إجراء مصري جديد لاحتواء "غضب غزة"

25 ديسمبر 2021
تأخرت مصر في تنفيذ وعودها المتعلقة بالقطاع (Getty)
+ الخط -

قالت مصادر مصرية خاصة، مطلعة على الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، إن المسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة المصرية بدأوا في تفعيل أحد الإجراءات الهامة الذي كان يمثل مطلباً رئيسياً للفصائل الفلسطينية بشأن تيسير حركة السفر عبر معبر رفح للتخفيف من معاناة أبناء القطاع.

ويأتي ذلك ضمن تحركات مصرية لامتصاص غضب الفصائل، وتفويت الفرصة أمام موجة تصعيد محتملة، في ظلّ تعبير الفصائل، وعلى رأسها حركة "حماس"، عن غضبها لمماطلة الجانب الإسرائيلي في الوفاء بتعهداته، وتأخر الجانب المصري في تنفيذ الإجراءات التي وعد بها على ضوء الوساطة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في القطاع وقوات الاحتلال بعد معركة "سيف القدس" الأخيرة في مايو/ أيار الماضي.

إجراء مصري لنقل مسافري قطاع غزة

وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الإجراء المصري تمثل في إعادة تدشين شركة "هلا" للاستشارات والخدمات السياحية لتتولى حصراً نقل المسافرين من قطاع غزة وإليه، عبر إجراءات ميسرة، من خلال حافلات حديثة ومتطورة لتيسير أمور المسافرين الفلسطينيين، كخطوة أولى من المقرر أن تتبعها مجموعة من الخطوات خلال الفترة القريبة المقبلة.

إعادة تدشين شركة للاستشارات والخدمات السياحية لتنقل حصراً المسافرين من القطاع وإليه

وأشارت المصادر إلى أن الشركة التي ستتولى بشكل حصري عملية نقل المسافرين من القطاع وإليه، ستكون تابعة لمجموعة "أبناء سيناء" المملوكة لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني والتابعة لجهاز الاستخبارات العامة، والتي تشرف إحدى شركاتها على عمليات إعادة الإعمار في قطاع غزة، ضمن المبادرة التي أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقيمة 500 مليون دولار عقب وقف إطلاق النار في القطاع، نهاية مايو الماضي.

وبحسب المصادر، فإن الخطوة الجديدة من جانب القاهرة تحمل تأكيداً على التزام مصر بتعهداتها السابقة في إطار الوساطة، ونفي ما تمّ تداوله من أنباء بشأن سحب المعدات المصرية من عدد من المواقع في القطاع، بعد الزيارة التي قام بها الوفد الأمني المصري إلى غزة يوم الأحد الماضي.

وقالت المصادر إن الفترة الراهنة تشهد جهداً مضاعفاً من الجانب المصري، في محاولة لإقناع حكومة الاحتلال بتمرير مزيد من التسهيلات المطلوبة لنزع فتيل الأزمة الراهنة.

وأوضحت المصادر أن القاهرة طلبت من حكومة نفتالي بينت ضرورة اتخاذ إجراءات متعلقة بالأسرى والسجناء لإنهاء الأزمة، وكذلك زيادة تصاريح العمل للفلسطينيين، مع رفع الرقم الحالي الذي قرّرته حكومة الاحتلال والمقدر بـ10 آلاف تصريح، كخطوة أولية تسمح بتسهيل الدور المصري لمنع التصعيد والحفاظ على حالة الهدوء التي تعد هدفاً مشتركاً للجانب الإسرائيلي أيضاً، بحسب تعبير المصادر.

وتأتي الخطوة المصرية بعد أيام قليلة من جولة وساطة مصرية قادها وفد أمني رفيع المستوى من جهاز الاستخبارات العامة، زار خلالها الأراضي المحتلة وقطاع غزة. والتقى الوفد مسؤولين أمنيين في حكومة الاحتلال وحركة "حماس" وعدداً من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

القاهرة طلبت من حكومة الاحتلال اتخاذ إجراءات متعلقة بالأسرى والسجناء

وعلى الرغم من نقل الوفد الأمني المصري عدداً من الرسائل بين الجانبين، إلا أن الجولة لم تحقق نجاحاً يذكر في خفض التوتر الذي يخيم على المشهد هناك، بسبب ما وصفته مصادر مصرية في وقت سابق بتشدد مواقف الجانبين.

وسعى الوفد المصري خلال الجولة إلى تحقيق تقدم في ثلاثة محاور، تتمثل في مشاريع إعادة الإعمار، والمفاوضات الخاصة بصفقة تبادل أسرى، وهدوء طويل الأمد.

إلا أن اختلافاً في المواقف بين "حماس" وحكومة الاحتلال جعل من الصعب على الأقل تحقيق الهدفين الأخيرين، وسط حالة من الغليان بين مكونات المشهد الفلسطيني بعد أنباء الاعتداء على الأسيرات والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

الهجوم على العرجاني

ويأتي تدشين شركة "هلا" الجديدة (لنقل مسافري القطاع)، والتابعة لمجموعة "أبناء سيناء" المملوكة لإبراهيم العرجاني والتابعة لجهاز الاستخبارات، بالتزامن مع هجوم على العرجاني نفسه، وهو أحد الأسماء التي ظهرت في الفترة الأخيرة في مصر، والتي ارتبطت ارتباطاً مباشراً بالاستخبارات العامة، وتحديداً في مجال عملها في قطاع غزة بالأراضي الفلسطينية.

لكن الغريب أن اسم العرجاني لم يسلم من النقد بواسطة النائب محمد أنور السادات، والذي يتمتع بصلات قوية مع الأجهزة الأمنية في مصر.

وعزت مصادر خاصة هذا الهجوم إلى تسريبات من جهاز أمني آخر، في محاولة للتشويش وإثارة الجدل بشأن المشاريع التي تتولاها الأجهزة الاستخبارية المصرية.

ويعتبر العرجاني المستفيد الرئيسي من خطة إعادة إعمار غزة المتفق عليها دولياً، وذلك عن طريق شركته "أبناء سيناء". ويرأس العرجاني أيضاً قبيلة ترابين البدوية و"رابطة زعماء القبائل في شمال سيناء"، المعروفة بتعاونها مع الاستخبارات المصرية في حربها ضد الجماعات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء.

ويتلقى العرجاني، الذي يمتلك بعض أكبر شركات المقاولات في مصر، أوامره من الاستخبارات المصرية، ويتولى مسؤولية جزء كبير من مساعدات مصر لغزة، ومن حركة البضائع من مصر إلى القطاع، ومعظمها تمر عبر حاجز صلاح الدين في رفح.

وخلال الأيام الأخيرة، أعلن حزب "الإصلاح والتنمية" برئاسة النائب محمد أنور السادات، أنه يبحث مع خبراء الاقتصاد والمال بشأن التقدم بسؤال حول نشاط بعض رجال الأعمال في مصر، ومن بينهم العرجاني.

وقال الحزب في بيان، إن مكتبه التنفيذي برئاسة محمد أنور السادات "اجتمع مع مجموعة من خبراء الاقتصاد والمال استعداداً لتكليف الهيئة البرلمانية للحزب للتقدم بسؤال لرئيس مجلس الوزراء (مصطفى مدبولي) والأجهزة الرقابية المستقلة، بشأن ما تردد في الفترة الأخيرة في مجتمع المال والأعمال من إشاعات وغمز ولمز على بعض الشخصيات التي لمعت في الآونة الأخيرة، ونسب إليها قيامها بعمليات استحواذ واحتكار وشراء لبعض المشروعات والشركات والفنادق مثل (رجل الأعمال صافي وهبة وإبراهيم العرجاني، وغيرهما)".

وأضاف البيان أن "الجميع يتساءل كيف لهؤلاء وخلال فترة قصيرة من عمرهم في مجال الاستثمار، أن تكون لديهم هذه القدرة والنفوذ، ولم يسمع بهم أحد على مدار السنوات الماضية، فمن يقف خلفهم ومن يساندهم؟".

وقال السادات، في البيان، إن مصر "عانت منذ سنوات من ظاهرة رجال الأعمال المرتبطين بنظام الحكم السابق (وتزاوج رأس المال بالسلطة)، وشاهدنا جميعاً محاكمات لهم ولداعميهم، أفلا نتعلم من دروس الماضي ولا نكرر الأخطاء نفسها؟".

وأشار السادات إلى أن "لكل زمان رجاله وأدواته التي يستعين بها تحت مسميات الوطنية ومصر أولاً، لكن هذه الطريقة تؤدي حتماً إلى القضاء على تكافؤ الفرص والاستثمار المباشر المحلي والدولي، وتضعنا في مراحل متأخرة من التصنيفات المتعلقة بالشفافية والفساد في وقت ننادي ونحلم فيه ببناء الجمهورية الجديدة، فهل يخرج علينا هؤلاء من خلال وسائل الإعلام والفضائيات ليحكوا لنا قصص نجاحهم حتى يكونوا قدوة ونموذجاً لشباب اليوم يقتدون بهم ويعطونهم الأمل في بداية العام الجديد؟".

وتحرص مصر على أن تتم جميع أعمال إعادة الإعمار في غزة من خلال شركة العرجاني وليس من قبل الجيش المصري، حتى لو كان الجيش يشرف على العمل، كما تسمح للشركة بتوقيع اتفاقيات مع مقاولي بناء من غزة، دون أن "تتلوث" القاهرة بالتعاون الاقتصادي المباشر مع "حماس"، على حد قول الكاتب الإسرائيلي تسيفي برئيل، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس".

ورأى الكاتب أنه "بهذه الطريقة، يمكن لمصر أيضاً الاستفادة من التمويل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين لا تريدان حالياً أي اتصال مباشر مع حماس، على الرغم من استعدادهما لمساعدة مصر في الحفاظ على احتكارها للسيطرة على غزة".

واقترحت مصر أن تكون الناقل غير المباشر لأموال المساعدات القطرية، والتي سيتم تحديدها بحوالي 30 مليون دولار شهرياً. لكن في الماضي كان هذا المبلغ مقسوماً على ثلاثة أقسام: تم دفع جزء مباشرة للأسر الفقيرة، وجزء آخر لشراء وقود الديزل لمحطة توليد الكهرباء في غزة، والثالث لمشاريع لخلق فرص العمل والحد من البطالة التي تجاوزت الآن 60 في المائة.

وأعلن بنك مصر في 7 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، توقيع عقد بيع فندق "رويال غراند شرم" المملوك للبنك في مدينة شرم الشيخ، مع إبراهيم العرجاني عن شركة العرجاني، والخبير السياحي كامل أبو علي عن مجموعة كامل أبو علي، والمعروف بدعمه للاستخبارات العامة أيضاً.

وقال البنك إن توقيع عقد بيع فندق "رويال غراند شرم" المملوك له في هضبة أم السيد بمدينة شرم الشيخ يأتي في إطار قيامه بإعادة تدوير الأصول والاستثمارات المملوكة له بما يحقق أفضل النتائج والمؤشرات المالية.

العاروري: الضغط على الأسيرات والأسرى قد يفجر الوضع

أما رجل الأعمال صافي وهبة، والذي ورد اسمه في بيان النائب محمد أنور السادات، فهو رئيس مجلس إدارة مجموعة "الصافي" ورئيس مجلس إدارة شركة "النيل لحليج الأقطان" منذ سبتمبر/ أيلول 2020، ورئيس الجانب المصري في مجلس التعاون الاقتصادي المصري الكويتي منذ أغسطس/ آب 2019.

رسالة "حماس"

من جهته، قال نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" صالح العاروري إن حركته نقلت رسالة واضحة جداً وقاسية إلى الاحتلال الإسرائيلي بأن الضغط على الأسيرات والأسرى قد يفجر الوضع.

وأكد العاروري خلال لقاء على فضائية الأقصى، أول من أمس الخميس: "قد نجد أنفسنا وسط صراع مفتوح ومكشوف على كل الصعد، وإمكانية انتقال التوتر إلى خارج السجون واردة بقوة".

وأشار العاروري إلى أن الاحتلال يحاول تثبيت بعض الإجراءات، من نقل الأسرى بين الغرف والسجون. وبيّن أن الأسرى في جميع السجون أبلغوا إدارة السجون بأنه ستكون هناك مواجهة مفتوحة إذا لم يتم التراجع عن إجراءاتها ضد الأسيرات.

في غضون ذلك، غادر قطاع غزة خلال الأسبوع الماضي، أي خلال الفترة ما بين 19 ديسمبر و23 منه، 2487 شخصاً عبر معبر رفح البرّي، جنوب قطاع غزة.

وقالت الهيئة العامة للمعابر والحدود في وزارة الداخلية الفلسطينية، في إحصائية نشرتها أمس الجمعة، إن العمل عبر المعبر شهد الأسبوع الماضي وصول 1992 عائداً، في حين أرجعت السلطات المصرية 140 مسافراً.

وأفادت الهيئة بأن العمل في معبر رفح سيكون متوقفاً يومي الجمعة والسبت (أمس واليوم)، وهي أيام العطلة الرسمية، على أن يستأنف صباح غدٍ الأحد.

المساهمون