محكمة دولية خاصة بجرائم النظام السوري الكيميائية؟

02 ديسمبر 2023
سوريون يحيون الذكرى العاشرة لهجوم الغوطة، أغسطس الماضي (عزالدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

في ظل محاولات الالتفاف السياسي على القضية السورية، من خلال عمليات التطبيع والتقارب مع النظام السوري، تتحرك منظمات سورية لإدانة النظام أمام المحاكم الدولية، لا سيما مع مئات الجرائم التي يتهم النظام ورئيسه بشار الأسد بالوقوف وراءها، لا سيما تلك التي استخدمت فيها قوات النظام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في مواضع مختلفة من الجغرافية السورية، وأوقعت مئات المدنيين من الضحايا والمصابين.

وفي حين صادف الخميس 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية، كشفت منظمات سورية عن جهود مشتركة، تهدف للدفع لإنشاء محكمة دولية خاصة بالجرائم المرتكبة باستخدام الأسلحة الكيميائية، لا سيما في سورية.

فضل عبد الغني: الجهد الحالي لا يزال في إطار المبادرة

وقالت المنظمات في بيان مشترك، تم نشره على منصة أنشئت لهذا الغرض، إن "المحكمة الجنائية الدولية (ICC) تستطيع تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية عن تورطهم في استخدام السم، أو الأسلحة السامة، أو غيرها من الغازات الخانقة، وهو نوع من الأسلحة الكيميائية التي تم استخدامها في سورية، كما أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ومع ذلك، في حالات مثل سورية، حيث مُنعت المحكمة الجنائية الدولية من التصرف، لا يوجد سبيل للمساءلة الجنائية على المستوى الدولي للضحايا والناجين من هذه الجريمة، وهنا نشأت فجوة للإفلات من العقاب أدت إلى تلاشي هذا العرف الدولي المتين".

وبناء على ذلك، أصدرت "منظمات سورية وأفراد متأثرون بالأسلحة الكيميائية، بمن فيهم الناجون والشهود على هذه الهجمات، دعوة عامة لإنشاء محكمة جنائية دولية لاستخدام الأسلحة الكيميائية تحت مسمى المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيميائية (ECWT)"، وفق البيان.

محكمة للمساهمة في محاسبة الجناة

وأشار البيان إلى أنه "بعد أكثر من عامين من المشاورات مع الخبراء القانونيين والتقنيين والحكومات والمنظمات الدولية، وانطلاقاً من الحاجة إلى مكافحة فجوة الإفلات من العقاب الناشئة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، بهدف ردع استخدامها في المستقبل، فإن إنشاء مثل هذه المحكمة سيوفر مساحة للبت في الأدلة التي تم جمعها، والتي لا يوجد لها منفذ قضائي دولي، وتوفير مستوى من الإنصاف للضحايا، والمساهمة في محاسبة الجناة".

وأوضح البيان أنه "لإنشاء هذه المحكمة، ستعمل الدول بشكل جماعي في إطار حقوقها كدول، والالتزامات المتأصلة والمنصوص عليها في المعاهدات والأعراف الدولية"، وإن "الدول التي ستنشئ المحكمة الاستثنائية المقترحة للأسلحة الكيميائية ستسد بحزم فجوة الإفلات من العقاب القائمة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في الحالات التي يتم منع المحكمة الجنائية الدولية من التصرف فيها".

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر سورية أن ممثلين من المنظمات أجروا اجتماعات في عدد من الدول، وبحثوا مع دبلوماسييها ومنظمات فاعلة فيها مسألة تأييد إنشاء المحكمة. وأشارت المصادر إلى أن تلك الاجتماعات والجولات ستستمر لتحصيل نتائج في هذا السياق، لكن المصادر فضلت عدم ذكر الدول التي زارتها واجتمعت مع مسؤوليها بهذا الإطار.

وفي معرض تعاطيها مع مبادرة المنظمات السورية، قالت وكالة "رويترز" إنها اطلعت على وثائق تظهر عقد العديد من الاجتماعات الدبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.

دبلوماسيون من 44 دولة شاركوا في المناقشات

وقال المحامي البريطاني السوري إبراهيم العلبي، وهو أحد الشخصيات الرئيسية وراء هذه المبادرة، إن دبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من مختلف القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.

وأضاف لـ"رويترز": "بينما يطالب بها السوريون بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، إذا رغبت الدول في ذلك، فإن الأمر قد يتجاوز ما هو أبعد من سورية بكثير".

ونقلت الوكالة عن ثلاثة دبلوماسيين من دول في شمال وجنوب العالم قولهم إن حكوماتهم تناقش إنشاء المحكمة. وقال أحد المصادر: "هناك اهتمام جدي، واهتمام بالغ، واعتراف بالحاجة إلى شيء كهذا لمعالجة فجوة الحصانة بالأساس".

الجهد الحالي لا يزال في إطار المبادرة

وأشار مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني إلى أن "الجهد الحالي لا يزال في إطار المبادرة"، مضيفاً، لـ"العربي الجديد"، أن "الحوارات والنقاشات في سبيل هذه المبادرة كانت مع أكثر من 30 دولة، وهذه الدول أبدت استعدادها لتبني المقترح، بما يعني موافقة أولية وليست موافقة كاملة".

وعن الخطوات القادمة، قال عبد الغني إن "هذه الدول ستجتمع، وبعد ذلك سيتبيّن من التي ستتبنى المبادرة والمقترح والموافقة عليهما بشكل كامل، ومن ثم سيتم الإعلان، سواء من قبلنا أو من قبل تلك الدول عن الخطوات التي تلي موافقة الدول"، لكن عبد الغني رجّح أن تأخذ هذه الإجراءات وقتاً ليس بالقصير.

وتتمتع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بسلطة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية، وتحديد الجناة المزعومين في بعض الحالات، لكنها لا تتمتع بسلطة الملاحقة القضائية. ودانت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام بالوقوف وراء عدد من الهجمات الكيميائية.

37 ألف دليل على تورط النظام باستخدام المواد السامة

وقال نضال شيخاني، وهو مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، إن المركز الذي يديره عمل على مدار 10 سنوات في مجال توثيق كافة الحوادث باستخدام الأسلحة الكيميائية لأغراض عدائية في سورية، وقد جمع المركز 37 ألف دليل على تورط النظام السوري باستخدام المواد السامة في عدة مناسبات.
‏‎

نضال شيخاني: جمعنا 37 ألف دليل على تورط النظام السوري باستخدام المواد السامة في عدة مناسبات

وأضاف شيخاني، لـ"العربي الجديد": "في بداية العام الحالي قدم مركز التوثيق مقترح إلى المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لطلب إنشاء كيان قضائي يضمن محاكمة المتورطين في الهجمات الكيميائية، وعلى هذا الأساس تمت مناقشة هذا المقترح في أكثر من اجتماع ضمن الدول الأطراف، ولا يزال المقترح قيد البحث والنقاش حتى الآن، وذلك لإيجاد آلية مناسبة تضمن تأسيس ودعم هذا الكيان ضمن صلاحياته في ملاحقة المتورطين".
‏‎

وأكد شيخاني أن النظام ثبت تورطه وإدانته باستخدام السلاح الكيميائي من قبل عدة آليات للتحقيق والتقصي، منها آلية التحقيق المشتركة، وفريق التحقيق وتحديد الهوية، في ثمانية مواقع، وهي: الغوطة الشرقية 2013، سرمين، قميناس، تلمنس 2015، سراقب 2016، خان شيخون 2017، دوما 2018، وثلاث هجمات في قرية اللطامنة بريف حماة 2017.

وتعتبر أبرز المجازر والجرائم التي يُتهم النظام بارتكابها باستخدام السلاح الكيميائي، كل من مجزرة الغوطة عام 2013 والتي ذهب ضحيتها 1400 مدني، ومجزرة خان شيخون 2017 وقضى فيها نحو 100 مدني، ومجزرة دوما عام 2017 وقتل فيها أيضاً حوالى 100 مدني، بالإضافة لإصابة العشرات، بعضهم أثرت الإصابة على وضعه الصحي حتى الآن.

وعلى الرغم من أنّ القرار 2118، كان بمثابة إنقاذ للنظام الذي توقع العالم نهايته بعد ارتكابه مجزرة الغوطة عام 2013، إلا أنه كذلك لا يزال يشكل كابوساً بالنسبة للنظام. إذ يقضي القرار بانضمامه لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وسحب وتفكيك ترسانته الكيميائية، وهذا ما يقول النظام إنه طبّقه، إلا أنّ المقلق بالنسبة له هو فرض عقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال استخدم السلاح الكيميائي مجدداً، وفقاً للقرار الأممي، وهذا ما ثبت بالفعل من قبل الآلية الأممية المشتركة، وتقارير أخرى.

وكانت وزرة الخارجية الأميركية كشفت، نهاية العام 2020، عن تقرير أرسلته إلى الكونغرس، يؤكد مواصلة نظام الأسد مساعيه للحصول على مكونات لبرامج الأسلحة الكيميائية والصواريخ، حيث يسعى لتطوير إمكانياته وقدراته في إنتاج أسلحة استراتيجية، والتي كانت قد تآكلت خلال الحرب الدائرة منذ سنوات.

وأشار التقرير إلى أنّ الخارجية تراقب عمليات الشراء التي يقوم بها النظام لدعم منظومة الأسلحة الكيميائية وبرامجه الصاروخية، وسط مخاوف من ضلوع إيران في مساعدة النظام على التزوّد بصواريخ بالستية تدعم ترسانة غازي السارين والكلور لديه.

النظام لا يزال يحتفظ بترسانة كيميائية

وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، صدر أول أمس الخميس بهذا الخصوص، فإنَّ النظام السوري لا يزال يحتفظ بترسانة كيميائية، وهناك تخوف جدي من تكرار استخدامها. وأشارت الشبكة إلى أن هجمات النظام السوري بالسلاح الكيميائي تسببت في مقتل ما لا يقل عن 1514 مواطناً سورياً خنقاً، بينهم 214 طفلاً و262 سيدة، إضافةً إلى 12 ألف مُصاب ينتظرون محاسبة النظام السوري.

وسجَّل التقرير ما لا يقل عن 222 هجوماً كيميائياً في سورية، وذلك منذ أول استخدام موثَّق في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان لاستخدام الأسلحة الكيميائية في 23 ديسمبر/كانون الأول 2012 حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كانت 217 منها على يد قوات النظام السوري، و5 على يد تنظيم "داعش".