"زلابية بوفاريك"... عروس حلويات رمضان في الجزائر
تحتل حلوى "الزلابية" التقليدية مكانة مهمة على موائد الشاي والقهوة في سهرات الجزائر الرمضانية، وباتت عروس حلويات الشهر بلا منازع، ما يجعل التجار يتنافسون على صنعها، وكل واحد منهم ينسب إلى نفسه أسرار مكوناتها ومذاقها الفريد.
يربط الجزائريون منذ عقود نكهة شهر رمضان بـ"الزلابية"، وهي حلوى ذات مكوّنات بسيطة تحضّر عبر مزج دقيق القمح الصلب مع قليل من القمح اللين (الفرينة)، على شكل أقلام ملتصقة أو دوائر متداخلة، وتطهى عبر غمسها بالزيت، ثم إضافة العسل أو السكر الذائب إليها.
وتزداد محلات صنع وبيع الزلابية منذ أول أيام الشهر الفضيل، وينتشر باعتها في الأسواق وعلى الطرقات والأحياء الشعبية. وتعد "زلابية بوفاريك"، نسبة الى منطقة تبعد 30 كيلومتراً عن غرب العاصمة الجزائرية، الأكثر شهرة في البلاد. وقد ذاع صيتها بسبب سرّ صنعها ومذاقها.
ظهرت "زلابية بوفاريك" منذ أكثر من 135 عاماً. وتفيد كتابات تراثية بأنها تعود إلى عام 1889، أي خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، وتوارثتها ثلاث عائلات هي أكسيل وشبوب ولوكيل التي سكنت في منطقتي بوفاريك والبليدة، واحتفظت بسر خلطتها. وتُصنع "زلابية بوفاريك" بطريقة مختلفة جداً عنها في باقي مدن الجزائر، إذ تحضّر بالقمح الصلب حصراً مع إضافة نكهات تتميز بين صانع لآخر، في حين يستخدم طحين القمح والزيت والماء والسكر في إعدادها في باقي المدن.
يؤكد خالد أكسيل، أحد أحفاد عائلة أكسيل بمنطقة بوفاريك، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العائلة تحافظ على سرّ الوصفة الخاصة بزلابية المنطقة، والتي توارثتها من الجد إلى الأب، ولا تفرط في ملكيتها رغم أن البعض يزعم أنه يملك هذه الوصفة ويحاول تقليدها. وقد وصل صيت زلابية بوفاريك إلى باقي مدن الجزائر والخارج".
الأصل غلطة
وتختلف روايات الباحثين في التراث الجزائري والمأكولات والحلويات الشعبية حول أصل "زلابية بوفاريك"، إذ يذكر الباحث في التراث الجزائري فوزي سعيد الله أن هناك رواية تفيد بأن أصل الزلابية هو غلطة ارتكبها صانع حلويات عبر مزج خليط الدقيق والزيت والماء، فأنتج شيئاً غريباً أضاف إليه العسل، لكنه خشي أن يثير غضب صاحب المحل فصرخ "زلّ بيّ"، من دون أن يعلم أن ربّ العمل سيفرح بالمنتج اللذيذ الذي صار يحمل اسم "الزلابية" التي أسرت قلوب الجزائريين.
ولاحقاً، نقلت تسمية "الزلابية" إلى عدد من المحلات في مختلف مناطق الجزائر، وأصبحت بعض محلات الزلابية عريقة، وبينها في منطقة برج البحري شرق العاصمة الجزائرية التي تعرف بمحلات "زلابية الباجي"، نسبة لأحد صانعي الزلابية في المنطقة قبل أكثر من نصف قرن، والذي قضى حياته يتفنن في صنع هذه الحلوى.
وظلت صناعة الزلابية في الجزائر إرثاً عائلياً، على غرار العديد من الحرف، وهو ما تعرفه مدن عدة مثل البليدة وشرشال، إذ ينقل ربّ العائلة هذه الحِرفة إلى أبنائه وأحفاده.
وشجع الإقبال الكبير للزبائن على "الزلابية " الكثير من التجار على تحويل نشاطهم والتخصص فقط في هذا النوع الحلويات في شهر رمضان حين يزداد الطلب عليها، وتنتشر طاولات بيع الزلابية في الشوارع والأسواق.
وفيما ترافق شهر رمضان الحالي مع أزمة زيت وسكر وطحين قلّصت نشاط صانعي الحلويات، رفع التجار أسعار الزلابية والحلويات التي تصنع باستخدام هذه المواد أكثر من 260 ديناراً (دولار واحد).
ورغم إقبال العائلات الجزائرية على الزلابية خلال سهراتها الرمضانية، يتفنّن أفرادها في تزيين صواني الشاي والقهوة بأصناف أخرى من الحلويات، مثل "قلب اللوز" و"أصبع العروس" و"المحشي" و"المقروظ" التي تشتهر في شرق البلاد، و"البقلاوة" و"المحنشة" في الغرب، وغيرها من الحلويات التقليدية التي تزدهر تجارتها في شهر رمضان.
وتطلق تسمية "إحياء العوايد" على العادات الخاصة بشهر رمضان في الجزائر، والتي تعني إظهار طقوس الفرح بحلول الشهر الفضيل التي تميزه عن باقي الأيام، وتمنح البهجة للعائلات وتسمح لأفرادها بتغيير عاداتهم اليومية خارج شهر الصوم تحديداً، رغم أن بعض هذه الطقوس بدأ يتلاشى بمرور الزمن بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة.