تركيا تستعدّ للمعركة الحاسمة بين "الكيان الموازي" وأردوغان

29 يوليو 2014
أردوغان وغولن كانا حليفين وأصبحا عدوين (أرشيف/أوزان كوز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
بلغت حملة مرشح الرئاسة التركية، رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، على حركة "الخدمة" أو جماعة الداعية فتح الله غولن، التي يتهمها بتأليف "كيانٍ موازٍ داخل الدولة"، ذروتها، أمس الاثنين، وذلك في خطبة له خلال احتفالات حزب "العدالة والتنمية" بعيد الفطر.

وفَند أردوغان، "ادعاءات غولن"، الأخيرة، بأن ليس له علاقة مع ضباط الشرطة الذين تم اعتقالهم في إطار قضية التجسس والتنصت غير المشروع.

وتأتي هذه التصريحات بعد انتهاء التحقيق مع 49 من ضباط الشرطة الذين تم اعتقالهم في إطار قضية التجسس والتنصت غير المشروع على قيادات الدولة، وأردوغان شخصياً، وذلك بعدما استمر التحقيق مع الرئيس السابق لشعبة مكافحة الإرهاب في مديرية أمن اسطنبول، يورت أتايون، لثماني ساعات ونصف الساعة.

وتعتبر هذه القضية أحدث الجولات في المعركة السياسية الشرسة التي تضرب تركيا منذ "قضية الفساد" في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي دفعت بأربعة وزراء للاستقالة، مما شكل صفعة قوية لحكومة أردوغان. حينها، تحدث رئيس الوزراء عن "مؤامرة" تحاك ضد حكومته من قبل ما أطلق عليه " الكيان الموازي" الذي يتألف بشكل أساسي من حليفه السابق، حركة "الخدمة"، ومؤسسها الواسع النفوذ، فتح الله غولن.

وبحسب التصريحات الحكومية فإن "الكيان الموزاي" هو عبارة عن شبكة سرية مكونة من ضباط الشرطة والمدعين العامين والذي يعملون لصالح حركة "الخدمة" وبأوامر مباشرة من غولن، وليس بما تطلبه المصلحة العليا للجمهورية التركية.

وأكد العديد من الصحافيين الأتراك أن تاريخ "الكيان الموزاي" يسبق إعلان أردوغان عنه كـ"عدو أول"، فهو المسؤول عن تحريك قضية "إرغينيكون" (الدولة العميقة) عام 2008، والتي اتهمت فيها شبكة سرية مكونة من ضباط في الجيش ومدنيين بمحاولة التخطيط للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية الإسلامية. ويضاف إليها "قضية المطرقة" عام 2010، والتي اعتقل فيها أكثر من 300 ضابط في الجيش التركي بتهمة محاولة الانقلاب.
كما أشار الكثير من المراقبين إلى أن "الكيان الموازي" كان المسؤول عن محاكمة وسجن الكثير من الكتاب والصحافيين بين عامين 2008 و2012؛ أبرزهم الصحافي الاستقصائي أحمد شك، وذلك قبل صدور كتابه "جيش الإمام" الذي تحدث فيه عن غولن وحركته والتنظيمات التابعة لها.

وعن سبب تغير العلاقة بين حزب "العدالة والتنمية" و"الكيان الموازي"، يرى الكثير من المحللين، أنه في تلك الفترة (بين 2008 و2012) لم يكن أردوغان يرى في "الكيان الموازي" تهديداً له، بل حليفاً قوياً ومهماً في مواجهة الجيش والأحزاب العلمانية التي كانت حينها "العدو الأول" للمحافظين المتدينين، سواء أكانوا من مناصري أردوغان أو غولن. ولكن ما إن تمت هزيمة "العدو المشترك"، أي الفئة الانقلابية في المؤسسة العسكرية، حتى انفرط عقد التحالف بين الطرفين وتحول إلى صراع على السلطة، لذلك ليس من المستغرب بأن بين المعتقلين في قضية التجسس والتنصت غير المشروع المتهمة بها جماعة غولن، الرئيس السابق لفرع الاستخبارات التابع لمديرية أمن إسطنبول، علي يلماز، والذي كان من المقربين من أردوغان.
وسبق ليلماز أن قال، في برنامج تلفزيوني، قبل اعتقاله، أن جميع العمليات التي شارك فيها كانت تجري بعلم أردوغان، بينما نفى الأخير ذلك في وقت لاحق.

لا يتكون "الكيان الموازي" فقط من رجال الشرطة، بل يضم العديد من القضاة والمدعين، مما دفع بالعديد من الصحافيين إلى الاعتقاد بأنه هناك عملية "تطهير" أخرى يتم التحضير لها ستطال قضاة ومدعي "الكيان الموازي". ويقدم هؤلاء أدلة على توقعاتهم، منها أن العملية الأخيرة ضد جهاز الشرطة جاءت أيضاً بعد عملية تنقلات كبيرة طالتهم، همشت المتهمين الحاليين، ونقلتهم إلى أماكن غير ذات أهمية. الأمر نفسه حصل في صفوف القضاة والمدعين العامين، إذ أطاحت التنقلات بنحو ألف نائب عام وقاضٍ، بمن فيهم زكريا أوز الذي أشعل فتيل قضية الفساد في إسطنبول، ونَقَلتْهم إلى وظائف وأماكن أخرى في أطراف البلاد، ثم أطاحت في مرحلة تالية بنحو 15 ألف شخص من الكوادر البيروقراطية المختلفة.

في المقابل، ستكون أي عملية ضد القضاء أكثر صعوبة وتعقيداً بسبب الحصانة التي يتمتع بها القضاة، وصعوبة تقديم أي أدلة ومستندات تدين القضاة والمدعين. ومن شأن هذه العملية إن حصلت، أن تصعّب التمييز بين مَن هم حقاً أعضاء في "الكيان الموازي" أو حركة "الخدمة"، ومن يتم استبعادهم من القضاة والمدعين من قبل الحكومة لعدم تجاوبهم معها، مما يهدد بتحول الجمهورية التركية، بحسب اتهامات المعارضة، إلى نموذج "جمهورية الحزب الواحد"، أي جمهورية "العدالة والتنمية".

تتجاوز أهمية المعركة مع "الكيان الموازي"، وفق خبراء، كونها معركة سياسية بين الحكومة وشبكة تحاول أن تسيطر عليها، بل هي معركة بين الحكومة و"مجتمع" بأكمله هو "مجتمع فتح الله غولن" بمؤسساته الهائلة والممتدة، إذ تؤكد رسائل حزب "العدالة والتنمية" أن المستهدف ليس فقط أعضاء "الخدمة" من البيروقراطيين، بل إن الحركة كلها هي المستهدفة، بما فيه أعضائها المدنيين وزعيمها غولن، الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ الانقلاب الأبيض للعام 1997 على نجم الدين اربكان. وسبق لمسؤولين في حزب "العدالة والتنمية"، أن كرروا مراراً، أنه "لن نسمح بأي عضو في (الكيان الموازي) التواجد بيننا مطلقاً".

ولا يمكن إلا وضع وصول السجال حول دور "الخدمة" في مواجهة حكومة "العدالة والتنمية"، إلى ذروته، في خانة أجواء ما قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في العاشر من أغسطس/آب المقبل، وخصوصاً أن أردوغان يطرح مشروع "تركيا الجديدة" في حملته الانتخابية.

المساهمون