استمع إلى الملخص
- **الجهود الدولية والمفاوضات غير المباشرة:** تزايدت الجهود الدولية لبدء المفاوضات، مثل جولة أوربان وزيارة وزير الخارجية الأوكراني إلى الصين. المحلل تشالينكو أكد أن المفاوضات غير المباشرة جارية، لكن الطرفين غير مستعدين لإبرام السلام إلا بشروطهما.
- **التحديات أمام المفاوضات المباشرة:** الأستاذ يالي أشار إلى تباين مواقف سكان أوكرانيا وسلطاتها، متوقعاً قبول المفاوضات في حال تحقيق انتصارات تكتيكية. لا توجد تأكيدات رسمية لانطلاق المفاوضات، حيث أقر بيسكوف بانعدام وجود محددات واضحة.
قبل بضعة أشهر، بدت فكرة إطلاق مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا مشروعاً بعيد المنال، وسط وضع الدولتين المتحاربتين شروطاً تعجيزية إحداهما أمام الأخرى، وإصرار روسيا على الاعتراف بسيادتها في مناطق شرقي أوكرانيا، مقابل حظر كييف على نفسها التفاوض مع موسكو طالما ظلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السلطة، فضلاً عن المطالبة بانسحاب القوات الروسية من كافة الأراضي الأوكرانية. إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أكد في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في يوليو/تموز الماضي، أنه مستعد للتفاوض مع القيادة الروسية، رغم أنه حظر ذلك على بلاده بموجب مرسوم أصدره في عام 2022، مشدداً على ضرورة استعادة "الأراضي المحتلة" بوسائل دبلوماسية، في إشارة إلى القبول ببقائها مؤقتاً ضمن روسيا.
وفي موازاة ذلك، نشر معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع نتائج استطلاع أظهر تغييراً لمزاج الرأي العام الأوكراني، إذ رأى 32% من المشاركين في الاستطلاع أن "أوكرانيا يمكنها التخلي عن بعض الأراضي من أجل تحقيق السلام في أسرع وقت والحفاظ على الاستقلال"، في مقابل 55% رأوا أن "أوكرانيا يجب ألا تتخلى عن أرضها مهما تكن الظروف". واللافت أن التغير التدريجي للموقف الأوكراني من المفاوضات مع روسيا، برز بعد أسابيع عدة على تحديد بوتين خلال لقاء مع قيادة وزارة الخارجية الروسية في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، انسحاب القوات الأوكرانية من المقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا بشكل أحادي الجانب عام 2022، شرطاً لوقف إطلاق النار في أوكرانيا وبدء المفاوضات، من دون ذكر قضيتي "نزع النازية" و"تحييد سلاح أوكرانيا". والمقاطعات هي، زابوريجيا وخيرسون ودونيتسك ولوغانسك.
هل تتفاوض روسيا وأوكرانيا سراً؟
ثمة مؤشرات داعمة لفرضية تزايد الجهود الدولية لبدء المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا وأبرزها الجولة المكوكية التي قام بها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في يوليو الماضي، وشملت كييف وموسكو وبكين وواشنطن، وزيارة وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إلى الصين، وهي الأولى من نوعها منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022. وتعليقاً على هذه التطورات، أكد المحلل السياسي، الصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، أن المفاوضات غير المباشرة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا جارية بالفعل وراء الكواليس، مشككا في الوقت نفسه في قدرة الطرفين على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في الأفق القريب.
وقال تشالينكو، المتحدر من مدينة دونيتسك، شرقي أوكرانيا، في حديث لـ"العربي الجديد": "تتسم السياسة الروسية بعدم القابلية للتنبؤ، وأعتقد أن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا جارية بالفعل خلف الكواليس، ولكن المشكلة تكمن في أن الطرفين غير مستعدين لإبرام السلام إلا بشروطهما، مطالبين أحدهما الآخر بالانسحاب الكامل من الشرق الأوكراني".
ألكسندر تشالينكو: الأمن القومي الروسي يتحقق بقطع أوكرانيا عن البحر الأسود
ومع ذلك، قلل من أهمية المزاعم أن انسحاب القوات الأوكرانية من المقاطعات الأربع سيكون كافياً لطي صفحة الحرب إلى الأبد، مضيفاً: "كان خطاب بوتين أمام قيادة وزارة الخارجية موجّهاً بالدرجة الأولى إلى الجمهور الخارجي لإظهار استعداده لحل وسط. إلا أن موسكو تدرك أن أمنها القومي طويل الأجل لن يتحقق إلا بقطع أوكرانيا عن البحر الأسود وإبعاد خط التماس إلى نهر دنيبر، وهي تعلم علم اليقين أن كييف ورعاتها الغربيين سيستثمرون فترة تجميد النزاع للتدريب والتسليح". وحول رؤيته لدوافع أوكرانيا للاستمرار في القتال رغم تراجع مواقعها في الميدان في الفترة الأخيرة، رأى تشالينكو أنه "ميدانياً، الجبهات الأوكرانية لم تنهر، ونفسياً لم يتم كسر شوكة الأوكرانيين.
ورغم ارتفاع نسبة المستعدين للتفاوض، إلا أن قطاعاً عريضاً من السكان لا يزالون يتأثرون بالدعاية التي ترسم صورة مفادها أن أوكرانيا ستُلحق هزيمة بروسيا بعد حصولها على دفعات جديدة من الدعم العسكري الغربي". ولفت إلى أن الوضع يختلف اختلافاً جذرياً عن عامي 2014 و2015 حين توصلت روسيا وأوكرانيا إلى اتفاقات مينسك في بيلاروسيا، قائلاً: "حينها، تعرّض الجيش الأوكراني لمجموعة من الهزائم، وكان استمرار القتال سيترجم حتماً إلى خسارة منطقة دونباس (تضم إقليمي لوغانسك ودونيتسك) كاملة وربما سقوط السلطة في كييف. أما موسكو، فلم تكن مستعدة للتصعيد مكتفية بضم شبه جزيرة القرم" في عام 2014.
لا مفاوضات مباشرة
من جهته، أشار الأستاذ في قسم العلاقات الدولية في "الجامعة الوطنية للطيران" في كييف، مكسيم يالي، إلى تباين مواقف سكان أوكرانيا وسلطاتها من مسألة التفاوض، متوقعاً في الوقت نفسه قبولها عقد المفاوضات في حال تمكنت من تحقيق بعض الانتصارات التكتيكية على الجبهة أولاً. وقال يالي في حديث لـ"العربي الجديد": "تعكس نتائج استطلاع الرأي إرهاق الأوكرانيين من الحرب وانقطاع الكهرباء والتعبئة العسكرية والوضع على الجبهة التي نتراجع عليها تدريجياً.
مكسيم يالي: التنازل الحدودي يعني موتاً سياسياً للسلطة في كييف
إلا أن السلطة غير مستعدة للمفاوضات إدراكاً منها أن التفاوض على التنازلات الحدودية سيعني موتاً سياسياً لها، لأنه بعد إنهاء النزاع أو تجميده ستجري انتخابات. وعلى خلفية انهيار الاقتصاد وتدمير البنية التحتية وخسائر فادحة بلا نزع الاحتلال، سيمنى زيلينسكي وحزبه بهزيمة حتمية". ومع ذلك، لم يستبعد يالي احتمال قبول السلطة الأوكرانية ببدء المفاوضات قبل نهاية العام، مضيفاً: "يعتمد مصير المفاوضات على مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها الوضع الميداني ومدى الدعم العسكري الأميركي في الأشهر المقبلة، إذ تحتاج أوكرانيا إلى تحقيق تقدم، ولو تكتيكي، قبل الانخراط في مفاوضات السلام حتى تدرك موسكو عدم واقعية مطالبها بتسليم أربع مقاطعات كاملة لها".
وجزم بتعذر إجراء مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا في المرحلة المقبلة، معتبراً أنه "لن تنعقد المفاوضات بين بوتين وزيلينسكي بشخصيهما، وإنما في إطار مؤتمر سلام يبدأ بمناقشة القضايا الإنسانية أو عبر وسيط تبدو الصين هي الأقرب لأداء دوره كونها، على ما يبدو، الطرف الوحيد القادر على إقناع موسكو بالقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات".
ومع ذلك لا تأكيد رسمياً لانطلاق المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في الأفق المنظور، إذ أقر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، نهاية الشهر الماضي، بانعدام وجود محددات لمفاوضات سلام مع أوكرانيا، مشيراً إلى أن موسكو ترصد "إشارات غير واضحة" ولا تعلم مدى واقعيتها. وقال بيسكوف في تصريح لصحيفة "إزفيستيا" شبه الرسمية الروسية: "حتى الآن لا مادة محددة للمفاوضات. وهناك إشارات غير واضحة لا نعلم مدى واقعيتها. هل يسري حظر نظام كييف على إجراء أي مفاوضات معنا؟ لا محددات". مع ذلك، نقلت "إزفيستيا" عن مصادر مطلعة قولها إن روسيا لا تزال معنية بتسوية الأزمة بطريقة دبلوماسية والبحث عن حلول مع مراعاة دستورها، في إشارة إلى تمسكها بمقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون المدرجة ضمن قائمة الكيانات الإدارية الروسية ضمن دستور البلاد منذ عام 2022.