في أقصى شمال قطاع غزة، يوجد المهندسان محسن أحمد وآمنة العفيفي في أرض زراعية تبعد مئات الأمتار عن الحدود مع الاحتلال الاسرائيلي، ويواصلان يومياً تطوير تجارب معالجة مشاكل التربة من خلال مُنتج "خل الخشب" الذي يستخلصونه من أخشاب أشجار مقلمة باستخدام تقنية التقطير الحراري.
ووجد المهندسان أنّ الابتكار هو الطريقة المعقولة الأكثر مثالية لمكافحة مشاكل التربة بالاعتماد على أنواع أخشاب متوفرة، وصنعا جهازاً يعمل يدوياً لاستخراج "خل الخشب"، ووضعاه في حقل زراعي.
محسن أحمد (38 عاماً) متخصص في تصميم الغرافيك ويهوى الزراعة منذ كان مراهقاً، باعتباره يعيش بين مزارعين يعرف الكثير من مشاكلهم المرتبطة بالصقيع وارتفاع الحرارة. ودفعه ذلك إلى البحث عن حلّ لمشاكل التربة بالتعاون مع زميلته أمنة العفيفي (29 عاماً)، ووجدا أنّ "خل الخشب" يحمى النباتات من التغيرات المناخية المفاجئة، ويكافح الأمراض البكتيرية، ويزيد خصوبة التربة وحيويتها ويخلق بكتيريا نافعة.
وخلال بحوثه وجد أحمد أنّ "خل الخشب" استخدم قديماً في دهن الخشب أو مضاداً للجرب، وفي الفترة الأخيرة مبيداً للحشائش والآفات، وكنوع من السماد. ونجح مع زميلته في اختبار استخدام المنتج بالتعاون مع عدد من مزارعي أشجار الزيتون، وحصلا على نتائج ايجابية في معالجة مشاكل التربة.
يوضح أحمد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن أبرز المشاكل التي تواجهها التربة في قطاع غزة إلى جانب الصقيع والملوحة، ظهور ديدان "النيماتودا" الضارة التي تقضي على النباتات، والإصابة بأمراض العفن الفيروسي والفطري، إلى جانب قلة الوعي ببعض الأمراض التي تضرب مواسم المحاصيل بسبب تأثيرات التغيرات المفاجئة للمناخ. ويكشف أنّ تجارب استخدام "خل الخشب" أثمرت نتائج جيدة في الحماية والتقليل من أضرار الملوحة، وطرد أنواع من الديدان الضارة وغيرها. يضيف: "تخصصي بعيد من مجال الزراعة، لكن الرابط المشترك هو مزج المعلوماتية بالكيمياء، وفي أي حال شغفي كبير بالزراعة، وأملك معرفة كبيرة بالقطاع، وأحاول الإفادة من تجارب المزارعين ذوي الخبرات والكفاءات التي تمتد سنوات طويلة، واتطلع إلى مواصلة ابتكار منتجات طبيعية للاستغناء عن الأسمدة الصناعية، ونشر ثقافة الزراعة العضوية واستخدام أساليب صحيحة بالزراعة والبحث فيها كمصدر دخل مستمر لهم".
ويستخدم "خل الخشب" في رش المزروعات وريّها خصوصاً الخضروات والفواكه الموسمية، علماً أنّ أحمد وآمنة واجها في البداية صعوبة في إنتاج كميات من "خل الخشب" كونه يحتاج إلى انحلال حراري لم يملكا خبرة كافية في أساليب تحقيقه، ما دفعهما إلى الاستعانة بخبرات مهندسين فلسطينيين وآخرين من مصر، وبينهم مهندسون حصلوا على خبرات من اليابان.
وأجرى أحمد وآمنة تجارب على أنواع الخشب الموجودة والمتوفرة في قطاع غزة، وحاولا إنتاج الخل من أخشاب عدة، لكنهما وجدا أنواع أخشاب ذات خصائص متقاربة وبعضها مختلف، وصولاً إلى تحديد أفضلها لإنتاج الخل، وهي أخشاب أشجار الزيتون ومخلفات أشجار الحمضيات والخيزران.
وساعد تخصص آمنة في الكيمياء في تنفيذ تجارب بالاعتماد على مراجع إنكليزية عرضت لأفضل الطرق والابتكارات الزراعية التي ظهرت وسط أزمات إنسانية مماثلة لتلك في قطاع غزة، وحققت فوائد في تأمين الغذاء والأغراض الزراعية.
وشارك أحمد وآمنة في مسابقة للابتكارات البيئية شهدت تقديم 300 مشروع زراعي تأهل منها 30 للمرحلة النهائية، وانتزعا المركز الأول. وتقول آمنة لـ "العربي الجديد": "المشروع جديد ويشمل تكنولوجيا للتقطير الحراري تحاول معالجة المشاكل التي شهدتها المواسم الزراعية والمحاصيل في الفترات الأخيرة".
تضيف: "يفكك خل الخشب الأملاح في التربة ويخفف تكدسها، علماً أن وجودها في المزروعات يرتبط بقرب الأراضي من شاطئ البحر، واحتواء المياه الجوفية كميات كبيرة منها. أيضاً تشمل مشاكل الديدان الضارة أكثر من ثلثي أراضي قطاع غزة". وتوضح أنّ "الجهاز لا يزال يستخدم تقنيات أولية، ويخلو من تقنيات ضبط الكميات للتحكم بالإنتاج، والتي تتطلب توفير دعم مالي، علماً أن تطوير التقنيات سيسمح بتسريع الإنتاج وبالتالي معالجة المشاكل في وقت أسرع، ونحن نستهدف تحديداً القضاء على بيوض الديدان الضارة".