"ذا لانسيت" توثق بالتفاصيل إصابات انفجار مرفأ بيروت

19 يوليو 2021
جرحى في أحد مستشفيات بيروت يوم انفجار المرفأ (إبراهيم عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

 

وثّقت مجموعة من الباحثين اللبنانيين، في ورقة بحثية نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" الطبية، إصابات انفجار مرفأ بيروت الذي وقع قبل أقلّ من عام وكيفية عمل أقسام الطوارئ في مستشفيات لبنان. بالنسبة إلى المجموعة فإنّ ذلك مهمّ للتاريخ.

لا تندمل جراح انفجار الرابع من أغسطس/آب الماضي الذي عصف بمدينة بيروت وسكانها. ولا تنسى المدينة إصابات أبنائها، ولا تمحو الذاكرة صور الأجساد المغطاة بالدماء بحثاً عن مستشفى أو إسعاف سعياً إلى النجاة من موت بدا قريباً. كان المصابون يُحملون على الأكتاف بحثاً عن أقرب مستشفى، وكانت جروحهم تخاط على أضواء شاشات الهواتف بعدما انقطعت الكهرباء، وهم لا يعرفون من أين تسيل دماؤهم وكيف أصيبوا وماذا حدث.

في ذلك الوقت، تحدثت وسائل الإعلام عن تسجيل أربعة آلاف إصابة. وبدأت أعداد الوفيات ترتفع ساعة بعد ساعة، لتتجاوز 200 قتيل. لكن ماذا حدث فعلاً في أروقة طوارئ المستشفيات؟ وما كانت إصابات الجرحى؟ وكيف تعاملت الطواقم الطبية مع هول الفاجعة؟ وكيف يوثّق التاريخ ما جرى في هذا اليوم؟

في الثالث من يوليو/ تموز الجاري، نشرت المجلة الطبية العالمية "ذا لانسيت" التي تُعَدّ من المجلات الطبية الأكثر قدماً وأهمية في العالم، ورقة بحثية لمجموعة باحثين لبنانيين من جامعات لبنانية مختلفة، من بينهم رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري والبروفسور في الجامعة الأميركية في بيروت أحمد منصور، تظهر مسحاً شاملاً لحالات الطوارئ وتوثق علميّاً إصابات انفجار مرفأ بيروت.

احترمت الدراسة المبادئ الأخلاقية لإعلان هلسنكي (مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي تخصّ التجارب على البشر، طُوّرت من أجل الرابطة الطبية العالمية). وشملت الدراسة 33 مستشفى ومركزاً طبياً خاصاً وتسعة مستشفيات حكومية لا تبعد أكثر من 88 كيلومتراً عن موقع الانفجار، وتمّ التواصل معها في خلال أسبوع على انفجار الرابع من أغسطس.

تبيّن نتائج الدراسة استقبال 8643 مصاباً في أقسام الطوارئ في 42 مستشفى، مقدّرة في الوقت نفسه وصول أعداد الإصابات من جرّاء الانفجار إلى 14000 إصابة. وبدأت أقسام الطوارئ تشهد اكتظاظاً بعد مرور ساعتين على الانفجار. احتاج 1056 مصاباً إلى دخول إلى المستشفى، منهم 156 إلى غرف العناية الفائقة و534 إلى غرف العمليات. وسُجّلت 93 وفاة في غضون 54 ساعة من الانفجار، ووصل 37 شخصاً متوفياً إلى المستشفيات، في وقت توفي 56 شخصاً في أقسام الطوارئ، ليتجاوز عدد المتوفين بعد مرور شهر على الانفجار مائتَين.

وتشير الدراسة إلى أنّ عدد الوفيات، مقارنة بحجم الانفجار وهول الفاجعة، منخفض. وتعزو أسباب انخفاض عدد الوفيات إلى عوامل عدّة، وهي سرعة وصول المواطنين إلى أقسام الطوارئ، والعدد الكبير من المستشفيات القريبة، وقصر المسافة بين مكان الانفجار والمستشفيات، وعدم ازدحام السير عند وقوع الانفجار، وتجهيزات المستشفيات الجيدة، وتوفّر فرق طبية ملتزمة وعالية المهنية، والخبرة الطويلة للأطقم الطبية في مواجهة الحروب والانفجارات في لبنان منذ عام 1975.

من جهة أخرى، لم يكن بمقدور المستشفيات تسجيل كلّ الإصابات بسبب الاكتظاظ. وتقدّر الدراسة عددهم بنحو 3000. كذلك وفّرت هيئات الإسعاف من جمعية الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني اللبناني (جهاز تابع لوزارة الداخلية) وغيرهما، الإسعافات الأولية لأصحاب الإصابات الطفيفة وعددهم نحو 3000 مصاب. وعمد نحو ألف مصاب إلى استشارة أقسام طوارئ أخرى في أيام مختلفة للحصول على مشورة طبية ثانية، بينما نُقل 1000 مصاب من قسم طوارئ إلى آخر للحصول على علاج أفضل.

الصورة
حرجى في أحد مستشفيات بيروت يوم انفجار المرفأ (ابراهيم عمرو/ فرانس برس)
(إبراهيم عمرو/ فرانس برس)

وكانت معظم إصابات العناية الفائقة في الرئة والدماغ. وشكّل، مثلاً، التعرّض إلى الزجاج المحطم أحد أكثر الأسباب المرتبطة بإجراء عمليات جراحية ومنها كسور الأطراف أو عطب في الأوتار أو تمزّق في القرنية. وتلحظ الدراسة ارتفاعاً في إصابات العيون، إذ تمّت معالجة 48 إصابة عين جراحياً إثر انفجار المرفأ، ما سُجّل السبب الثالث للعمليات الجراحية.

وتُشبه هذه المعطيات ما جرى في انفجار بمدينة هاليفاكس الكندية في عام 1917، عندما شاهد المواطنون الحريق قبل ربع ساعة من وقوع الانفجار، ما أسفر عن 592 إصابة في العيون بسبب شظايا الزجاج المحطم. أمّا الإصابات الأخرى، فنجمت عن وقوع أجسام متساقطة أو حروق أو فقدان السمع أو استنشاق غازات معينة.

إلى جانب ذلك، بدأت علامات الإصابة باضطرابات نفسية مثل الغضب والاكتئاب والتوتر بالظهور بعد مرور نحو خمسة أيام على الانفجار. كذلك ارتفعت أعداد الإصابات بفيروس كورونا الجدبد بعد الانفجار (على سبيل المثال، تمّ تسجيل إصابات لدى خمسة أطباء في قسم الطوارئ في مستشفى واحد بعد أيام على الانفجار) بسبب نقص معدات الحماية الشخصية لدى الطواقم الطبية، وتعدّد فرق الإسعاف لإنقاذ المواطنين، والتجمعات في تظاهرات التنديد التي شهدتها العاصمة بعد الانفجار. كما تضرّرت المستشفيات الواقعة في مدينة بيروت بمعظمها، وسجّلت ثلاثة مستشفيات قريبة من المرفأ أضراراً بالغة إلّا أنّها تمكنت وبفعل بطولي من نقل المرضى والعاملين المصابين في ظلّ غياب التيار الكهربائي وخدمة المصاعد.

في هذا الإطار، يقول المشارك في الدراسة البروفسور أحمد منصور إنّ الانفجارات بمعظمها في العالم لم توثَّق بشكل جيّد تاريخياً، منها على سبيل المثال كارثة هيروشيما النووية التي تسبّبت في وفاة 118 ألف شخص و80 ألف إصابة، أو كارثة ناكازاكي النووية التي أدّت إلى 74 ألف وفاة و75 ألف إصابة. وتسبّبت مادة نيترات الأمونيوم في كوارث في مدن عدّة حول العالم، منها تكساس الأميركية وبريست الفرنسية وميناء تيانجين الصيني، مع نقص في التوثيق وعدد إصابات أقل. من هنا، تُعَدّ الدراسة توثيقاً علمياً مهماً لكارثة انفجار مرفأ بيروت، تكشف عن مستوى الإجرام الذي حصل وعن ضرورة تحقيق العدالة المطلوبة. يضيف منصور أنّ المشاركين في الدراسة يدعون إلى أن تكون عمليات إنتاج مادة نيترات الأمونيوم وبيعها ونقلها وتخزينها تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة من ضمن ضوابط صارمة، على أن يكون تخزينها في أماكن خاصة بعيدة عن المناطق الحيوية المأهولة بالسكان.

المساهمون