روسيا تمدّ ذراعها العسكريّة نحو المنطقة القطبيّة

02 ديسمبر 2014
بوتين أوعز بتعزيز حدود روسيا في المنطقة القطبيّة(شون غالوب/Getty)
+ الخط -

تخوض روسيا، المستهدفة بعقوبات اقتصاديّة غربيّة متزامنة مع تخفيض سياسي لأسعار النفط، ودخولها سباقَ تسلّحٍ قد يضع اقتصادها على حافة الانهيار، معركة وجود على جبهات مختلفة، لا خيار أمامها إلا خوضها إذا رغبت في البقاء دولة ذات نفوذ، وعدم التراجع إلى وضعيّة دولة وظيفيّة في عالم تتزعّمه الولايات المتحدة الأميركيّة.

وفي حين لا تخفي الولايات المتحدة رغبتها في أن ترى روسيا قوة إقليميّة لا أكثر، فإنّ الكرملين يُذكّر العالم بأنّ روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي، وأنها لن تكون أقلّ حضوراً ونفوذاً منه، حتى لو أعلنت رسمياً أنها لا تسعى بأي حال إلى استعادة الإمبراطوريّة ولا طموحات لها خارج أراضيها. لكن حفاظ دولة، مثل روسيا، على سيادتها ووحدة أراضيها يحتاج إلى عدوانيّة وقوة. الأولى، تتمّ تغذيتها أيديولوجياً، والثانية يسابق الكرملين الزمن من أجل امتلاكها.

معركة حقوقيّة

وتشكّل المنطقة القطبيّة جبهة جديدة لروسيا على خط الصراع الذي تقوده لإثبات حضورها، إذ أعلن وزير الموارد الطبيعيّة والبيئة الروسي، سيرغي دونسكوي، كما نقلت عنه وكالة "إنترفاكس"، نهاية الشهر الماضي، قوله أثناء اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأعضاء الحكومة، إن روسيا ستُقدّم طلباً مدعوماً بالوثائق اللازمة إلى لجنة قاع البحار التابعة للأمم المتحدة، لتوسيع حدودها في المنطقة القطبيّة.

ويؤكّد دونسكوي ثقته بتبعيّة الجرف القطبي المتنازع عليه لروسيا. ويقول: "أنا واثق أنّ هذا الجرف روسي، وقد بدأنا بإعداد الملفّ منذ 14 عاماً"، مضيفاً "لم نتمكن حينها من إثبات أن هذه الأجزاء من الجرف تعود إلى الصفيحة القاريّة الروسيّة الأم، إلا أنّ هناك أبحاثاً جديدة اليوم، وجميع الاختصاصيين يقولون إنّه لدى روسيا كلّ الوثائق الإضافيّة، التي تُثبت تبعيّة قاع لومونوسوف وهضبة مندلييف وحفر الغواصين إلى الأرض الروسيّة".

وتعني الموافقة على توسيع الحدود الروسيّة باتجاه القطب الشمالي، حصول روسيا على 1,2 مليون كيلومتر مربّع من المنطقة القطبيّة، وهي منطقة، على الرغم من عدم صلاحيتها للعيش، لكنّها من أغنى مناطق العالم بمصادر الطاقة، إذ تُقدّر الاحتياطات النفطيّة فيها بحوالى 5 مليارات طن.

وفي هذا السياق، يؤكد البروفيسور في قسم التكامل الأوروبي في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدوليّة، ليف فورونيكوف، عبر إذاعة "فيستي إف إم"، أنّه "من المهم، قبل كل شيء، التشديد على أن الحديث لا يدور على توسيع الأرض الروسيّة، وإنّما على توسيع منطقة الحقوق الروسيّة". ويوضح أنّه "في الوقت الراهن، هناك في مياه منطقة ما وراء الدائرة القطبيّة أكثر من 60 حقلاً كبيراً للنفط والغاز، وأكثر من 43 منها يقع في الجزء الروسي، أو الجزء الذي تحاول روسيا تأكيد سيادتها عليه قانونياً".

وليست روسيا وحدها من يسعى لإلى امتلاك تلك الخيرات، فكندا والدنمارك قالتا أيضاً إنّ قاع لومونوسف يُشكّل استمراراً للصفيحة القاريّة التي تقوم عليها الدولتان، وتطمحان إلى توسيع حدودهما بنحو 350 ميلاً ليشمل هذه المنطقة الغنيّة بمصادر الطاقة، وغيرها من الثروات الحيويّة. وهكذا، تكون روسيا الدولة الوحيدة خارج حلف شمال الأطلسي، التي تصارع على ملكيّة المنطقة القطبيّة، مما ينذر بتصعيد مع الحلف قد يصل إلى حدّ المواجهة العسكريّة، الأمر الذي أكده رئيس أكاديميّة المشكلات الجيوسياسيّة الروسيّة، اللواء ليونيد إيفاشوف.

وينقل موقع "ديالوغ.يوا"، عن إيفاشوف، قوله إنّ "الصراع على المنطقة القطبيّة، وعلى الموارد الحيويّة فيها، يمكن أن يتحوّل إلى مواجهة عنيفة بالسلاح".

تصعيد أطلسي

ويبدو أنّ حقبة التفرّد الروسي بالقطب ولّت أو بحاجة إلى إعادة إثبات، وقد تكون كلفة ذلك باهظة. فقد استغلّت روسيا لفترة طويلة تفوّقها في المنطقة القطبيّة، وبالدرجة الأولى امتلاكها الأسطول الأكبر والأقوى في العالم من كاسحات الجليد، سواء في العهد السوفياتي أم اليوم.

وورثت روسيا عن الاتحاد السوفياتي 20 كاسحة جليد، مقابل 12 لدى كندا. فيما لم يكن لدى الولايات المتحدة حتى عهد قريب سوى كاسحة واحدة، مع العلم بأنّ الأميركيين أطلقوا أخيراً برنامجاً لبناء كاسحات جليد، تبلغ كلفة الواحدة منها، على ما يذكره موقع "أودناكو.أورغ"، مليار دولار.

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2009، تم نشر التوجيه الرئاسي الأميركي، رقم 66، الذي رأت روسيا أنه يحمل طابعاً عدوانيّاً، وجاء فيه أنّ "الولايات المتحدة، تدافع عن مصالحها القوميّة الأساسيّة في المنطقة القطبيّة الشماليّة في المجال الأمني، بما يشمل نشر منظومة الدفاع الصاروخي والردع الاستراتيجي، والتواجد البحري".

كما تُجري الولايات المتحدة الأميركية وكندا، في الآونة الأخيرة، مناورات عسكريّة منتظمة في المنطقة القطبيّة. ويوضح موقع "أودناكو.أورغ"، أيضاً، أنّ دخول الغواصات الأميركيّة إلى هذه المنطقة تضاعف مرّة ونصف مرّة. وبالتوازي، تتمّ زيادة عدد القوات الأميركيّة ذات المهام الواسعة، بما فيها قوات الدفاع الصاروخي، في ألاسكا والجزر المجاورة لسلسلة ألوشيان. يضاف إلى ذلك، أنّ الدول الأخرى المتاخمة للمنطقة القطبيّة تستعد بدورها لزيادة تواجدها العسكري في المحيط المتجمّد الشمالي.

وهكذا، وصلت الأمور إلى درجة الحديث، في أوساط السلطة الروسيّة، عن ضرورة حماية الحدود القطبيّة. وتنقل وكالة "إنترفاكس" عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قوله في هذا السياق: "اتجهنا إلى المنطقة القطبيّة بما يكفي من النشاط، وسيكون لدينا في هذا العام عدد كبير من الوحدات في مختلف أنحاء منطقة القطب الشمالي، أي من مورمانسك إلى تشوكوتكا". ويضيف: "الكثير من الأشياء، وعلى وجه التحديد المطارات والمستودعات والحواجز المائيّة ومراكز الطاقة، سيكون علينا بناؤها من جديد، وهذا ما نقوم به الآن".

من جهته، يؤكّد وزير الدفاع الروسي أنّ العمل جارٍ على تجهيز البنية التحتيّة لقواعد دفاع جوي فوق الجزر القطبيّة، ينبغي أن تكتمل في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ويشار إلى أنّ الإجراءات التي تحدّث عنها شويغو، تأتي في إطار تنفيذ التوجيه الرئاسي، إذ سبق للرئيس الروسي أن أوعز في أبريل/نيسان الماضي بتشكيل نظام انتشار مشترك لسفن وغواصات من الجيل الجديد، في المنطقة القطبيّة وتعزيز حدود روسيا في المنطقة، وإنشاء هيئة حكوميّة جديدة لتنفيذ سياسة روسيا في القطب الشمالي.

ويجري الحديث في الأوساط الروسية عن تهديدات جديّة، يشكّلها حلف شمال الأطلسي لروسيا وأراضيها وليس فقط لمصالحها الجيوسياسيّة، وضرورة إنشاء منظومة دفاع موحّدة، تكون قادرة على حماية المصالح الروسيّة في المنطقة القطبيّة الشماليّة المرشّحة لتشهد حماوة، والأهميّة الاستراتيجيّة ذاتها بالنسبة إلى روسيا.

ومن المتوقّع تشكيل قيادة "قوات الشمال" الجديدة، قبل حلول عام 2017، وسيدخل في عدادها، إلى جانب القوات البحريّة، لواءان من قوات المشاة. وستكلّف بدوريّات لحماية المرافق في المناطق الساحليّة والمناطق الواقعة على طول سواحل البحار الشماليّة والمحيط المتجمّد الشمالي، ومرافقة السفن في طريق بحر الشمال، وستكون لها وظيفة معنويّة هي إثبات الوجود العسكري الروسي في منطقة القطب الشمالي.

إلى ذلك، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" في 13 مايو/أيار الماضي، عن المتحدّث باسم الدائرة العسكريّة الشرقيّة في روسيا، العقيد ألكسندر غوردييف، أنّ وحدة من الطائرات من دون طيّار، سوف تُشكّل في تشوكوتكا، وأنّ المهمة الأساسيّة لهذه الوحدة من الطائرات "ستكون ضمان سلامة النقل البحري في المنطقة القطبيّة، والقيام بعمليّات استطلاع جوّي للشواطئ والمياه الإقليميّة التابعة لروسيا الاتحاديّة".

وتطرح هذه الاستعدادات والخطط العسكريّة التساؤلات عمّا إذا كان من شأن التصعيد في المنطقة القطبيّة الشماليّة أن يقود المنظمة الدوليّة إلى التعجيل بحسم ملكيّة قاع القطب، أم ستنتصر السياسة الأميركيّة نحو مزيد من استنزاف روسيا، عبر سباق التسلّح والنفقات الحربيّة، وإشغالها بنزاعات هنا وهناك تلهيها عن مشاريعها التنمويّة وتدفع شعبها إلى مزيد من الفقر.

المساهمون