سيناء: تحذير من التهجير.. و"الطوارئ"

27 أكتوبر 2014
خشية من تحوّل سيناء إلى منطقة أمنيّة مغلقة (الأناضول)
+ الخط -
بدا الارتباك والتضارب واضحاً لدى أجهزة الدولة المصريّة، في التعامل مع الأزمة في سيناء، والمستمرة منذ أكثر من عام، خصوصاً بعد استهداف مسلحين للجيش في كرم القواديس، يوم الجمعة الماضي، ومقتل 31 عسكرياً وإصابة آخرين. وعلى الرغم من عدم صدور قرار جمهوري أو من مجلس الأمن الوطني بإخلاء الشريط الحدودي بين مصر وغزة، لوقف حركة الأنفاق، وتسلّل أفراد قد يُعتقد بتورّطهم في أحداث عنف داخل سيناء، بدأت محافظة شمال سيناء تلقي طلبات الإخلاء.

وتكشف مصادر في مجلس مدينة رفح لـ "العربي الجديد"، أنّ "اللجنة المكلّفة ببحث تعويض الأهالي، من أصحاب المساكن المقرر إخلاؤها على الحدود مع غزة، لا تزال تعمل على التفاوض مع سكان المنطقة لمنحهم تعويضاً مالياً أو تسليمهم أراضيَ بعيدة عن الشريط الحدودي. وتقول المصادر ذاتها إنّ اللجنة تلقت 300 طلب تقريباً، لإخلاء المنازل والحصول على تعويض، من دون نفي من أجهزة الدولة، علماً أنّ الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، حين كان وزيراً للدفاع، حذّر من مغبّة التعامل الأمني مع أهالي سيناء.

ويُظهر شريط مسرّب، السيسي وهو يقول، خلال لقائه بعض ضباط الجيش: "هو أنا لو ظابط جيش، مش سهل عليَّ آجي على رفح والشيخ زويد وآجي محاصرها، ومطلّع السكان منها وأروح مفجّر المباني اللي موجودة فيها؟ مش هنقتل حد ولا حاجة". ويضيف: "إحنا بنشكل أمن بالتواجد مش بالقتال، خلي بالك الكلام ده، إحنا بنقوله مع بعض، ما هي دبابة واحدة ورشاش واحد ممكن يعملك حاجات كتير بس في النهاية دول أهلك، ولازم نستدعي سيناريو جنوب السودان بدأت من 50 سنة وكانت المعالجة أمنية فقط ومفيش حسابات رفيعة والضغط للرأي العام".

وبعد فرض حظر التجول في المنطقة، توضح مصادر عسكريّة في سيناء، أنّ خرق الحظر في أول يوم للتطبيق "صفر"، مشدّدة على التزام جميع المواطنين بتطبيق الحظر لما له من أهميّة في ضبط العناصر المسلّحة. وتكثّف القوات المشتركة، من الجيش والشرطة وجودها، منذ فرض حظر التجول، في موازاة دفعها بدوريات أمنيّة مسح لمنطقة الحظر.

وتؤكّد مصادر عسكريّة مقتل عدد من المسلحين، خلال عمليات جويّة لقوات الجيش، استهدفت خلالها المسلحين في منطقة صحراوية، جنوبي الشيخ زويد. وتلفت إلى أنّ "مجموعة مسلّحة حاولت إطلاق النار من أسلحة ثقيلة على طائرة كانت تحلّق في سماء منطقة جنوبي الشيخ زويد". وكانت قوات الجيش فرضت حظر التجوال في جميع مدن العريش والشيخ زويد ورفح وقرى شمالي مركز الحسنة، وسط الدفع بمدرعات للجيش والشرطة تطوف في شوارع كافة المدن. وعثرت قوات الأمن أثناء رفع الحطام من موقع الهجوم، على جثمان أحد القتلى، وعلى جندي لا يزال على قيد الحياة، كان مختبئاً بالقرب من موقع التفجير، وقد أصيب بصدمة عصبيّة جراء الحادث.

من جانبه، يقول الخبير العسكري اللواء عادل سليمان، إنّ "الأزمة في سيناء لن تحلّ بالحلّ الأمني والعسكري، لأن من شان ذلك أن يزيد حدّة الانتقادات وعدم الرضى عن الدولة أو النظام الحالي من قبل أهالي سيناء". ويعتبر أنّ "جميع من يتحدثون عن "تهجير" أهالي سيناء، لا يعرفون شيئاً عن سيناء"، مؤكداً أنّ "من يسمّون أنفسهم خبراء، يتحدثون من دون دراية بحقيقة الأمر والأوضاع، أو بخريطة سيناء، وفقاً لاتفاقيّة السلام مع إسرائيل".

ويوضح سليمان أنّ "طول الشريط الحدودي يبلغ 277 كيلومتراً، وبالتالي لا يمكن إخلاء سكان من هذه المساحة الكبيرة، ولكن في الحقيقة، لا تواجد للسكان في معظم الشريط الحدودي، باستثناء عدد قليل جداً من البدو". ويقول إنّ "الأزمة موجودة في 13 كيلومتراً تقريباً، وهي تمثل المنطقة الحدودية مع رفح الفلسطينية، والممتدة من معبر كرم أبو سالم، وحتى المنطقة المطلة على البحر".
ويوضح أنّ "نقل السكان يأتي تجاوباً مع وجهة نظر تتحدث عن احتمال عبور بعض العناصر الذين يقومون بعمليات في سيناء، عبر الأنفاق المفتوحة بين رفح الفلسطينية والمصرية"، لافتاً إلى أنّ "المنطقة ستكون منطقة أمنية مشددة خلال الفترة المقبلة".

وفي الإطار ذاته، يرى سليمان أنّ فرض حظر التجول، لن يجدي نفعاً في حلّ أزمة سيناء، ولكنّه حلّ سطحي مؤقت، وليس حلاً جذرياً، لأنّ المجموعات المسلحة لن تخشى من فرض حظر التجول وحالة الطوارئ"، مذكراً بأنّ "العمليات التي قامت ضد قوات الجيش والشرطة كانت في وضح النهار وليس في الليل".

في موازاة ذلك، يُظهر تقرير أصدره "المركز المصري للحقوق والحريات"، وقوع "50 هجوماً إرهابياً، استهدف قوات من الجيش والشرطة في سيناء منذ عام 2011، ما أسفر عن 168 قتيلاً وعشرات المصابين في صفوف الجيش والشرطة".
ويفيد التقرير بأنّ "الحملة الأمنية الوحشية التي تواصلت لعدة سنوات منذ عام 2004، وتزايدت وتيرتها خلال العام الماضي، منذ أحداث 3 يوليو/تموز وحتى الآن، بوقوع انتهاكات جمّة في صفوف المدنيين، من دون أي ضابط أو حاكم أو جهة للتحقيق، ما خلّف أكثر من 500 قتيل وأكثر من 7 آلاف معتقل في سجون الجيش والشرطة السريّة، وتهجير أكثر من 500 أسرة وهدم منازلهم وإخفاء أكثر من 300 مواطن في شمالي سيناء وحدها".

ويعتبر التقرير أنّ "إعلان حالة الطوارئ يُعدّ مزيداً من الحلول الأمنيّة ويمثل تعقيدا للأزمة وليس حلاً لها، إذ إنّ المطلوب ليس الثأر لضحايا العملية الإرهابية مع السماح باستمرار الإرهاب وأسبابه، بل القضاء على الإرهاب وبواعثه". ويشدد على أنّ "التدخّل الأمني ساعد على هذا النمو السرطاني للإرهاب في سيناء، والإهدار غير المحدود لحقوق المواطنين في سيناء، والإهانة الفظة للأعراف السائدة في المجتمع البدوي على مدى عقود من الزمن".
ويوضح أنّ "قانون الطوارئ قد أعطى حريّة واسعة للسلطة التنفيذيّة، في العصف بقانون الإجراءات الجنائيّة، وخصوصاً في المواد التي تتناول القبض على المتهمين، إذ يجوز القبض على المخالفين للأوامر التي تصدر وفقاً لأحكام قانون الطوارئ بالمخالفة لأحكام الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة".

ويؤكّد التقرير ذاته أنّ "هناك العديد من الضمانات الدستورية والقانونية في حال تطبيق حالة الطوارئ في سيناء، التي يلزم اتباعها لضمان حقوق وحريات المواطنين". ويضيف: "على الرغم من أنّ إعلان حالة الطوارئ يُعدّ من قبيل أعمال السيادة، وقد أقرّ القضاء بذلك، لكنّ ذلك يجافي نص المادة 68 من الدستور والتي تنص على "عدم جواز تحصين أي عمل من أعمال الإدارة ضد رقابة القضاء"، ومن ثمّ لا يجوز أن تخرج جميع التصرفات الإدارية الصادرة بمناسبة تطبيق قانون الطوارئ عن رقابة القضاء وسلطانه".
في موازاة ذلك، يقترح التقرير "البحث عن خيارات بديلة للحلّ الأمني، والعمل على تنمية حقيقية في شبه جزيرة سيناء، وإشراك أهلها في الثروات العظيمة التي تزخر بها الجزيرة، والتصالح مع الأهالي والقبائل التي تضرّرت من الأحداث السابقة، وتعويض الأسر والأهالي عن أي أضرار قد لحقت بهم خلال الأحداث الماضية، وإحالة المتسببين في ذلك للمحاكمة العادلة والعاجلة، وإلا فستظل سيناء بؤرة توتّر ومصدر إزعاج وقلاقل للأمن القومي المصري على المدى الطويل".

المساهمون