الانتخابات المصرية: ارتباك التحالفات و3 أسباب للتأجيل المستمر

01 يناير 2015
جهود لتشكيل تحالف يمنع إعاقة عمل الرئاسة (فرانس برس)
+ الخط -

مهما اختلفت التحليلات المتصلة بالانتخابات التشريعية المقبلة في مصر، فهي تُجمع على أن الارتباك سمة ملازمة لها، بدءاً بموعدها المفترض، الذي رسا أخيراً على مارس/آذار المقبل كموعد "مبدئي"، وصولاً إلى التحالفات الانتخابية التي ستخوض الاستحقاق. الارتباك لا ينحصر بالمستوى الرسمي في عدم تحديد الجدول الزمني لإجراء الانتخابات، بل على مستوى التحالفات التي تسعى الأحزاب إلى تشكيلها أيضاً. وكلما يتأجل موعد الاستحقاق، الذي تقع خلفه ثلاثة أسباب، تزداد تصدعات التحالفات، وهو ما تكرس مع انسحاب أحزاب المؤتمر والتجمع والغد، من تحالف "الجبهة المصرية"، أو تجمع رموز نظام حسني مبارك، وذلك على خلفية خلافات داخل التحالف على نسب كل الأحزاب الثلاثة سواء في القائمة أو مقاعد النظام الفردي. وحاول رئيس حزب الوفد السيد البدوي، استمالة هذه الأحزاب إما للانضمام إلى تحالف الوفد المصري، أو تشكيل تحالف انتخابي جديد، يضم الأحزاب الثلاثة إضافة إلى تحالف الوفد. بيد أن المشاورات لا تزال قائمة حول طبيعة وشكل التحالف، ومن المقرر أن يحسم الأمر مطلع الأسبوع المقبل. واتفق البدوي بشكل مبدئي مع الأحزاب الثلاثة على التنسيق بشكل أكبر على مقاعد الفردي، خصوصاً أنها تشكل أغلبية مجلس النواب المقبل.

وفي السياق، تصاعدت حدّة التراشق الإعلامي بين قيادات حزب الوفد وتحالف التيار الديمقراطي، على خلفية الانضمام إلى القائمة الموحدة التي يسعى إلى تشكيلها رئيس الجمعية الوطنية للتغير الدكتور عبد الجليل مصطفى. وأبدى مصطفى رغبته في تشكيل قائمة موحدة للمّ شمل القوى والأحزاب المؤيدة لـ25 يناير و30 يونيو، لخوض الانتخابات البرلمانية.

في المقابل، يتمسك تحالف التيار الديمقراطي بالانضمام لقائمة "صحوة مصر" التي يعدّها مصطفى، وأرسل أسماء مرشحيه للانضمام إلى القائمة، تمهيداً للانضمام إليها بشكل رسمي.

وأعلن نائب رئيس حزب الحركة الوطنية، يحيى قدري، وجود اتجاه للتنسيق بين مرشحي الائتلاف الجبهة المصرية وتحالف الوفد المصري على مقاعد الفردي فقط.

وعن قائمة مستشار الرئيس عبدالفتاح السيسي، كمال الجنزوري للانتخابات، فقد عزفت الأحزاب السياسية عن المشاركة في القائمة، وأعلن القيادي في تحالف الوفد المصري حسام الخولي، "إغلاق هذه الصفحة تماماً"، وعدم التواصل معه بشأن التنسيق على قائمته. غير أن حزب المصريين الأحرار استمر على موقفه من تأييد قائمة الجنزوري، فضلاً عن حركة "تمرد" التي أعلنت إرسال أسماء مرشحيها لقائمته الانتخابية.

ويشرح الخبير السياسي، مختار غباشي هذا الارتباك في المشهد الانتخابي المصري بأنه تعبير عن تخوف الأحزاب من الفشل في الحصول على مقاعد أكثر في مجلس النواب المقبل، ولذلك تتحسس أي التحالفات يمكن أن تحصد أغلبية. أما الباحث في العلوم السياسية، أمجد الجباس، فهو يرى سبب هذا الارتباك في أن الأحزاب "لا تسعى لتكوين برلمان قوي يمكن من خلاله محاسبه الرئاسة وتشكيل الحكومة المقبلة، ولكن تهدف للتقرب من مؤسسة الرئاسة".

وأكد الباحث في العلوم السياسية، أن السيسي يقع تحت ضغوط دولية لإجراء الانتخابات قبل شهر مارس/آذار المقبل، وتحديداً قبل المؤتمر الاقتصادي للدول المانحة لمصر.

على صعيد متصل، تراجعت الحكومة المصرية عن تعهدات سابقة لها بأن يكون مجلس النواب الجديد منعقداً عند بدء أعمال مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في منتصف مارس/ آذار المقبل. ووفقاً لدستور 2014 الذي صدر في 18 يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، فإن إجراءات الانتخابات البرلمانية كان يجب أن تُتخذ قبل 18 يوليو/ تموز، إلا أن اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات اكتفت بالاجتماع في ذلك التاريخ، واعتبرت اجتماعها الصوري هذا بداية للإجراءات، على النقيض من العرف القانوني في مصر والمستقر على أن بدء الإجراءات هو توجيه الدعوة للناخبين بالاقتراع في يوم محدد.

وتعزو مصادر سياسية مطلعة، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، هذا التأخير إلى استمرار فشل الوسيطين السياسيين كمال الجنزوري وعمرو موسى في تحضير قوائم سياسية مترابطة تصلح لخوض الانتخابات في ما يشبه الائتلاف والسيطرة على البرلمان، بما يقلل من الأخطار المحتملة لوقوف النواب حجر عثرة أمام تنفيذ السلطة التنفيذية، والرئاسة تحديداً، لا سيما في ظل الصلاحيات الواسعة غير المسبوقة التي يحظى بها البرلمان وفق دستور 2014، إلى حد التحكم في استقالات الوزراء والإبقاء عليهم.

وأوضحت المصادر أن انسحاب موسى من المشهد الانتخابي أثّر سلباً على سمعة الائتلاف الذي يسعى الجنزوري إلى تشكيله، فرغم أن رئيس الوزراء الأسبق الذي يشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، قد استبعد أحزاب فلول نظام مبارك، إلا أن الائتلاف الذي يرنو لتشكيله لا يزال يفتقر إلى الشخصيات والأحزاب التي يمكن اعتبارها متسقة مع أهداف ثورة 25 يناير. وأضافت المصادر أن الجنزوري توصل إلى اتفاق مبدئي مع حزب النور السلفي على التنسيق بينهما في العديد من الدوائر، بنسبة سيتم الاتفاق عليها لاحقاً. ولم ينسّق الجنزوري مع أحزاب جبهة الوفد ليبرالية التوجه، وكذلك الأحزاب الناصرية، والأحزاب اليسارية الاجتماعية، وهي التيارات الثلاثة التي كانت تشكل في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي العمود الفقري لما يسمى "جبهة الإنقاذ"، بالإضافة إلى محمد البرادعي وعمرو موسى.

وأشارت المصادر إلى أن هناك أسباباً مساعدة تجعل موعد الانتخابات غير معلوم حتى اليوم، حتى بالنسبة إلى السيسي الذي قال إنها ستجرى في مارس، ولجنة الانتخابات التي تبدو غير قادرة على تحديد شكل الإجراءات التي ستتخذها. أول هذه الأسباب هو اعتراض الأمن المستمر على إقامة الانتخابات في مواعيد سابقة، بحجة صعوبة تأمين اللجان واحتمال تعرضها لـ"عمليات إرهابية" خاصة في سيناء والصعيد، أخذاً بالاعتبار أن الأمن كان السبب الأساسي لتأخر تقسيم الدوائر بتباطؤه في إمداد لجنة التقسيم بالبيانات السكانية للدوائر والمراكز. السبب الثاني هو قرب ذكرى ثورة 25 يناير، وما تحمله هذه الذكرى من تظاهرات لمختلف التيارات السياسية التي شاركت في الثورة منذ 4 سنوات، في ظل احتمال نزول "الإخوان المسلمين" من جديد إلى الشوارع، ووجود مظلوميات لدى التيارات الشبابية اليسارية بلغت حد الخصومة مع النظام الحالي، بسبب الأحكام المتوالية ضد رموزها بالسجن في قضايا التظاهر.

أما السبب الثالث فهو استمرار الجدل داخل لجنة الانتخابات على إجرائها على مرحلتين أو ثلاث، بحسب تقسيم دوائر القوائم المغلقة المطلقة التي تمثل 22 في المئة تقريباً من عدد مقاعد البرلمان، والتي يبلغ عددها أربع دوائر، اثنتان كبيرتان لكل منهما 45 مقعداً، واثنتان صغيرتان لكل منهما 15 مقعداً.

وفسّرت مصادر حديث السيسي عن إجراء الانتخابات في مارس بأنه سيُجري مرحلة أولى قبل المؤتمر الاقتصادي ومرحلة ثانية بعد المؤتمر، غير أنها جزمت بأنه "لا أحد يعلم على وجه التحديد ماذا سيحدث".

وتظهر في هذا السياق مشكلة محدودية عدد القضاة الذين لا يزيد عددهم عن 20 ألفاً، وفي حالة انتدابهم جميعاً لرئاسة اللجان الفرعية، فسيعني هذا انعدام وجود أي رصيد احتياطي من القضاة يمكن اللجوء إليه في الحالات الطارئة.