"اللجان الشعبية" في روسيا... حرب استباقية ضد الثورات

21 سبتمبر 2014
جرى إحياء تقليد قديم في استعادة اللجان الشعبية (الأناضول)
+ الخط -
للّجان الشعبية في روسيا تاريخ قديم، وتُشكّل الدوريات المشتركة بين قوات الأمن وشباب الأحياء تقليداً يعود إلى القرن التاسع عشر. فما الذي تغيّر حتى تثير "اللجان الشعبية" اليوم، المخاوف لدى بعض الروس مقابل روس آخرين يهللّون لها؟ أم أنّ العلّة تكمن في الوظائف الموكلة إلى هذه اللجان، والتي تطورت من ضبط الجماهير أثناء مرور مواكب المسؤولين، إلى البحث عن مخالفين لنظام الهجرة وعناصر إجرامية مشبوهة وحماية الأحياء السكنية من الغرباء، وصولاً إلى البحث عن معارضين سياسيين يمكن أن يفكروا بالخروج إلى الميادين لاستنهاض الناس نحو ثورة على النظام؟

عرف الإعلام الروسي كيف يعبئ الشعب ضد "الثورات الملوّنة"، وهيّأ لقبول أي إجراء يحول دون حدوثها، خصوصاً على خلفية المثالين السوري والأوكراني بعد الليبي. كانت العبرة مطلوبة وتحقّقت. فالروس، الذين ما عادوا يريدون الخروج إلى الساحات لإعلان مخالفتهم للحاكم، باتوا على استعداد للخروج إلى مواجهة المعارضين. ربما، هنا تكمن فكرة اللجان الشعبية التي يُعاد إحياؤها في هذه الأيام.

بدأت تتشكّل في الأقاليم الروسية لجان شعبية ضد الثورات، أو ضد "الميدان"، كما يقولون، أي ضد أي اعتصام "ثورجي" في أي ميدان محتمل. وستساعد قوى الأمن هذه اللجان، كما نشرت وسائل الإعلام الروسية، للحيلولة دون بروز أية أنشطة استفزازية وغير دستورية، تقوم بها المعارضة "غير الجهازية" (أي التي لا تتدخل في أجهزة الدولة وغير المعترف بها)، وفق التعبير الرسمي، لقلب نظام الحكم الدستوري.

وذكرت صحيفة "إزفيستيا" أن "اللجان بدأت عملها في سبتمبر/أيلول الجاري". ونقلت عن المدير العام لمعهد "أوراسيا"، فلاديمير ليبيخين، قوله إن "اللجان ضرورية، كونها تستطيع تأدية مهمات ليست من طبيعة وظائف قوى الأمن". وأشار إلى بعض المهمات التي ستوكل إلى هذه اللجان، ومنها "مراقبة الفضاء السياسي وتطوير آليات الاستجابة للأنشطة والقيام بأنشطة بديلة". ويُمكن فهم هذه المهمة على ضوء التجربة، في قمع التظاهرات المعارضة وتنظيم تظاهرات مؤيدة مقابلها.

غير أن بعض الخبراء يحذّر منظميها من المبالغة في استخدامها. فقد قال عضو مجلس الشيوخ الروسي، إيغور موروزوف: "يصعب عليَّ تصديق أن يكون الميدان ممكناً في روسيا في فترة قريبة، لأن شعبية الرئيس مرتفعة الآن، والدولة تقوم بجميع الوظائف الاجتماعية المنوطة بها، وتستجيب بصورة عملية للعقوبات المفروضة من الغرب".

ويرى بأن هناك فكرة قومية ظهرت لدى الروس بفضل الأزمة الأوكرانية، وأن الروس مستعدون لتحمّل العقوبات من أجلها. وانطلاقاً من ذلك، فهو لا يرى ضرورة للجان شعبية ضد "الميدان". وفي المنحى ذاته، يصبّ رأي رئيس "مجموعة الخبرة السياسية"، قسطنطين كالاتشيف، فيقول: "وجود لجان شعبية ضد الميدان يُعتبر مبالغة واضحة. فمثل هذه الاجراءات يمكن أن تحرّض الاستياء الاجتماعي. وموقف معظم السكان سلبي من الميدان، بطبيعة الحال، ويمكن هنا أن يطفح الكيل. إن تكرار السيناريو الأوكراني في روسيا، غير ممكن".

كان البرلمان الروسي (الدوما)، قد أقرّ، في أبريل/ نيسان الفائت، قانوناً فيدرالياً حول "مشاركة المواطنين في حماية النظام العام". وحينها، قامت "مؤسسة الرأي العام" بإجراء استبيان لمعرفة رأي السكان بتشكيل اللجان الشعبية التي يشرعنها القانون الجديد، فتبيّن أن 54 في المئة من الروس لم يسمعوا بها من قبل. إلا أنّ تأييد الفكرة جاء ملفتاً، فقد رأى 69 في المئة أنها إيجابية، مقابل 5 في المئة فقط لم يؤيدوها.

وقد جرى تنوير المُستطلَعين بالمهام الموكلة إلى اللجان، قبل سؤالهم عنها، بما في ذلك صلاحياتها، بالتحقّق من وثائق الناس وتفتيش أمتعتهم الشخصية وسياراتهم. وقد تبيّن أن الروس ليسوا ضد هذه الصلاحيات والإجراءات بشكل عام، فنسبة 55 في المئة منهم تتقبّل الأمر، مقابل 36 في المئة تقف ضده، فيما لم يحسم البقية أمرهم.

ويُلاحظ أن 30 في المئة من الروس موافقون على الخضوع للتفتيش، لا بل إن 42 في المئة من المُستَطلعين لا يرون ضيراً في استخدام اللجان للقوة عند الحاجة. وإلى جانب القبول الذي يلقاه تشكيل اللجان الشعبية ذات المهام الأمنية، فقد بلغت نسبة المستعدين للانضمام إلى صفوفها 39 في المئة.

في لقاء مع رئيس هيئة أركان اللجان الشعبية في موسكو، الجنرال الاحتياط فلاديمير سيميردا، نُشر في 25 سبتمبر/ أيلول 2012، على مواقع إلكترونية مختلفة، أكد أنه "في المرة الأولى التي تشكلت فيها لجان شعبية تطوعية في مدينة موسكو، كانت في عام 1881 ـ إثر اغتيال قيصر روسيا ألكسندر الثاني ـ وكانت مهمتها مساعدة الشرطة في حفظ النظام (عند تحرّك شخصيات رفيعة المستوى). وأما في العهد السوفييتي، فقد أصبحت اللجان الشعبية التطوعية، المشارِكة في حماية النظام العام والداعمة لقوات الأمن، التنظيم الاجتماعي الأكثر انتشاراً. ولم تتوقف إلا في سنوات البيريسترويكا، لتُستعاد من جديد. ففي سنة 1993، بادرت موسكو إلى إحياء اللجان الشعبية".

وذكر سيميردا أن "عدد أعضاء لجان موسكو الشعبية فاق حينها الـ19 ألفاً". وأضاف أن "لطبيعة عملها إيجابية لأنها تمارس نوعاً من الرقابة الشعبية على عمل قوات الأمن، وتحول دون التطبيق الكيفي للقانون". وذكر أنّ "من بين مهماتها الأكثر نجاحاً مساندتها لعناصر إدارة الهجرة الفيدرالية في موسكو".

وأشار إلى أنه "بين شهري يناير/ كانون الثاني وأغسطس/ آب 2012، شاركت اللجان الشعبية في أكثر من 1150 عملية ضد المهاجرين غير الشرعيين، وجرى خلالها القبض على أكثر من 10700 منهم". وذكر، إضافة إلى ذلك، أنها نفّذت 460 ألف دورية في ثمانية أشهر، من عام 2012، جرى خلالها تسجيل أكثر من 30 ألف مخالفة، بما فيها توقيف 175 مشتبهاً به في ارتكاب جرائم.

ولعلّ واحدة من أكثر الأمور إشكالية، في ما سرده سيميردا، يكمن في قوله: "لا يجوز حصر دور اللجان الشعبية في أرقام إحصائية، إذ يعمل لدينا متحمسون حقيقيون، ويمكن أن نقول عن كثير منهم: متعصبون للنظام العام. وذلك ما يقوم عليه عمل اللجان الشعبية".

فهل تكون العلّة في الوظائف الأمنية التي من أجلها يجري تشكيل اللجان الشعبية اليوم في الأقاليم الروسية، وليس في فكرة تشكيلها من حيث المبدأ، أم في طبيعة الأشخاص الذين ينضمون إليها وفي إمكانية استغلال حماستهم للنظام العام نحو حماسة للنظام السياسي، أم في هذا وذاك؟ روسيا، الرسمية والشعبية، تخشى الثورات وتعدّ العدّة لمواجهتها بقوة.
المساهمون