقبة، وتحصين بوابات القبور بأقفال محكمة.
تزويج بشروط
تاريخياً، ظهرت طقوس تزويج الموتى في القرن العاشر قبل الميلاد، في تقليد قديم ارتبط بمفهوم الصينيين حيال الموت واعتقادهم بأن الإنسان يعيش حياة أخرى بعد وفاته، ما يتطلب توفير كل وسائل الراحة لروح الميت، مثل حرق النقود الورقية ظناً بأنها ستصل إليه، ومدّه بمأكولات كان يفضلها في حياته الأولى وسجائر ومشروبات، وتزويجه في حال مات عازباً أو أرملاً، كي لا يقضي حياته الثانية وحيداً. وتوضح الباحثة في علم النفس لورا شانغ، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن فكرة زواج الأشباح جاءت من التعاطف مع الميت والشعور بالمسؤولية تجاهه حتى بعد وفاته، لذا تم إطلاق أعياد ومناسبات لتكريمه وإبداء الاحترام له، مثل عيد الصفاء والنقاء، وهي مناسبة سنوية يزور فيها الصينيون قبور موتاهم، لكنها أشارت إلى أن معظم هذه المراسم ذات صلة بتعاليم الفيلسوف كونفوشيوس الذي يدعو إلى إظهار الوقار للأموات والعمل لإسعاد أرواحهم التي تحلّق في الفضاء المطلق.
وتشرح أن حالات تزويج الأموات ليست عبثية، بل تخضع لشروط محددة، مثل أن يكون الميت أعزب، باعتبار أن الحياة الثانية للشخص غير المتزوج لا تكتمل إذا لم ترافقه زوجة. أيضاً أن تكون الفتاة الميتة غير متزوجة، فيجري تزويجها بعد وفاتها بهدف ضمها إلى شجرة عائلة أخرى، لأنه حسب التقاليد الصينية تبقى الفتاة العزباء غير مقيدة في نفوس أسرتها، وبمجرد زواجها تتبع نفوس الزوج ويدوّن اسمها في سجلات عائلته. وفي حال عقد المتوفى خطبة على فتاة قبل مماته، يجري تزويجه من خطيبته بمراسم رمزية تهدف إلى الحفاظ على نسل الأسرة. وهذا الزواج لا يلزم الفتاة بعدم الزواج من شخص آخر في المستقبل.
واللافت أن طقوس زواج الأشباح في الصين لا تختلف كثيراً عن الزيجات التقليدية، باستثناء استبدال العروسين المتوفيين بدمى من قماش وقطن. وأحياناً تصنع نماذج بنفس حجم العروسين، ويجري شراء بدلة للعريس وفستان زفاف للعروس وكأنهما لا يزالان حيّين. وتقام مراسم الزفاف في حضور مدعوين من الأهل والأصدقاء، وتعد الولائم وتقدم القرابين والهدايا مثل الذهب وساعات اليد والملابس ومستلزمات الفراش، وبعد انتهاء المراسم تحرق كل المقتنيات والمتعلقات اعتقاداً بأنها ستذهب إلى الزوجين في حياتهم الثانية.
وكان الحزب الشيوعي الصيني منع هذه التقاليد لدى تسلمه السلطة عام 1949. وخلال السنوات الماضية لاحقت السلطات الصينية سماسرة كًثراً خصوصاً في القرى والأرياف حيث تلجأ بعض العائلات إلى هذا النوع من التجارة لجني أموال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بينما يظل المحرك الأساس لاستمرار تزويج الأموات في البلاد، توارث تراث الأجداد والإيمان المطلق بمعتقدات مضى عليها أكثر من ثلاثة آلاف عام.