بعد مرور نحو سبعة عقود على بنائها في بداية خمسينيات القرن الماضي، ما زالت الأبراج الستالينية أو "الأخوات السبع" كما تلقّب، رمزاً من رموز العاصمة الروسية موسكو، وتجسيداً لقوة الاتحاد السوفييتي في فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وبدأ إنشاء الأبراج الستالينية في موسكو بموجب قرار مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي المؤرخ بـ 13 يناير/ كانون الثاني 1947. ولدى الاحتفال بذكرى مرور 800 عام على تأسيس موسكو في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وضعت أحجار الأساس لثمانية أبراج أشهرها المبنى الرئيسي لجامعة موسكو الحكومية، وشيّدت سبعة منها وجمدت أعمال بناء أحد الأبراج بعد وفاة الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين عام 1953.
بالإضافة إلى جامعة موسكو، فإن الأبراج الستالينية هي مقر وزارة الخارجية الروسية في ساحة سمولينسكايا إلى جوار شارع أربات السياحي، وفندقان فاخران، ومبنيان سكنيان وآخر إداري ـ سكني، وتقع جميعها في محيط وسط موسكو. أما البرج الثامن، فلم يكتب له القدر أن يرى النور حيث أنشأ في موقعه المطل على نهر موسكفا فندق "روسيا" الذي دخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأكبر فندق في العالم ضم أكثر من 3 آلاف غرفة. لكنه هدم في عام 2006، وجرى تأسيس حديقة "زارياديه" العامة في مكانه في وقت لاحق.
في هذا الإطار، يذكر مدير مكتب "راديوس" للرحلات في موسكو المؤرخ والمرشد السياحي، أنطون لاتينين، أن الأبراج الستالينية هي أولى المباني المرتفعة في العاصمة السوفييتية والروسية، وشكلت رمزاً لقوة الاتحاد السوفييتي في النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويقول لاتينين في حديث لـ "العربي الجديد": "باستثناء مشروع إنشاء قصر السوفييت الذي لم يتحقق، جاءت الأبراج الستالينية أول مشروع لإنشاء مبان بالغة الارتفاع في موسكو، إذ إن ستالين كان يعتبرها سابقاً رمزاً للدول الرأسمالية. لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعتبر أنه أصبح هناك عالم ونظام جديدان. وفي حال لم ينشئ الاتحاد السوفييتي أبراجاً مرتفعة، فسينظر الغرب إليه نظرة دونية. لذلك، تقرر بدء بناء الأبراج في عام 1947 بمناسبة حلول ذكرى 800 عام على أول ذكر لاسم موسكو في المخطوطات التاريخية. لكنه تم فعلياً استخدام الأبراج بعد وفاة ستالين، وبذلك جاءت الأبراج كآخر هدية منه قبل رحيله".
ويوضح أنّ الأبراج الستالينية شكلت أيضاً رمزاً لتوسع الاتحاد السوفييتي في مناطق نفوذه المباشر في أوروبا الشرقية، حيث تم إهداء برج ستاليني إلى بولندا عن طريق إنشاء قصر العلوم والثقافة وسط عاصمتها وارسو، فيما تم إنشاء برج آخر أقل ارتفاعا في مدينة ريغا عاصمة جمهورية لاتفيا السوفييتية آنذاك. واللافت أن المهندس المعماري ليف رودنيف، الذي صمم مبنى جامعة موسكو، هو نفسه من أشرف على بناء قصر العلوم والثقافة في وارسو.
وفي عام 1950، وجه ستالين بوضع مستدقة متوجة بنجمة فوق جميع الأبراج. وعلى الرغم من أن التصميم الأصلي لبناية وزارة الخارجية لم يكن يقتضي وضع مستدقة فوقها، إلا أن المهندسين المعماريين تمكنوا من نصب أخف مستدقة ممكنة بلا نجمة لعدم إلحاق ضرر بسطح المبنى. بذلك، أصبحت وزارة الخارجية هي البرج الستاليني الوحيد في موسكو بلا نجمة في قمته.
وحول مكانة الأبراج الستالينية في موسكو اليوم، يضيف لاتينين: "ما زالت هذه المباني رمزاً من رموز موسكو حتى اليوم، وتثير دائماً اهتمام السياح الروس والأجانب، ولا يخلو فيلم تدور أحداثه في موسكو من مشاهد تظهر فيها الأبراج الستالينية. ويحتضن برجان فندقين من فئة 5 نجوم، بينما تحظى الشقق السكنية في الأبراج الستالينية بإقبال من أثرى أثرياء البلاد. وحتى في الحقبة السوفييتية، سكن في الأبراج الستالينية كبار رجال الجيش والمخابرات، وممثلو النخبة الحاكمة والثقافية والفنية".
ويظهر البحث على المواقع الروسية لإعلانات العقارات أن أسعار الشقق بالبرج الستاليني الواقع على ضفة كوتيلنيتشيسكايا والمطل على نهر موسكفا، تبدأ من نحو 350 ألف دولار لشقة متهالكة لا تتعدى مساحتها 50 متراً، وتصل إلى ما يقارب من 3 ملايين دولار للشقق الفاخرة ذات المساحة الكبيرة والمطلة على الكرملين وغيره من معالم موسكو.
أما أسعار الإقامة في فندق "راديسون أوكرانيا" الذي يحتضنه البرج الستاليني المطل على نهر موسكفا والبيت الأبيض (مقر الحكومة الروسية)، فتبدأ من 200 دولار لليلة الواحدة، وسط إقبال السياح الأثرياء الروس والأجانب على الإقامة فيه.
ولما كانت عمارة الحقبة الستالينية تعد رمزاً للعظمة وجودة أعمال البناء، تستثمر شركات البناء هذا الاعتقاد الراسخ لدى قطاع كبير من الروس للتسويق لمجمعات سكنية حديثة ذات الأسلوب المعماري نفسه، ومنها مجمع "تريومف بالاس" السكني الفاخر المستوحى من الأبراج الستالينية.