أفغانستان: تبادل الأسرى يتوقف بالتوازي مع زيادة وتيرة القتل

12 مايو 2020
تزايدت الهجمات في الأسبوعين الماضيين (الأناضول)
+ الخط -
علّقت الحكومة الأفغانية، مساء أمس الإثنين، عملية إطلاق سراح أسرى حركة "طالبان"، متهمة الحركة بـ"التباطؤ" في عملية الإفراج عن أسرى الحكومة. يأتي ذلك بعد هجوم عنيف شنته "طالبان" على قوات الجيش في الشرق، ما أدى إلى مقتل 27 جندياً، ولا يستبعد أن يكون تعليق العملية رد فعل على ذلك الهجوم، وإن لم تصرّح الحكومة بذلك.

وكانت عملية تبادل الأسرى بين الطرفين تسير ببطء في الأيام الأخيرة، مع إطلاق الحكومة سراح ألف أسير للحركة في مقابل إطلاق الأخيرة سراح حوالي 188 أسيراً للحكومة، 28 منهم، أول من أمس الأحد، في إقليم هرات غربي أفغانستان. وتزامن ذلك مع تطور مهم برز عبر ترحيب الحركة بإفراج الحكومة عن أسراها وتأكيدها أن العملية تتيح الفرصة للمرحلة الثانية من عملية السلام وهي الحوار الأفغاني - الأفغاني، علماً أنها ذكرت سابقاً بأنها غير موافقة على إطلاق سراح الحكومة لأسراها، لعدم وروده في الاتفاق بينها وبين الولايات المتحدة الموقّع في 29 فبراير/شباط الماضي.

لكن المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي جاويد فيصل، قال في مؤتمر صحافي، مساء أمس الإثنين، إن حركة "طالبان أفرجت حتى اليوم عن 171 شخصاً من أسرى الحكومة، بينهم 105 من أسرى القوات الأفغانية، والأمر ليس مقبولا لدى الحكومة". وتحدث فيصل عن أن الحكومة "أفرجت حتى الآن عن ألف أسير للحركة، وفق التوافق الذي حصل بشأن الأسرى، وكان من المفترض أن تقوم طالبان، وفق التوافق بينها وبين واشنطن في الدوحة، بالإفراج مقابل كل خمسة أسرى عن أسير واحد، ولكنها فشلت في فعل ذلك"، مشيراً إلى أن الحركة "كان من المفترض أن تفرج عن 200 أسير من قوات الأمن، ولكنها لم تفعل".

وكانت عملية إطلاق الأسرى قد لاقت ترحيباً في أوساط الشعب الأفغاني، إذ انتعشت آمال المواطنين بعد مرحلة من اليأس في أوساط الجميع وحتى في أوساط المقربين من الحكومة و"طالبان"، وأحيت الآمال بإفساح الفرصة للحوار الأفغاني ـ الأفغاني. ومن المعروف أن المرحلة الثانية من عملية السلام، أي الحوار بين الأطراف الأفغانية، ستقرر مستقبل البلاد، وهي مرهونة بإنجاح عملية تبادل الأسرى.

وكانت عملية تبادل الأسرى تواجه عقبات كثيرة، مع شكوك حول إتمامها كي تتيح الفرصة للحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان". ومن أبرز تلك العقبات، التباين في رؤية كل من الحكومة والحركة حول مستقبل عملية تبادل الأسرى وطرق تنفيذها. وتصرّ "طالبان" على أن عقد الحوار مع الحكومة أو مع الجانب الأفغاني، لا يمكن أن يحصل إلا بعد إطلاق الحكومة سراح 5 آلاف أسير للحركة، المتفق عليه بينها وبين واشنطن في الدوحة، كما لا يمكن وقف إطلاق النار إلا بعد أخذ القرار بشأنه في المرحلة الثانية من عملية السلام. في السياق، ذكر الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة، وهو من كبار مفاوضيها مع واشنطن، شير محمد عباس ستانكزاي، أنه لا يمكن عقد الحوار الأفغاني إلا بعد إطلاق الحكومة سراح 5 آلاف سجين لـ"طالبان"، كما لا يمكن وقف إطلاق النار قبل ذلك. وأضاف في حوار مع صحيفة "دايلي تايمز" البريطانية الأسبوع الماضي، أن الاتفاق مع واشنطن شمل موافقة الطرفين على وقف إطلاق نار مع القوات الأميركية، و"طالبان" أثبتت التزامها بذلك.

في المقابل تصرّ الحكومة على نيتها إطلاق سراح 1500 سجين لـ"طالبان" في المرحلة الأولى، ووقف إطلاق النار وعقد حوار بعد ذلك، على أن يتم إطلاق سراح باقي أسرى الحركة تدريجياً، وفقاً لآلية أعلنتها الحكومة سابقاً، وهي إطلاق سراح 100 أسير كل أسبوعين، تحديداً في حال حصول تقدم في عملية الحوار. ورفض فيصل الإفراج عن العدد الذي تطلب "طالبان" إطلاق سراحه إلا بعد وقف إطلاق النار وبعد عقد الحوار الأفغاني، وقال إن الحكومة أفرجت عن ألف أسير للحركة وستفرج عن 500 آخرين، وبعد ذلك لا مجال لتأجيل الحوار الأفغاني وإعلان وقف إطلاق النار.

وأشار هذا التباين إلى صعوبة المفاوضات المباشرة بين الأطراف الأفغانية، حتى أن أحد القادة الميدانيين في الحركة، أبدى شكوكه حيال إمكانية تغيير "طالبان" موقفها في قضية الأسرى، معتبراً أن إطلاق سراح، ولو عنصر واحد، يُعدّ تقدماً كبيراً ونجاحاً للحركة. وشدّد على أن الحركة سترغم الحكومة الأفغانية على قبول هذا الشرط من خلال الضغوط في ميدان المعركة، كما أرغمت القوات الأميركية على قبول انسحاب قواتها.

كذلك ألقى القياديان السابقان في الحركة، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حكومة "طالبان"، المولوي قلم الدين، ووزير العدل في الحكومة نفسها المولوي سيد أكبر آغا، اللوم على الحكومة، إذ قالا إن العقبة الأساسية هي امتناع الحكومة عن إطلاق سراح أسرى الحركة وتطبيق اتفاق الدوحة. وفي رأيهما، لا يمكن عقد الحوار الأفغاني إلا بعد تطبيق التوافق بين واشنطن و"طالبان". لكن المحلل السياسي شهزاده مسعود، طلب من الحركة إبداء بعض المرونة، إذ لا يمكن إطلاق سراح هذا العدد من الأسرى إلا وفق آلية محددة، وبالتدريج.

في السياق نفسه، تحول التصعيد الحالي إلى عقبة أخرى في وجه إطلاق الأسرى والحوار المباشر. فعمليات "طالبان" المكثفة ضد القوات الأفغانية قد لا ترغم الحكومة على قبول مطلبها بالإفراج عن كل أسراها، على الرغم من أنها كبّدتها خسائر كبيرة في الأرواح، آخرها مقتل مسؤول أمن إقليم خوست، سيد أحمد بابازاي، مساء الجمعة الماضي، فضلاً عن مقتل عشرات من عناصر الأمن يومياً. وحصلت هجمات ممنهجة وبشكل يومي في الأسبوعين الماضيين استهدفت المنشآت الكهربائية من خلال إطلاق الصواريخ على مراكز الكهرباء، وتفجير الأعمدة، واستهداف العمال في شركة الكهرباء في كابول والأقاليم، وعلى الرغم من اتهام الحركة بذلك إلا أنها نفت ضلوعها. كذلك أعلنت السلطات المحلية في إقليم قندوز شمالي البلاد أن "طالبان" قطعت 400 شجرة هناك، وقد أُثيرت القضية على وسائل التواصل الاجتماعي، فأعرب العديد عن استيائهم من ذلك، رغم تأكيد الحركة أنها فعلت ذلك بموافقة رموز المنطقة وبالتنسيق مع إدارة الكهرباء. وأُثيرت في الأيام الأخيرة أيضاً قضية تدمير الحركة لشارع رئيسي في إقليم هلمند، لكنها نفت ذلك، رغم اعترافها بأن بعض إنشاءات الشارع تهدمت خلال المواجهات. 

وفي خضمّ هذه التطورات، يواصل المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة زلماي خليل زاد، جهوده من أجل إتاحة الفرصة للحوار بين الأطراف الأفغانية وتسريع عملية تبادل الأسرى. وفي المحطة الأولى لزيارته الأخيرة إلى المنطقة التي بدأت في الخامس من الشهر الحالي التقى خليل زاد في الدوحة رئيس المكتب السياسي لـ"طالبان" الملا عبد الغني برادر والوفد المرافق له. وناقش الطرفان التطبيق الكامل لاتفاق الدوحة، وذلك قبل أن يتوجه إلى نيودلهي لمناقشة دور الهند في المصالحة الأفغانية، ثم إلى إسلام أباد للتباحث مع القيادة العسكرية الباكستانية بشأن خفض وتيرة العنف والحوار الأفغاني - الأفغاني.
المساهمون