تجاوزات "الوطني السوري" المعارض تحت مجهر واشنطن

20 ديسمبر 2023
عرض عسكري لـ"الجيش الوطني" يوليو الماضي (هشام حاج عمر/الأناضول)
+ الخط -

لم تغب تجاوزات فصائل ومجموعات تابعة لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض عن واجهة الأحداث في سورية، وهو ما دفع الجانب الأميركي لمقاربة هذا الملف أكثر من مرة، من بينها فرض عقوبات على شخصيات قيادية في هذا "الجيش"، الذي يضم فصائل المعارضة السورية، لدفعه لاتخاذ إجراءات ناجعة للحد من هذه التجاوزات بحق المدنيين.

وتناول رئيس "الحكومة السورية المؤقتة" عبد الرحمن مصطفى مع المدير الإقليمي للملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس غرانجر، ومسؤول الخدمة الخارجية في الوزارة تايلر جو ينير، الجمعة الماضي، الوضع الإنساني والخدمي في مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمالي البلاد.

وبحسب مصطفى فإن الاجتماع الذي عقد في ممثلية الحكومة المؤقتة في مدينة غازي عنتاب، جنوبي تركيا، تناول أيضاً "الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المؤقتة لتنظيم الجيش الوطني والالتزام بالقانون الدولي الإنساني"، مشيراً إلى ان "الحوار تناول أيضاً ضرورة الحل السياسي للقضية السورية، مع استعراض للواقع السياسي الحالي".

من جهته، ذكر موقع "السفارة الأميركية في سورية"، أن رئيس "الحكومة السورية المؤقتة" عبد الرحمن مصطفى ناقش مع مدير منصة سورية الإقليمية، نيكولاس غرانجر، أهمية احترام حقوق الإنسان وقانون القتال المسلح والمساءلة بهدف ضمان السلامة والاستقرار لجميع السوريين.

وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ"العربي الجديد"، إن غرانجر التقى مع مصطفى لمناقشة مجموعة متنوعة من المواضيع، بما في ذلك الالتزام المشترك بتعزيز المساءلة عن حقوق الإنسان، وقانون القتال المسلح، والأولويات الإقليمية الأخرى. وأشار إلى أن غرانجر ومسؤولين في المنصة يجتمعون بانتظام مع مسؤولي المعارضة السورية، ويؤكدون أن دعم المعارضة السورية جزء لا يتجزأ من قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يظل الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع.

تعزيز مساءلة منتهكي حقوق الإنسان

وعن تقييم الخارجية لـ"الجيش الوطني" والإجراءات التي يتخذها للحد من الانتهاكات، أشار المسؤول الأميركي، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة في 17 أغسطس/آب الماضي على "لواء سليمان شاه" و"فرقة الحمزة" (المنضويين ضمن الجيش الوطني) تُظهر التزام الولايات المتحدة بتعزيز مساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سورية بغض النظر عن الفاعل. وأوضح أن "عقوباتنا تهدف إلى فرض تغييرات صادقة في السلوك".

وتابع: "في حين أننا لا نعلّق على المناقشات الدبلوماسية، فإننا نواصل إثارة ضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان مع جميع الأطراف الفاعلة".


هشام اكسيف: الجيش الوطني المعارض يتجه بإشراف وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة لعملية إصلاح شاملة

وعما إذا كان هناك لدى الولايات المتحدة أي نوايا للتعامل مع "الجيش الوطني"، سواء من حيث التطوير أو التدريب أو أي نوع آخر من التعامل، أشار المسؤول في الخارجية إلى أن غرانجر أكد لمصطفى: "استعدادنا للعمل مع الحكومة السورية المؤقتة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، بطريقة تؤدي إلى تحسينات منهجية في سلوك المجموعات التي تشكل الجيش الوطني السوري".

ويشي هذا الاجتماع بأن واشنطن قلقة من الأنباء عن انتهاكات تقوم بها فصائل معارضة في مناطق سيطرتها في شمال وشمال شرق سورية بحق المدنيين. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت منتصف العام الحالي عقوبات على فصيلي "لواء سليمان شاه" و"فرقة الحمزة" لضلوعهما في "ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" ضد السوريين و"مشاركتهما بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك الانتهاكات".

وطاولت العقوبات ثلاثة قياديين بارزين في الفصيلين وهم: قائد "لواء سليمان شاه" محمد حسين الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة"، ووليد حسين الجاسم، الأخ الأصغر لأبو عمشة، الذي يشغل أيضاً دوراً قيادياً في "لواء سليمان شاه"، وقائد "فرقة الحمزة" سيف بولاد أبو بكر، إضافة إلى شركة (Al-Safir Oto) لتجارة السيارات التي يشارك أبو عمشة بملكيتها.

واعتبرت حينها وزارة الدفاع لدى الحكومة السورية المؤقتة، العقوبات الأميركية "ظالمة ومخالفة لمبادئ الحق والعدل". وسبق أن فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية "أوفاك"، التابع لوزارة الخزانة الأميركية العام الماضي عقوبات على فصيل "أحرار الشرقية" المنضوي في "الجيش الوطني"، بتهمة القتل غير القانوني للأمينة العامة لحزب "سورية المستقبل" هفرين خلف، إضافة إلى حراسها الشخصيين في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في منطقة رأس العين، شمال شرقي سورية.

واتهمت الخزانة الأميركية "أحرار الشرقية" بارتكاب جرائم عديدة ضد المدنيين، لا سيما ضد الأكراد السوريين، في شمال شرق سورية، تشمل "عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة".

لكن القيادي في "الجيش الوطني" هشام اسكيف، أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجيش يتجه وبإشراف وتنظيم وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة لعملية إصلاح شاملة"، مضيفاً: "هذه العملية حققت خطوات ناجحة، ولكنها غير كافية لجهة التنظيم وتعزيز دور الوزارة ومركزية القرار عبر المجلس العسكري الاستشاري وتعزيز دور ونشاط الشرطة العسكرية في عمليات ضبط الشؤون العسكرية والحواجز".

وأشار اسكيف إلى أن الحواجز في الشمال السوري "أصبحت كلها تابعة للشرطة العسكرية وليس للفصائل"، مؤكداً أن الجيش "يبذل جهوداً لجهة التصدي للمخالفات والتجاوزات والحد منها". وتابع: صدرت عن الوزارة قرارات وتعاميم تخص الممارسات الشاذة وغير القانونية التي يقوم بها بعض منتسبي الجيش الوطني.

ولكن اسكيف أكد أن "الاستجابة ما زالت دون الطموحات"، مضيفاً: "لذلك تسعى الوزارة وبالتعاون مع قيادات الفيالق في الجيش الوطني لتصميم خطوات عملية ناجعة أكثر للحد من هذه الظاهرة التي تسيء للتضحيات التي يقدمها الجيش الوطني ولسمعة الثورة ومبادئها واحترام القواعد الشرعية والدينية والقانون الدولي".

وأوضح أن وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة "تنظم حملات توعيه مكثفة بالقانون الدولي وتحاسب منتهكي الحقوق العامة ممن تثبت عليهم التهمة عبر القضاء العسكري".

من جهته، رأى المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العقوبات الأميركية التي فُرضت على بعض فصائل الجيش الوطني، والنقاش الذي دار بين رئيس الحكومة المؤقتة والوفد الأميركي تؤكد وجود لوبي يتبع لقسد "قوات سوريا الديمقراطية"، يعمل على توثيق كل الانتهاكات".

وتابع: "يبدو أن هذا اللوبي اكتسب مصداقية لدى الجانب الغربي، وبات مؤثراً وفاعلاً في القرارات الصادرة عن تلك الدول، بما فيها تقييمها لفصائل المعارضة.


مسؤول أميركي: عقوباتنا تهدف إلى فرض تغييرات صادقة في السلوك

ورأى حوراني أن "الفصائل مطالبة اليوم بالقيام بالخطوات التي من شأنها تصحيح مسارها والقضاء على كل التجاوزات، وبشكل خاص ما يتعلق بالسكان السوريين الأكراد في مناطقها، وتفعيل اللجان المختصة بذلك كلجنة رد المظالم"، مضيفاً: على وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة توثيق تلك الخطوات وتقديمها للجهات الدولية المختصة، وتنفيذ القرارات التي تكرر إصدارها والقاضية بإخراج الفصائل من الأحياء المدنية، ومنع ووقف التجاوزات بحق الأملاك الخاصة كالبيوت والأراضي ومزارع الزيتون.

تاريخ "الجيش الوطني"

وجاء تشكيل "الجيش الوطني" في ديسمبر/كانون الأول 2017 كخطوة باتجاه إنهاء الحالة الفصائلية التي استشرت في المشهد العسكري السوري المعارض، إلا أن شبكة مصالح معقدة تشكلت في شمال سورية والتنافس المحموم على النفوذ حالا دون ذلك.

ويسيطر "الجيش الوطني" السوري على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة السورية.

ويسيطر على منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين. وفي شرق نهر الفرات، يسيطر "الجيش الوطني" على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، يضم منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ورأس العين في شمال غرب الحسكة، ويشكلان معاً ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام".

وفي أواخر عام 2019، انضمت "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل الشمال الغربي من سورية، إلى "الجيش الوطني"، الذي بات عدد مقاتليه بعد الاندماج نحو 80 ألف مقاتل، وفق مصادر في المعارضة السورية.

ومنذ تأسيسه، شارك "الجيش الوطني" في عمليتين مع الجيش التركي، الأولى مطلع عام 2018 ضد "الوحدات الكردية" في منطقة عفرين، انتهت بانسحاب الأخيرة من هذه المنطقة التي باتت من أهم مراكز النفوذ لـ"الجيش الوطني".

أما العملية الثانية ففي أواخر 2019، مع مساندة "الجيش" القوات التركية في عملية "نبع السلام" ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي اضطرت للانسحاب من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفهما.

ويتألف "الجيش الوطني السوري" من ثلاثة فيالق، يضم الأول فصائل: لواء الشمال، جيش الأحفاد، لواء سمرقند، لواء المنتصر بالله، أحرار الشرقية، لواء السلطان محمد الفاتح، ولواء الوقاص، فيلق الشام قطاع الشمال، الفرقة التاسعة، جيش النخبة، وجيش الشرقية. أما الفيلق الثاني فيضم: فرقة السلطان مراد، فرقة الحمزة، سليمان شاه، لواء صقور الشمال، فرقة المعتصم، فيلق الرحمن، وأحرار الشام القاطع الشرقي.

ويضم الفيلق الثالث: الجبهة الشامية، جيش الاسلام، لواء السلام، فرقة الملك شاه، الفرقة 51، وصقور الشام، وفيلق المجد. كل تلك الفصائل والتشكيلات، تسيطر على نحو 11 في المائة من مساحة البلاد، في حين باتت الحصة الكبرى من السيطرة للنظام بأكثر من 63 في المائة، تليه "قوات سوريا الديمقراطية" بحوالي 26 في المائة.

تقارير عربية
التحديثات الحية