"أبو العربانة"... مهنة الفقراء في أسواق العراق

14 ديسمبر 2021
الحمولة ثقيلة والمهنة متعبة (العربي الجديد)
+ الخط -

ربّما عُدَّت مهنة الحمّال في الأسواق الملجأ الأخير للعاطلين من العمل في العراق. وتعدّ إحدى المهن المتوافرة في البلاد ويمكن أيّ شخص مزاولتها، إذ لا تتطلب سوى مبلغ مالي بسيط لشراء عربة. وتكثر العربات في الأسواق، وأغلب العاملين في هذه المهنة الشاقة من شريحة الشباب. وللأطفال وكبار السنّ نصيب أيضاً من العمل في هذه المهنة التي يطلق على ممتهنها "أبو عربانة"، واسم "عربانة" على العربة، وتصنع بأحجام مختلفة، وتكون من الحديد أو الخشب.
وعلى الرغم من أنّ هذه المهنة ليست جديدة في الأسواق العراقية، فقد زادت أكثر مع ارتفاع نسبة البطالة في البلاد إثر تداعيات فيروس كورونا الجديد منذ مارس/ آذار 2020، كما يقول العاملون في السوق لـ "العربي الجديد". أحد هؤلاء، ويدعى فاضل السعيدي، يبيع المكسرات والحلويات في سوق الشورجة في بغداد، وهو أحد أبرز أسواق المواد الغذائية وأكبرها في البلاد.
يؤكد السعيدي أن عمل التجار والباعة والمتسوقين مرتبط بـ"أبو العربانة"، مضيفاً: "ليس هذا وليد اليوم، بل يعود إلى نشأة الأسواق والتجارة". ويقول إنّ "حمل الأغراض ليس عملاً سهلاً ويتطلب جهداً بدنياً. والأهم بالنسبة إلى أصحاب البضائع، أمانة الحمّال أبو العربانة. لكن لكون العمل بلا قيود والأسواق كبيرة، ينخرط الباحثون عن عمل في هذه المهنة. وبات السوق مكتظاً بالعربات بما يفوق حاجته نتيجة ارتفاع نسبة البطالة كأحد تداعيات كورونا. هذا ما نلاحظه بوضوح في الأسواق".
وما زالت وزارة التخطيط العراقية تعتمد على المؤشرات السابقة للبطالة التي تشير إلى أن نسبتها هي 13.8 في المائة. إلّا أنّ الأرقام التي أصدرها أخيراً الجهاز المركزي للإحصاء أشارت إلى أنّ نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية ما بين 15 و29 عاماً تبلغ 30.5 في المائة، لكنّها أقل بكثير من التي أعلنها صندوق النقد الدولي، الذي أظهر أنّ معدل البطالة لدى شريحة الشباب في العراق يبلغ أكثر من 40 في المائة. أما معدل الفقر في العراق، فقد ارتفع بسبب تأثير كورونا وبلغ نحو 31.7 في المائة، بحسب بحث سابق أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" ووزارة التخطيط والبنك الدولي والشركاء في العام الماضي.

الصورة
مهنة الحمال في العراق (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

تلك الإحصائيات تُعلّل سبب انخراط المزيد من الباحثين عن عمل في مهنة حمل البضائع في الأسواق التي يجدها كثيرون حلاً مناسباً لـ "تخطي مرحلة زمنية"، بحسب ميثم صادق. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه نجح في الحصول على مكانة بين التجار والباعة في السوق. ويجب على أبو العربانة إثبات أمانته ليكسب ثقة العاملين في السوق، لكونه ينقل بضائع الباعة والتجار والمتسوقين. يضيف أنّه لجأ إلى العمل في هذه المهنة بعدما كان يعمل سائق سيارة أجرة، لكنّه فقد عمله من جراء الأزمة الاقتصادية. ونتيجة للثقة التي نالها بين الباعة والتجار، يقول صادق، الذي يعيل أسرته المكونة من أربعة أشخاص، إنّه يكسب جيداً من عمله الذي بدأه منذ أكثر من عام ونصف عام. 
ولا يمكن دخول أي سوق شعبي أو سوق متخصص إلّا وتتناهى إلى السمع عبارة أبو العربانة، وهي الكلمة المعتادة في هذه الأماكن، إذ تدل على أنّ أحدهم ينادي أحد الحمالين لنقل الأغراض، وهي شبيهة بطلب سيارة أجرة من خلال النداء في الشارع للذهاب إلى مكان ما.

الصورة
مهنة الحمال في العراق (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، يقول زيد طارق، وهو عشريني تخرج من الجامعة قبل عامين، لـ"العربي الجديد" إنّ "مهنة الحمال متعبة وشاقة ولا تخلو من مذلة، لكن عليّ أن أنجح لأساعد أسرتي في تأمين معيشتها". يضيف أنّ مظهره يكون بائساً عادة وملابسه غير مهندمة، ويستمر عمله لساعات طويلة، إذ لا يجد الوقت لعيش حياته الطبيعية. ويشير إلى أنه في "أيام كثيرة، أعود إلى المنزل مع غروب الشمس، ولم أجمع من عملي سوى عشرة آلاف دينار (6 دولارات)، وهي لا تكفي لشراء وجبة طعام لأسرتي".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

"أبو العربانة" من بين المهن غير المحددة بشروط. ويلجأ الأطفال إليها، إذ تنتشر عمالة الأطفال في ظل غياب أي متابعة رقابية من قبل مؤسسات الدولة، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الفقر التي تضطر العائلات إلى دفع أبنائها الصغار إلى سوق العمل.

الصورة
مهنة الحمال في العراق (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

حيدر الذي لم يتجاوز الحادية عشرة، يملك منذ أكثر من ثلاثة أعوام عربة للعمل بسوق الجملة للخضار والفاكهة شرقي العاصمة بغداد. ينقل الطفل البضائع من المحال داخل السوق إلى سيارات المتبضعين ليحصل على مبلغ من المال بعد كلّ عملية توصيل، معتمداً على عربته التي صنعها من الخشب، علماً أنّ حجمها صغير يناسب قدرته على جرّها.

ويقول سلطان المحمداوي الذي يملك مخزناً في السوق إنه يتكفل بمتابعة حيدر، مضيفاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ "حيدر يتيم الأب، ووالدته أوصتني بالاعتناء به. كذلك فإنّ عدداً كبيراً من الأطفال يعملون في السوق. عائلاتهم الفقيرة تضطر إلى زجهم في سوق العمل، وكثيرون يعملون حمالين ويدفعون العربات على الرغم من صغر سنهم".

المساهمون