"جمرك قطارات" في مصر وأبناء الصعيد غاضبون

03 أكتوبر 2020
أزمات عدة تعاني منها قطارات مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

حكايات القطارات لا تنتهي في مصر، فعلى الرغم من كلّ أزماتها الخاصة، بما فيها من حوادث متكررة، ها هي تفرض رسوماً جديدة على الركاب، ترتبط بأمتعتهم وحمولاتهم حتى تلك التي تتدنى إلى عشرة كيلوغرامات لا غير

تحمل زيارة الأهل للصعيدي النازح إلى العاصمة المصرية القاهرة، بهدف العمل، والعكس بالعكس، أهمية قصوى، خصوصاً بما يرافقها من هدايا واحتياجات عدة، هو الذي ينقطع عن أسرته بهدف كسب الرزق والعودة إليها مرة كلّ عدة أشهر في زيارات خاطفة. لكنّ قرار الهيئة القومية لسكك حديد مصر بفرض رسوم على أمتعة الركاب من حقائب وصناديق وغيرها، أثار حالة من الغضب بين الركاب في الوجهين البحري والقبلي، خصوصاً أهالي الصعيد ممن يفضّلون السفر دائماً بالقطارات، لطول المسافة في الذهاب والعودة.

بدورها، تعتبر هيئة سكك الحديد، أنّ فرض رسوم على متعلقات الركاب بالقطارات، يأتي في إطار تعظيم إيراداتها وتعويض جزء من خسائرها، فهي لم تكتفِ بزيادة أسعار تذاكر القطارات أكثر من 200 في المائة، خلال السنوات الماضية، من بينها رفع التذاكر مؤخراً، يوم عيد الأضحى، بخلاف تطبيق عشرات من الغرامات على الركاب بصفة يومية، من بينها الغرامة على الركوب من دون تذكرة والتي تصل إلى ما بين 20 جنيهاً (1.27 دولار أميركي) و50 (3.17 دولارات) بخلاف دفع التذكرة، على جميع القطارات المكيفة والمميزة والعادية، إذ يستسهل بعض الركاب ركوب القطارات من دون تذكرة بسبب الازدحام على الشبابيك، على أن يجري دفعها للكومسري (المحصّل) داخل القطار، والممتنع يجري تحرير محضر له في أقرب مركز شرطة، وغرامة قدرها 200 جنيه (12.67 دولاراً) في حالة الركوب على أسطح القطارات أو بين عرباته وهم في معظمهم من الفقراء، وغرامة قدرها 210 جنيهات (13.31 دولاراً) في حال حمل الراكب أيّ مواد قابلة للاشتعال، وغرامة قدرها 50 جنيهاً (3.17 دولارات) في حال النزول أو الصعود من القطارات أثناء سيرها، وغرامة قدرها 50 جنيهاً (3.17 دولارات) في حال دخول منشآت السكة الحديد وملحقاتها من دون تذكرة، وغيرها من الغرامات اليومية التي يقع فيها المواطن.
وتأتي رسوم أمتعة المتعلقات المفروضة على الركاب، لتضاف إلى الأزمات التي أحدثها قانون التصالح على مخالفات البناء، وإزالة عدد من المباني المخالفة والخوف من استمرار حملات الإزالة، فضلا عن اقتطاع 1 في المائة من أجور الموظفين في القطاعين الحكومي أو الخاص لمدة عام تحت مسمى "المساهمة التكافلية لمواجهة التداعيات الاقتصادية لكورونا"، وهي كلّها أموال تدخل في صندوق "تحيا مصر" الموازي للاقتصاد الحكومي.
يعتبر مصدر مسؤول في هيئة سكك الحديد، أنّه كان الأولى بالجهات المسؤولة بالهيئة، بدلاً من فرض رسوم على متعلقات المسافرين بالقطارات، حلّ أزمة تأخر وصول وانطلاق القطارات، التي تعدّ مشكلة كبيرة تؤرق الركاب، إذ تصل مدة التأخير إلى أكثر من ثلاث ساعات، خصوصاً قطارات الصعيد، وحلّ مشكلة تهالك البنية التحتية للمحطات، على رأسها محطة رمسيس الرئيسية وتهالك أرصفة قطارات الصعيد فيها، فضلاً عن حلّ أزمة حوادث القطارات المميتة والمزلقانات (معابر للمشاة والعربات فوق السكة) التي تلتهم الضحايا لعدم وجود كباري علوية فوقها، وتجديد القضبان وعربات القطارات وتعطل الإشارات التي تتحكم في سير القطارات. ويشير إلى أنّ الغرامات كلّها أموال تدخل في جيوب المسؤولين، والضحية هو المواطن كما العامل "الغلبان" بمرفق الهيئة الذي لا حول له ولا قوة سوى راتبه الضعيف.
وتراوحت رسوم المتعلقات بين 30 جنيهاً (1.90 دولار) و140 (8.87 دولارات) بحسب الوزن ومسافة كلّ رحلة، بواقع 30 جنيهاً (1.90 دولار) لمتعلقات يتراوح وزنها ما بين 10 كيلوغرامات و30 كيلوغراماً، ومسافة الرحلة تتراوح بين 151 و300 كيلومتر، و50 جنيهاً (3.17 دولارات) لمتعلقات يتراوح وزنها بين 31 كيلوغراماً و60 كيلوغراماً، و80 جنيهاً (5 دولارات) لمتعلقات وزنها ما دون 100 كيلوغرام، وفرض أعلى رسوم مالية وقدرها 140 جنيهاً (8.87 دولارات) على حمولة تزن 100 كيلوغرام وما فوق، وتقدر المسافة بناء على تذكرة الراكب، على أن يتم التحصيل عبر الكومسري داخل القطار.
وتوقع أحد محصّلي القطارات ويدعى يسري، أن يسبب ذلك أزمة بين الراكب والمحصل في تقدير نسب الوزن، فليس من المعقول أن يكون هناك ميزان داخل القطار، وإلاّ حدثت حالة من الفوضى والاشتباكات بين الركاب بسبب الازدحام على الميزان، مشدداً على أنّ الأزمة سيتصدر مشهدها الكومسري، الذي يمكن أن يكون ضحية، كما حدث مع عدد من المحصلين خلال الأشهر الماضية، بسبب الخلافات والمناوشات مع الركاب بسبب الأمتعة.
يشكو عدد من ركاب قطارات الصعيد، من دفع رسوم على أمتعتهم الشخصية، مؤكدين لـ "العربي الجديد" أنّ الزيارات والهدايا التي يحملونها لأولادهم وذويهم بعد أشهر من الغربة مهمة ولا بد منها. يقول محمد جاد، وهو عامل في القاهرة، إنّه يذهب كلّ ستة أشهر إلى أسرته في الصعيد حاملاً الهدايا التي ينتظرونها، متسائلاً: "هل أدخل على أولادي بهدومي (ملابسي) فقط؟". ويتابع: "يجبروننا على كره الحياة نفسها، وما يجري حرام، ألا تكفي أسعار التذاكر التي باتت باهظة وغير متوفرة، عدا عن تأخر القطارات؟". كذلك، يطالب محمود يونس، وهو موظف في القطاع الخاص، بمنع تحصيل تذاكر على أمتعتهم الشخصية على غرار ما يحدث في الباصات الخاصة، مشيراً إلى أنّ هناك مواطنين يحضرون إلى القاهرة للعلاج، ومعهم أمتعتهم، معنى ذلك أنّهم سوف يدفعون رسوماً في الذهاب والعودة، في ظلّ الخدمة السيئة غير الإنسانية داخل المحطات وفي القطارات.

أما عبد العال أحمد، وهو تاجر أدوات مكتبية، بمحافظة الأقصر، في صعيد مصر، فيقول إنّه يسافر كلّ عام إلى القاهرة لشراء الأدوات المكتبية من سوق الفجالة، وسط القاهرة، لرخص أسعارها: "معنى ذلك أنّي سأدفع 140 جنيهاً (8.87 دولارات) في القطار على الأمتعة، بخلاف أتعاب الركوب إلى المحطة، وثمن تذكرة الرحلة" واصفاً الرحلة بأنّها "كلّها مشقة وتعب". ويوضح أنّ حال السكة الحديد تسير كلّ يوم من سيئ إلى أسوأ، وبالتالي "بلاها سفر (يعلن امتناعه عن السفر)".

المساهمون