تشكيك بـ"عفو الأسد": وسيلة لتجنيد المفرج عنهم

20 نوفمبر 2023
من حراك في إدلب للإفراج عن المعتقلين، 2021 (عزالدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

شكّكت جهات حقوقية وإنسانية سورية معارضة بفاعلية مرسوم "العفو العام" الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الخميس الماضي، لجهة عدم شموله معتقلي الرأي والمعارضين للنظام، في حين يريد النظام، من خلال إصدار مثل هذه المراسيم، الإيهام بالبدء في حلّ الملفات المطلوبة منه عربياً وإقليمياً بموجب المبادرة العربية (الأردنية) التي أعادته إلى الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي، لا سيما ما يخص قضية المعتقلين والمختفين قسراً، إلى جانب ملفات أخرى.

الجرائم المشمولة بعفو الأسد تستثني المعارضين

ويزيد في الشكوك عدم الوضوح في البيانات والتصريحات الصادرة عن أجهزة النظام حول المفرج عنهم بموجب المرسوم، الذي دخل حيّز التنفيذ منذ صدوره في 16 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إذ نقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام تصريحات لوزير العدل في حكومة النظام أحمد السيد، نشرتها أمس الأحد، بأنه "لا يمكن حالياً إعطاء إحصائية دقيقة عن عدد الذين أٌطلق سراحهم، لأنه يومياً هناك موقوفون يُطلق سراحهم ممن شملهم مرسوم العفو". لكنه قال إن هناك "إطلاق سراح عدد كبير من الموقوفين في دور التوقيف وأقسام الشرطة ممن شملهم مرسوم العفو".

عمار عز الدين: لن يستفيد المعتقلون بموجب التهم الكيدية التي لفّقها النظام للمعارضين من العفو

من جهته، قال المحامي العام الأول في دمشق محمد عيد بالوظة إنه جرى إخلاء سبيل 350 موقوفاً في دمشق حتى ساعة إعداد الخبر (نُشر في عدد الصحيفة الصادر أمس الأحد)، مشيراً إلى أن العمل مستمر بشكل يومي لإطلاق سراح المستفيدين من المرسوم. ولفت إلى أن "أعداد الذين سيُطلق سراحهم وشملهم مرسوم العفو سوف يتضاعف بشكل يومي باعتبار أن المرسوم شمل بعض العقوبات بشكل جزئي".

وأصدر الأسد المرسوم 36 لعام 2023 الذي يمنح بموجبه "عفواً عاماً" عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 16 نوفمبر 2023، وشمل القرار العفو عن كامل العقوبات في الجنح والمخالفات، وكذلك عن جميع تدابير الإصلاح والرعاية للأحداث، بالإضافة إلى كامل العقوبات المؤبدة أو المؤقتة للمصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء.

كما يشمل المرسوم العقوبات العسكرية أيضاً في الجرائم المتعلقة بالفرار الداخلي من الخدمة العسكرية، لكن أحكامه لا تشمل "المتوارين عن الأنظار والفارين من وجه العدالة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال 3 أشهر بالنسبة للفرار الداخلي و6 أشهر بالنسبة للفرار الخارجي".

تمويه وتجنيد

واعتبر المحامي والحقوقي عمار عز الدين، عضو "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، أن "مرسوم العفو جاء هزيلاً، مفتقراً إلى نهج التسامح، وخبيثاً في مواده القانونية التي تحتوي على خداع قانوني، في محاولة من النظام لأن يوصل رسالة إلى السوريين بتغير نهجه".

وأكد عز الدين، لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى بالنسبة للمعتقلين بموجب التهم الكيدية التي لفّقها النظام للمعارضين، فلن يستفيدوا منه، ولن يُفرج عن عدد كبير من المعتقلين"، مشيرا بذلك إلى الاستثناءات في المرسوم التي تشمل "النيل من هيبة الدولة، وإضعاف الشعور القومي، والإرهاب، والتجسس، وحمل السلاح، وغيرها"، والتي يستطيع النظام التعامل معها بوضع من يشاء من معتقلي الرأي تحت إطارها، وفق عز الدين.

وأضاف المحامي: "هدف النظام السوري من المرسوم هو سوق أعداد إضافية من الشبان لأداء الخدمة العسكرية وزجّهم في معاركه، حيث شمل المرسوم المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، ويأتي هذا في ظل نقص في الخزان البشري لديه، كما أن اعتماده على المليشيات بات مكلفاً له".

فضل عبد الغني: المرسوم يأتي ضمن مطالب سعودية عربية بإطلاق سراح آلاف المعتقلين

وكرّر الحقوقي السوري التحذيرات من أن النظام يعتمد على سياسة إغراق المجتمع الدولي بالتفاصيل وإلهاء الشارع السوري، بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية بالحكم بالإجراءات المؤقتة في الدعوى التي أقامتها هولندا وكندا بسبب اتهامات بارتكاب جرائم تعذيب.

من جهته، أشار مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إلى أن "المرسوم لم يشمل جرائم الإرهاب المنصوص عنها بالقانون رقم 19 لسنة 2012، وأن أغلب المتظاهرين والسياسيين متهمين بالإرهاب". وأضاف لـ"العربي الجديد": "باختصار المرسوم خصّ العفو عن كامل العقوبة لجرائم الخطف وحيازة المخدرات والفرار الداخلي والخارجي بشكل رئيسي، ولم يشمل المعتقلين على خلفية الرأي أو الحراك الشعبي".

وكشف عبد الغني أن معلومات لديه تشير إلى أن المرسوم يأتي ضمن "مطالب سعودية ـ عربية بإطلاق سراح آلاف المعتقلين، لكن النظام ثبّت تورطه، وما زال، في قتل المخفيين قسراً والمعتقلين أيضاً لديه، ولذلك لم يبقَ لديه الكثير من المعتقلين والمخفيين ليفرج عنهم".

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن الأسد أصدر، منذ مارس/آذار 2011، نحو 21 مرسوم عفو، كانت نتيجتها بشكل أساسي إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم الجنائية، وليس معتقلي الرأي، في خطوة متعمدة، لأن النظام أراد استخدام هؤلاء لتجنيدهم في المليشيات المحلية التي أسسها للقتال إلى جانبه، وأغلب عناصرها من أرباب السوابق.

وأكدت الشبكة الحقوقية، في تقرير سابق، أنه "على الرغم من هذه المراسيم الكثيرة، لا يزال هناك ما لا يقل عن 135253 شخصاً، بينهم 3684 طفلاً وامرأة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، أي أن حصيلة الأشخاص الذين اعتقلوا أو أخفوا من قبل قوات النظام السوري عقب إصدار مراسيم العفو تزيد 17 ضعفاً عن حصيلة من أفرج عنهم بموجب هذه المراسيم".