"حنان" فرنسي مع السيسي: مصالح مشتركة تفرض عدم إحراجه

27 نوفمبر 2014
أكد هولاند على أهمية استكمال مصر المرحلة الانتقالية(فرانس برس)
+ الخط -
يعمل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على استثمار تغير الظروف الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، في محاولة لفك العزلة عنه وخصوصاً في أوروبا، التي يزورها لأول مرة منذ انقلاب يوليو/تموز 2013 وأتبعه بحملة قمع شديدة طالت أنصار جماعة الإخوان المسلمين، أزهقت آلافاً من الأرواح وملأت سجون مصر بالمعتقلين. وهو ما تسبب في توجيه انتقادات حقوقية واسعة له في أوروبا.

وفي السياق، تؤكد مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" أنّ فرنسا، التي وصلها السيسي أمس في زيارة تستغرق يومين، "يهمها في هذه المرحلة عدم إحراج أو إزعاج القاهرة في ضوء المواقف التي كانت اتخذتها باريس في السابق بشأن الانقلاب والتطورات السابقة". ووفقاً للمصادر "تسعى فرنسا إلى تحسين العلاقة مع مصر، معتبرة أن "اللحظة والمرحلة حساسة وصعبة، وينبغي مساعدة القاهرة".

لكن المصادر نفسها تؤكد على "ضرورة المضي بالمسيرة الديمقراطية وبالمرحلة الانتقالية ضمن خريطة الطريق". وتشدد على أهمية أن "تتم الانتخابات التشريعية عام 2015 في مصر بشفافية"، مشيرةً إلى أنها "ستكون اختباراً لما سيحدث".
وفي السياق، ترى المصادر أنه "في ما يخص انتخابات 2015، فإن فرنسا ترى أنه يحق للإخوان المسلمين أن يترشحوا لهذه الانتخابات، وأن فرنسا لا تعتبر حركة الإخوان حركة إرهابية". هذه التوجهات التي تحكم رؤية فرنسا للتطورات في مصر، انعكست في تصريحات الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أمس الأربعاء، إذ أكد على ضرورة "مضي القاهرة في المسيرة الانتقالية الديمقراطية فهي مرت بظروف صعبة، ومن الهام مواصلة المسيرة السياسية"، في الوقت الذي كان شارع فرانكلين روزفيلت القريب من جادة الشانزيليزيه، يشهد تظاهرة جمعت مصريين معارضين انتقدوا الزيارة. وتخللها حرق أعلام قبل أن تتدخل قوى الأمن الفرنسي للتهدئة.



كما أعرب الرئيسان الفرنسي والمصري في مؤتمر صحافي مقتضب مشترك عن "تطابق في وجهات النظر حول عدد من الملفات، ومن بينها موضوع مكافحة الإرهاب". وقال هولاند "أذكّر بأن مصر تواجه حركات إرهابية من دول مجاورة لها"، داعياً إلى "ضرورة بذل كل شيء من أجل مواجهة المتطرفين كما حدث في جنوب سيناء".

والترحيب بزيارة السيسي إلى فرنسا لم يقتصر على الرئاسة الفرنسية، إذ كان حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، اليميني المتطرف، الذي تتزعمه مارين لوبين أعرب عن ارتياحه لقدوم السيسي على لسان مستشار زعيمة الجبهة لشؤون القضايا الدولية إيميريك شوبراد.

والأخير شنّ في بيان نشره هجوماً على الرئيس المعزول محمد مرسي، واصفاً إياه بأنه "أبعد ما يكون عن الإسلام المعتدل الذي قدمته لنا وسائل الإعلام الغربية لأول مرة"، متهماً إياه بجرّ مصر "إلى تطبيق منهجي للشريعة". وبرر الموقف المرحب بالسيسي بالقول "ما قام به الجيش، والذي كان صدمة لنا في البداية، أنهى ديكتاتورية إسلامية لا ترحم".

كما لم يغفل الإشادة بوفاء السيسي "بالوعود التي قطعها بإجراء انتخابات حرة، وتحقيق الاستقرار في البلاد ومحاربة الإرهاب الداخلي". واعتبر أنه يجب على أوروبا مساعدة مصر لعودتها الناجحة إلى السلام والنمو، ودعا فرنسا إلى "الذهاب أبعد نحو مصر؛ لأن استقرار البلاد هدف أساسي من أجل مصالح المتوسط وأوروبا".
في المقابل لم تتطرق الكثير من وسائل الإعلام الفرنسي لهذه الزيارة بالأهمية نفسها التي كانت تتعاطى بها مع زيارة مسؤولين آخرين.

إلا أن موقع "ميديا بارت" الإعلامي الشهير وَاكَبَ الزيارة، ونشر تحقيقاً مطولاً من مراسلته في القاهرة آسيا شهاب بعنوان "في مصر، الرئيس السيسي يعود إلى ممارسات عهد مبارك". وتقول فيه إنه "تحت مبرر مكافحة الجهاديين في سيناء، يقود الرجل القوي في مصر قمعاً ضد كل المعارضين، وليس فقط ضد الإخوان المسلمين. ومن أجل تحقيق هذا الأمر وسّع من سلطات المحاكم العسكرية".وأشارت إلى أن "نظام السيسي، اليوم، يمتلك ترسانة قضائية بالغة القمع". قبل أن تقول "هذا هو الرجل الذي يستقبله فرنسوا هولاند في الإيليزيه".

وإذا كانت صحيفة "لوفيغارو" فضّلت نشر إعلان يرحب بالرئيس المصري على نصف صفحة بمبادرة من قِبَل السيد محمد نبيل حلاوة، فإن صحيفة "لوموند" تطرقت لهذا الحدث، وعنونت مقالها بـ "ليبيا، رهان زيارة الرئيس السيسي إلى باريس". وأكدت خشية باريس والقاهرة من سقوط ليبيا تحت سيطرة المجموعات الجهادية. وترى الصحيفة أن "هذه الزيارة التي ستتطرق لقضايا الأمن الإقليمي والاقتصاد لم يكن يتوقعها أحد قبل سنة من الآن، حينما كانت الانتقادات تنهال على مصر من كل جانب بسبب القمع الذي طال الإخوان المسلمين، والذي تسبّب في مقتل 1400 شخص واعتقال الآلاف".

وترى الصحيفة أن عودة مصر للواجهة كان بسبب دور الوساطة الذي لعبته أثناء حرب غزة، وبسبب دورها على الساحة الليبية، لأن الطرفين يخشيان معاً "سقوط ليبيا في أيدي المجموعات الجهادية".

وسجلت الصحيفة بعض الخلافات بين السيسي الذي يريد فرض موقفه في ما يخص حل المعضلة الليبية، الرافض لأي دور لأي من الحركات الإسلامية في ما تعارض فرنسا والجزائر سياسة الإقصاء. وكان هولاند والسيسي قد أشارا إلى "أنهما يتشاركان المخاوف" في الملف الليبي.

كما تطرق الرئيسان إلى الوضع في سورية والعراق. وقال السيسي "إن المباحثات عكست تفاهماً حول ضرورة التوصل إلى حل سياسي يضع حدا للدماء ويحمي المؤسسات ويؤمن للمرحلة السياسية الانتقالية".

والسلاح أيضاً كان حاضراً في الزيارة، فالسيسي، الذي يعاني من تقليص الولايات المتحدة لمساعداتها العسكرية، يريد تحديث أسطوله الجوي وتعزيز الدفاعات الجوية، بفضل تمويل سعودي وإماراتي.

وفي السياق، كانت منظمة العفو الدولية (الفرع الفرنسي) قد استبقت الزيارة وتساءلت عن مجرياتها، وعما إذا كان الرئيس الفرنسي ومسؤولون آخرون، من بينهم وزير الخارجية لوران فابيوس، سيناقشون مع الرئيس المصري مسألة حقوق الإنسان في مصر، حيث تعيش الحريات في مصر "ظروفا مأساوية غير مسبوقة". وطالبت المنظمة، في بيانها، من الحكومة الفرنسية وقف إرسال الأسلحة التي تستخدم في التعذيب إلى مصر، والتي تضاعفت بين 2012 و2013، ووصلت مبيعاتها إلى 63 مليون يورو.

دلالات
المساهمون