استراتيجية "السياسة الدينية" في المغرب: الشرعية والإصلاح

12 ديسمبر 2014
المغرب يحارب التطرف بإرساء أسس المشروعية السياسية (راحيل كاربونيل/Getty)
+ الخط -
يسعى المغرب جاهداً، وفي كل مرة تسنح له، إلى تسويق تجربته في تدبير الشأن الديني أمام العالم، كأحد العوامل الرئيسة التي أدّت إلى الاستقرار السياسي والأمني، وإلى محاربة التطرف، غير أن تجربته هذه تعتريها نواقص تحدّ من فاعليتها.

وتعزو الحكومات المغربية المتعاقبة الاستقرار السياسي والأمني الذي تحظى به البلاد، وسط وضع عربي وإقليمي مضطرب، خصوصاً بعد سقوط أنظمة عدة في عدد من بلدان المنطقة، إلى السياسة التي تنتهجها المملكة في المجال الديني.

وكان المغرب قد شرع في التأسيس لاستراتيجيته السياسية الجديدة في الحقل الديني، في أعقاب التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، في مايو/أيار من العام 2003.

ارتكزت الاستراتيجية الجديدة على مبادئ الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغرب، والتشبث بمرجعية المذهب المالكي، وتشجيع الانفتاح على الثقافات الأخرى.

ويستعرض مسؤولون مغاربة ما يعتبرونه مكتسبات سياسية حققتها الدولة في مجال محاربة التطرف والإرهاب، مبرزين المحاور الرئيسة التي اعتمدت عليها التجربة السياسية المغربية الخاصة في مكافحة الإرهاب.

يؤكد وزير الأوقاف، أحمد التوفيق، أن "محاربة المغرب للإرهاب أُسِّست على ضرورة إرساء دعائم المشروعية السياسية في البلاد، التي دعمتها السلطات بإطلاق إجراءات الإصلاح في جميع الميادين، فضلاً عن تكوين علماء يدركون شروط السلم والمعروف".

ويعتبر التوفيق، أن موقف ما يدعوه "التيار الإرهابي" من العمل السياسي "مشوّه وقاصر عن استيعاب المتحولات السياسية أمام الثوابت الدينية". وأضاف أن "هذا التيار يعتمد القراءة الحرفية للنصوص خارج سياقها الزمني والموضوعي، ما يفضي إلى استخدام العنف".

ويلفت الوزير، إلى أن "المغرب فطن للتوجه السياسي الخطير الذي تود مثل هذه التيارات تطبيقه على الأرض، فانخرط في برامج تأهيل التعليم الديني، مع التمسك بإمارة المؤمنين التي تضمن المشروعية الدينية، والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية القائمة على الوسطية".

بدوره، يقول الباحث في الجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "ثمة مبادرات كثيرة وكبيرة، ساهمت ولا شك في التقليل من مخاطر التطرف الديني، والممارسات الإرهابية باسم الإسلام".

ويخص الكنبوري بالذكر، السياسة التي نهجتها الدولة تجاه المساجد، لناحية مراقبتها ووضع ضوابط للخطباء والأئمة حالت دون تسييس المنبر، وترويج الفكر المتطرف، على الرغم من حدوث انزلاقات بين حين وآخر، ما يطرح ضرورة تجديد السياسة الدينية بالمغرب.

ويسجل الباحث المغربي مفارقة تتمثل في كون "السياسة الدينية الجديدة لم تمنع من ظهور وتناسل الجماعات الإرهابية والمتطرفة، إذ تجاوز عدد الخلايا المتطرفة التي تم تفكيكها الـ150 خلية، وهذا أمر لم يحدث بالمغرب في الماضي، عندما لم تكن هناك سياسة دينية"، وفق الكنبوري.

ويخلص مؤلف "الإسلاميون بين الدين والسلطة"، إلى أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين السياسة الدينية ونزوع التطرف الديني، معتبراً أن الأمر يتجاوز مسألة السياسات الدينية إلى التساؤل حول مصادر التدين عند المتطرفين، ومحدودية الخطاب الديني الرسمي.

وفي هذا السياق، يفيد الكنبوري بوجود "مصادر متعددة تساهم في ترويج الخطابات الدينية إلى جانب الخطاب الرسمي"، وبأن "أي سياسة دينية يتعين أن تهتم بتفكيك الخطابات المتطرفة في الدين"، ويخلص الكنبوري إلى القول إن "أي سياسة دينية لا تجدد الخطاب الديني من أساسه لن تكون مثمرة".

ويرى مراقبون أن خصوصية النظام السياسي المغربي، التي تتمثل في مؤسسة إمارة المؤمنين، تُعدّ أحد العوامل الحاسمة التي جعلت السياسة الدينية للمملكة تساهم إلى حد بعيد في ضمان الاستقرار السياسي والأمني، إذ تؤول أمور الفتوى ودين المغاربة إلى الملك.

ويعيّن العاهل المغربي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويترأس فعلياً المجلس العلمي الأعلى، الذي يمثل المؤسسة الشرعية التي يُناط بها إصدار الفتاوى، ويسهم في تحصين الهوية الدينية والثقافية للمجتمع، ما يجعل الملك المحدد الأول للسياسة الدينية بالبلاد.

ويرى الباحث في الشأن السياسي والديني، الدكتور رشيد مقتدر، أن المؤسسات الدينية بالمغرب تعمل على تفعيل سياسة إمارة المؤمنين عبر التشريعات المنظمة للحقل الديني، وتجسيدها في شكل عملي، بهدف تكثيف الدور الديني السياسي لمؤسسة إمارة المؤمنين.

ويضيف أن المؤسسات الدينية تعمل على تدبير هذا القطاع الحساس، من خلال تنفيذ مرن للسياسة الدينية للمؤسسة الملكية، كما تتنبه إلى كل خلل أو انحراف، ورصد الظواهر الشاذة أو الممارسات المنحرفة التي قد تمس هذا الحقل على المستوى العام.

دلالات
المساهمون