ليبيا: بوادر توافق دولي والسراج يعيد الحياة لــ"اتفاق الصخيرات"

30 سبتمبر 2019
التوافق الدولي قابله تعنّت داخلي ورفض للحوار(جوهانس ايزيلي/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت المشاورات واللقاءات الكثيفة التي عُقدت على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بين أطراف دولية عدة، إلى قدر من الاتفاق على رفض الحل العسكري وضرورة عودة الليبيين إلى المسار السياسي، كخطوة واضحة نحو بلورة موقف دولي موحد، قبيل أسابيع من عقد قمة دولية بشأن ليبيا في برلين؛ لكن هذا التوافق قابله تعنّت داخلي ليبي وإصرار على رفض الحوار.

وقبيل بدء مشاورات نيويورك، وجه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، متجاوزاً كل الأجسام السياسية الموالية له، كمجلس النواب وحكومة شرق البلاد، رسالة إلى المجتمعين في نيويورك عبّر فيها عن انفتاحه على الحوار، لكنه ما لبث أن أغلقه بقوله إن "لا مجال للحوار ما دامت المجموعات الإرهابية والمليشيات المسلحة تسيطر على مقاليد ومناحي الحياة في طرابلس"، في إشارة لرفضه للحوار مع الحكومة وقواتها.

وحفلت تصريحات مسؤولي قادة الدول الكبرى بتصريحات تعكس قدراً من المسؤولية تجاه الملف الليبي، ولا سيما بعد التقارب الإيطالي الفرنسي الواضح، في إطار مساعي الاتحاد الأوروبي نحو "موقف أوروبي موحد بشأن ليبيا"، بحسب تعبير فيدريكا موغريني، الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية، فضلاً عن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، خلال لقائه بالسراج، الأربعاء الماضي، إلى "موقف دولي موحد لإنهاء أزمة ليبيا".

وذهبت أطراف دولية كواشنطن أبعد من ذلك، نحو الحديث مباشرة عن الخطوات الأولى لإعادة العملية السياسية. فقد أكدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، مورغان أورتاغوس، دعم بلادها لــ"توفير ظروف مناسبة لوقف إطلاق النار وإعادة العملية السياسية"، مشيرة إلى أن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، دافيد هيل، ناقش ذلك مع السراج خلال لقائه معه في نيويورك.

ولم تشِ تصريحات السراج، خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأي انفتاح ليبي داخلي، فقد رفض فيها، بكلّ أوصاف الرفض، حفتر كشريك في العملية السياسية المقبلة، وأكثر من ذلك نعته بــ"مجرم الحرب".

وفي آخر محطات الأسابيع القليلة المتبقية قبل انعقاد ملتقى برلين، أعلن السراج عن شروط عدة للقبول بالانضمام إلى الملتقى، على رأسها ضرورة أن يكون الحل السياسي على أساس اتفاق الصخيرات. ففيما أشاد، في بيان رسمي له نشره مكتبه الإعلامي منتصف ليل البارحة، بالجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، وبدور ألمانيا في السعي لإقامة ملتقى دولي حول ليبيا، اشترط للقبول بالمشاركة فيه، "الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي والأجسام المنبثقة عنه كمرجعية أساسية لأي حوار أو اتفاق، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، مع ضرورة الوقف الفوري للتعامل مع كافة المؤسسات الموازية لحكومة الوفاق".

وعن الحرب القائمة في محيط طرابلس، أكد السراج أن "أي حديث عن وقف إطلاق النار يرتبط بانسحاب القوات المعتدية من حيث أتت ومن دون شروط". وعن الاتفاقات الدولية السابقة، قال: "لم يكن هناك أي اتفاق في أبوظبي، فما حدث كان لقاءً تشاورياً بإشراف الأمم المتحدة، والاتفاقات كانت فقط في باليرمو وباريس"، مشدداً على أن "الحل السياسي الوحيد يكون من خلال خطة الأمم المتحدة التي تنص على عقد ملتقى وطني جامع، وفق ما كان مقرراً في مدينة غدامس في 14 إبريل/ نيسان الماضي، والذي تم تقويضه بحرب طرابلس".

وذهب بيان السراج إلى قطع الطريق أمام مشاركة حفتر في أي جسم سيادي، قائلاً: "الحديث عن إنشاء مجلس للأمن الوطني خارج إطار الاتفاق السياسي، وقبل إنهاء الأجسام الموازية كافة، غير ممكن، كما يتوجب خضوع المؤسسة العسكرية لسلطة حكومة الوفاق".

وتعليقاً على بيان السراج، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية خليفة الحداد، إن "أفق الجهود الدولية المقبلة بات ضيقا جداً بعد هذا البيان، فحكومة الوفاق شريك أساسي معترف به دولياً، ورفضه لحفتر يعني أن ملتقى برلين لن يفرز أكثر من استنتاجات لمشاورات دولية".

وأوضح، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن "السراج تجاوز في بيانه الحديث عن ضرورة توافق دولي لأنه أصبح اليوم تحصيلاً حاصلاً، ونقل الملف خطوات إلى الأمام، وحصره في مستواه المحلي"، لافتاً إلى أن دعوته للحل على أساس اتفاق الصخيرات، يعني إنهاء وجود حفتر من أصله، فالاتفاق لا ينص على وجوده ولا يحفظ له مكاناً في أي تسوية".

وأضاف الحداد أن "السراج وضع حلفاء حفتر، الذين ستكون لهم مشاركة فاعلة ومهمة في لقاء برلين، في خانة ضيقة عندما ذكّرهم بأن حليفهم حفتر هو الذي قوّض العملية السياسية، وقد وصلت لمرحلتها الأخيرة المرتقبة من خلال ملتقى غدامس".

من جانبها، قرأت الصحافية الليبية نجا الترهوني، المستجدات والظروف الجديدة المحيطة بالملف الليبي، بأنها تعكس طول طريق الحل، وقالت "إن السراج وضع، من خلال بيانه، خطوات واضحة، فهو يريد أن يقول إن الحل السياسي غير قريب، فهناك مراحل تسبقه أولها انسحاب حفتر، وهو يعرف أنه قرار ليس بالسهل على رجل عسكري كحفتر أن يتخذه من جهة، ومن جهة أخرى يربك سياسات دول كبرى كفرنسا، وربما روسيا، حلفاء حفتر"، مشيرة إلى أنّ "إعادة نظر هذه الدول في سياساتها بشأن ليبيا تعني وقتاً إضافياً آخر".

وترى الترهوني في حديثها لــ"العربي الجديد"، أن وصول المجتمع الدولي إلى مرحلة التوافق بشأن صياغة رؤية خاصة وموحدة بشأن ليبيا خطوة هامة، لكنها ترى أيضاً أن "السراج يريد أن يضرب الجميع بأيديهم، ويريد أن يقول للجميع رهانكم على حفتر قد خسرتموه وعليكم أن تنسوا أنكم اعترفتم بحكومة الوفاق، من خلال الاتفاق السياسي المحصن بقرار أممي، فأين تذهبون؟".

وتابعت: "المعركة الحالية انتقلت من الجبهات في محيط طرابلس، إلى ردهات وكواليس ملتقى برلين، قبل انعقاده بأسابيع، فمن غير شك أن هناك أطرافاً أوروبية ودولية كانت تعارض مشروعاً دولياً تقوده فرنسا لفرض حفتر"، لافتة إلى أن محاولة الأخيرة للتراجع خطوات، والبحث عن أي مخرج لها، كمحاولتها التقارب مع إيطاليا، تعكس إمكانية كبيرة لتغير لا يصب في صالح حفتر.

ورجحت الترهوني أن السراج على علم بهذه التبدلات الجديدة، ولذلك جاء بيانه الأخير في الاتجاه ذاته. وختمت بالقول: "أرجح أن البيان سيكون له أثر كبير على مشاورات الإعداد لملتقى برلين، ولا سيماأن السراج أظهر مطالبه كشروط لقبوله بالمشاركة في الملتقى".

المساهمون