"ذا لانست" تقيّم الوضع الوبائي لكوفيد-19: المرحلة المقبلة وما بعدها

06 مايو 2022
اليوم هو وقت الإتيان بجهود لإنهاء المرحلة الحادة من الجائحة (هيكتور ريتامال/ فرانس برس)
+ الخط -

تحت عنوان "كوفيد-19: المرحلة المقبلة وما بعدها"، نشرت مجلة ذا لانست الطبية، اليوم الجمعة، إحاطة بالوضع الوبائي وسط استمرار تفشّي فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) حول العالم والتزام منظمة الصحة العالمية بإعلان "الجائحة".

وبحسب "ذا لانست" يبدو العالم اليوم في وضع حرج بعد العيش مع كوفيد-19 لمدّة تجاوزت العامَين، إذ سُجّلت أكثر من 510 ملايين إصابة مؤكّدة منذ بداية رصد الحالات، بالإضافة إلى أكثر من 6.2 ملايين وفاة مؤكّدة نتيجة الإصابة بالوباء، علماً أنّه من المرجّح أن تكون الوفيات أكبر بكثير مع تقديرات تشير إلى 20 مليون وفاة.

وتوضح المجلّة المتخصّصة أنّه في بلدان عديدة، تتراجع موجات "أوميكرون"، هذا المتحوّر من الفيروس الذي يتميّز بقابليته العالية على الانتقال ومسلكه الأكثر اعتدالاً وأخفّ حدّة من متحوّرات كورونا السابقة، لا سيّما لدى الأشخاص الذين تلقّوا لقاحاتهم المضادة لكوفيد-19 كاملة وغير المصابين بأمراض أخرى. بالتالي، تعمد السلطات إلى تخفيف القيود المتعلّقة بالسيطرة على الفيروس، في حين يعود الناس شيئاً فشيئاً إلى نشاطاتهم التي كانوا قد اعتادوها قبل الجائحة، بما في ذلك التجمّعات والعمل من المكاتب والمشاركة في مناسبات ثقافية. كذلك، لم يعد من الملزم وضع كمامة أو قناع واقي، في بلدان عديدة، بالتزامن مع تراجع وتيرة الفحوص والمراقبة، وعودة حركة السفر. وإذ تلفت "ذا لانست" إلى أنّ الناس يبدون بالتالي "منهكين، بشكل مفهوم، ويرغبون في نسيان أمر الجائحة"، تشدّد على أنّ ذلك "قد يمثّل خطأً فادحاً".

لا شكّ في أنّ الوضع الوبائي يختلف بين بلد وآخر حول العالم. أمر تؤكّده "ذا لانست" كما جهات متخصصة أخرى ومنظمات ذات صلة. وتتناول المجلة الطبية الصين كمثال، فهي ما زالت تمضي في استراتيجيتها "صفر كوفيد" التي تقوم على الفحوص الجماعية وعلى الحجر الصحي والإغلاقات الشاملة التي تطاول مناطق بأكملها أو مدن، ولعلّ أحدثها إغلاق مدينة شنغهاي. تضيف "ذا لانست" أنّ "السلطات الصينية تمضي في تطبيق تدابيرها بشدّة وقساوة، من دون اعتبارات كبيرة للأكلاف البشرية"، شارحة أنّ الهدف بالنسبة إلى المسؤولين الصينيين هو تفادي تفشّ أكبر وحماية النظام الصحي وتلافي سقوط وفيات. لكنّ المشكلة تكمن في أنّ الأشخاص الأكبر سناً والأكثر هشاشة وعرضة للخطر ليسوا محصّنين بكامل لقاحاتهم في غالب الأحيان، بالإضافة إلى أنّ فعالية اللقاحات المرخّص لها هي دون المستوى.

بالنسبة إلى "ذا لانست"، لا بدّ من أن يتركّز العمل في الصين على تسريع استراتيجية تحصين فعّالة، وذلك كأولويّة أساسية. فالمقاربة التي تعتمدها بكين راهناً "ليست حلاً على المدى البعيد".

من جهة أخرى، وفي حين تحذّر منظمة الصحة العالمية من خلل في عملية التحصين الأكبر في تاريخ العالم، تلفت "ذا لانست" إلى أنّ استراتيجية التحصين العالمية بعيدة عن المسار اللازم، في ظلّ استمرار عدم المساواة غير المقبول في توزيع اللقاحات. ويبدو بالتالي، بحسب المجلة، أنّه من غير الممكن تحقيق هدف المنظمة القاضي بتحصين 70 في المائة من سكان كلّ بلد على حدة، على أقلّ تقدير، بحلول عام 2022. وتشرح: "صحيح أنّ 59.7 في المائة من سكان العالم تلقّوا جرعتَين من اللقاحات المضادة لكوفيد-19، غير أنّ أقلّ 20 في المائة من سكان أكثر من 40 بلداً يُعَدّون محصّنين بالكامل (بالجرعتَين). حتى في البلدان ذات الدخل المرتفع، تتمسّك نسبة كبيرة من السكان برفض التحصين". من هنا، ترى أنّ ظهور متحوّر جديد من الفيروس يبدو أمراً لا مفرّ منه، مع نسب العدوى المرتفعة. وفي هذا السياق، يُراقَب عن كثب المتغيّران الفرعيّان (بي إيه.4 وبي إيه.5) من متحوّر أوميكرون اللذان رُصدا للمرّة الأولى في جنوب أفريقيا. وتشدّد على أنّ "الاحتراز المستمرّ أمر أساسي في كلّ مكان".

وفي الإطار نفسه، إلى جانب عدم المساواة في عملية التحصين، تتناول المجلة الطبية الوصول البطيء والمؤجّل إلى عقار باكسلوفيد الذي تنتجه شركة فايزر للصناعات الدوائية والذي يُعَدّ واحداً من علاجات كوفيد-19 الفعالة القليلة جداً والتي تأتي على شكل أقراص. وهذا العقار، عند اللجوء إليه مبكراً، يستطيع الحدّ من الدخول إلى المستشفى وكذلك من عدد الوفيات بنسبة 89 في المائة. تجدر الإشارة إلى أنّ البلدان ذات الدخل المرتفع تضع طلبيات بملايين الأقراص، في حين تبدو بطيئة آليات توفير باكسلوفيد في البلدان ذات الدخل المتوسط وكذلك المنخفض. يُذكر أنّ اتفاقاً أُبرم عبر منظمة ميديسينز باتنت بول (Medecines Patent Pool) المدعومة من الأمم المتحدة، مع 35 مصنّع عقاقير جنيسة في 12 بلداً، غير أنّه من غير المتوقّع تسليم العقار قبل العام المقبل.

بالنسبة إلى المجلة نفسها، فإنّ الوقت الآن مناسب "للتخطيط، وللتعلّم من الأخطاء، وابتكار أنظمة صحية قوية ومقاومة إلى جانب استراتيجيات تأهّب وطنية ودولية مع تمويل دائم"، مشدّدة على أنّه "لا بدّ من تعزيز قدرات الأنظمة الصحية، ليس فقط كي تكون جاهزة لمواجهة أوبئة عالمية مستقبلية، إنّما لتتمكّن من التعامل فوراً مع التأخّر في العلاجات والتشخيص والعناية بأمراض أخرى بعد تعطّل ذلك في العامَين الماضيَين".

ومثلما أوصت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق، تجد "ذا لانست" أنّ ثمّة حاجة على الصعيد الوطني إلى إجراء تحقيقات مستقلة حول استجابة كلّ بلد للأزمة الوبائية منذ تفشّي الفيروس على أراضيه. لكنّها تلفت النظر إلى أنّ "التعلّم من الأخطاء ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، والحكومات قد تمانع تقبّل واقع أنّها أتت بأخطاء".

وتختم المجلّة التي تُعَدّ رائدة في المجال الطبي مذ أسّسها الجرّاح البريطاني توماس واكلي في عام 1823 أنّ "اليوم ليس وقتاً مناسباً للانصراف عن كوفيد-19 أو لإعادة كتابة التاريخ، بل هو وقت للإتيان بجهود ومضاعفتها من أجل إنهاء المرحلة الحادة من الجائحة في عام 2022، ولإرساء أسس مستدامة من أجل مستقبل أفضل مع محاسبة أكثر شفافية وتقبّل صريح للحقائق الحرجة".

المساهمون